جارٍ تحميل التاريخ...

– الدين والحياة الطيبة – الدين والذكر

– الدين والحياة الطيبة – الدين والذكر

بسم الله، والحمد لله؛ والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد؛ فهذا هو الدرس السادس عشر من دروس “الدين والحياة الطيبة“، وهو يحاول بيان مركزية (الذكر) باعتباره غاية يَتَطلعُ الدين لِبلوغها، ويتشوف جهده ليبعث في المؤمنين الرغبة في تجسيد حقيقتها؛ قال تعالى معللا الأمر بذكره الكثير لكونه وسيلة الفلاح الذي يسعى المؤمن لتحصيله: ﴿وَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ كَثِيراٗ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۖ﴾ [الجمعة: 10]؛ يقول الإمام البقاعي: « ولَمّا كانَ السَّعْيُ في طَلَبِ الرِّزْقِ مُلْهِياً عَنِ الذِّكْرِ؛ بَيَّنَ أنَّهُ أعْظَمُ السَّعْيِ في المَعاشِ وأنَّ مَن غَفَلَ عَنْهُ لَمْ يَنْجَحْ لَهُ مَقْصِدٌ وإنْ تَحايَلَ لَهُ بِكُلِّ الحِيَلِ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَقالَ: ﴿وَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ﴾ أيِ الَّذِي بِيَدِهِ كُلُّ شَيْءٍ ولا شَيْءَ لِغَيْرِهِ فَإنَّهُ لا رُخْصَةَ في تَرْكِ ذِكْرِهِ أصْلاً. ولَمّا كانَ العَبْدُ مَطْلُوباً بِالعِبادَةِ في كُلِّ حالٍ فَإنَّهُ مَجْبُولٌ عَلى النِّسْيانِ، فَمَهْما فَتَرَ عَنْ نَفْسِهِ اسْتَوْلَتْ عَلَيْها الغَفْلَةُ فَمَرَنَتْ عَلى البِطالَةِ فَهَلَكَتْ؛ قالَ: ﴿كَثِيراٗ﴾؛ أيْ بِحَيْثُ لا تَغْفُلُوا عَنْهُ بِقُلُوبِكم أصْلاً ولا بِألْسِنَتِكم حَتّى عِنْدَ الدُّخُولِ إلى الخَلاءِ وعِنْدَ أوَّلِ الجِماعِ وعِنْدَ الإنْزالِ، واسْتَثْنى مِنَ اللِّسانِيِّ وقْتَ التَّلَبُّسِ بِالقَذَرِ كالكَوْنِ في قَضاءِ الحاجَةِ.

ولَمّا كانَ مُرادَ الإنْسانِ مِن جَمِيعِ تَصَرُّفاتِهِ الفَوْزُ بِمُراداتِهِ؛ قالَ مُعَلِّلاً لِهَذا الأمْرِ: ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۖ﴾ أيْ لِتَكُونُوا عِنْدَ النّاظِرِ لَكم والمُطَّلِعِ عَلَيْكم مِن أمْثالِكم مِمَّنْ يَجْهَلُ العَواقِبَ عَلى رَجاءٍ مِن أنْ تَظْفَرُوا بِجَمِيعِ مَطْلُوباتِكُمْ، فَإنَّ الأُمُورَ كُلَّها بِيَدِ مَن تُكْثِرُونَ ذِكْرَهُ، وهو عالِمٌ بِمَن يَسْتَحِقُّ الفَلاحَ فَيُسْعِفهُ بِهِ وبِمَن عَمِلَ رِياءً ونَحْوَهُ فَيُخَيِّبهُ، فَإذا امْتَثَلْتُمْ أمْرَهُ كانَ جَدِيراً بِتَنْوِيلِكم ما تُرِيدُونَ، وإنْ نَسِيتُمُوهُ كُنْتُمْ جَدِيرِينَ بِأنْ يَكِلَكم إلى أنْفُسِكم فَتَهْلَكُوا »[1].

هذا وقد تواتر ورود لفظ (الذكر) في القرآن حتى بلغ ذكره ثمانية وستين ومئتي (268) مرة؛ فقد جاء في أربعة وخمسين ومائة (154) موضع بصيغة الفعل بتصريفاته المتنوعة، ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿وَذَكَرَ اَ۬للَّهَ كَثِيراٗۖ﴾ [الأحزاب: 21]؛ خاصة صيغة الأمر حيث وردت في واحد وثلاثين (31) موضعاً؛ نحو قوله سبحانه: ﴿فَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ﴾ [البقرة: 199]، كما ورد بصيغة الاسم وبتصريفاته المتنوعة في مئة وأربعة عشر موضعاً (114)، من ذلك قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ اَ۬لَايَٰتِ وَالذِّكْرِ اِ۬لْحَكِيمِۖ﴾ [آل عمران: 57].

لقد وردت كلمة (الذكر) ومشتقاتها في القرآن الكريم بمعانٍ تتناسب مع السياقات التي اسْتُعْمِلَت فيها، معانٍ اشتملت على أمور منها:

  • الذكر بمعنى القرآن؛ فبالإضافة إلى كون القرآن من أعظم صور ذكر الله جل وعلا؛ هو منطلق التعريف بما يستحقه الله من الذكر، ومن الآيات المتضمنة لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَهَٰذَا ذِكْرٞ مُّبَٰرَكٌ اَنزَلْنَٰهُۖ﴾ [الأنبياء: 50]، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا يَاتِيهِم مِّن ذِكْرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ اِلَّا اَ۪سْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: 2]؛
  • الذكر بمعنى الشرف؛ قال تعالى مبينا لنبيه أن القرآن شرف له ولقومه: ﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٞ لَّكَ وَلِقَوْمِكَۖ﴾ [الزخرف: 43]، ومثله قوله تعالى مبينا كون القرآن هو ظَرْفَ الشرف ووِعاءَه: ﴿لَقَدَ اَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَٰباٗ فِيهِ ذِكْرُكُمُۥٓۖ﴾ [الأنبياء: 10]؛
  • الذكر بمعنى العظة؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْۖ فَإِنَّ اَ۬لذِّكْر۪ىٰ تَنفَعُ اُ۬لْمُومِنِينَۖ﴾ [الذاريات: 55]؛
  • الذكر بمعنى شرع الله؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنَ اَعْرَضَ عَن ذِكْرِے فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكاٗ﴾ [طه: 122]، من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، وهو بمعنى ما يذكره الله سبحانه من كلامه الذي هو شرعه، ونحوه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُّعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِۦ نَسْلُكْهُ عَذَاباٗ صَعَداٗۖ﴾ [الجن: 17]؛
  • الذكر بمعنى الطاعة والثواب؛ فمن ذلك قَولُه تعالى في بيان أن طاعة المكلفين فيما أمرهم به ونهاهم عنه سبب ذكر الله لهم بالإثابة بالأجر والمغفرة ﴿فَاذْكُرُونِےٓ أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 151]، ومن معانيه اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب؛
  • الذكر بمعنى ذكر اللسان الذي أصله القلب؛ قال تعالى آمرا بالاشتغال بذكره تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وتهليلا ونحوَها: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ اُ۬لصَّلَوٰةَ فَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ قِيَٰماٗ وَقُعُوداٗ وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْۖ﴾ [النساء: 102]، ونحوَه قوله تعالى: ﴿اُ۟ذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ ذِكْراٗ كَثِيراٗ﴾ [الأحزاب: 41]؛
  • الذكر بمعنى التذكر؛ قال تعالى: ﴿وَالذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً اَوْ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اُ۬للَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْۖ﴾ [آل عمران: 135]
  • الذكر بمعنى الحفظ؛ ومن ذلك قوله تعالى مرغبا في حفظ نعم الله عليهم بشكرها ووضعها فيما جُعِلت له: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اَ۬للَّهِ عَلَيْكُمُۥٓ إِذْ كُنتُمُۥٓ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰناٗۖ﴾ [آل عمران: 103]…

الذكر غاية الدين وثمرة تكاليفه

إن آيات القرآن تدل بمجموعها على أن الذكر هو من أعظم غايات إنزال الدين التي يتم بها اكتمال نُضج المتدين، وكيف لا وهو الممكن من دوام حضوره مع معبوده؟!، وهو وسيلته في نفي غفلته؟! وسبيله في دوام ارتباط قلبه بربه؟! قال تعالى واصفا أولي الألباب من المؤمنين القائمين بما يُستجلب به دوام الحضور: ﴿اِ۬لذِينَ يَذْكُرُونَ اَ۬للَّهَ قِيَٰماٗ وَقُعُوداٗ وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِے خَلْقِ اِ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلاٗ سُبْحَٰنَكَۖ فَقِنَا عَذَابَ اَ۬لنّ۪ارِۖ﴾ [آل عمران: 191]؛ يقول العلامة البقاعي: « ولَمّا كانَ كُلُّ مُمَيِّزٍ يَدَّعِي أنَّهُ في الذِّرْوَةِ مِنَ الرَّشادِ؛ نَعَتَهم بِما بَيَّنَ مَن يُعْتَدُّ بِعَقْلِهِ؛ فَقالَ: ﴿ اِ۬لذِينَ يَذْكُرُونَ اَ۬للَّهَ﴾ أيْ: الَّذِي لَيْسَ في خَلْقِهِ لَهُما ولا لِغَيْرِهِما شَكٌّ، ولَهُ جَمِيعُ أوْصافِ الكَمالِ.

ولَمّا كانَ المَقْصُودُ الدَّوامَ، وكانَ قَدْ يُتَجَوَّزُ بِهِ عَنِ الأكْثَرِ؛ عَبَّرَ عَنْهُ لِهَذا التَّفْصِيلِ نَفْياً لِاحْتِمالِ التَّجَوُّزِ ودَفْعاً لِدَعْوى العُذْرِ؛ فَقالَ: ﴿قِيَٰماٗ وَقُعُوداٗ﴾، ولَمّا كانَ أكْثَرُ الِاضْطِجاعِ عَلى الجَنْبِ؛ قالَ: ﴿وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ أيْ: في اشْتِغالِهِمْ بِأشْغالِهِمْ، وفي وقْتِ اسْتِراحَتِهِمْ، وعِنْدَ مَنامِهِمْ؛ فَهم في غايَةِ المُراقَبَةِ… »[2].

إن الذكر – باعتباره حالةً من استصحاب اليقظة والحضور والحفظ التي يشتمل عليها قلب العبد – مِن أَجَلِّ ثَمَرَات العمل بما جاء به الدين من التكاليف؛ فهي إنما شرعت لتحقيقه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّنِيَ أَنَا اَ۬للَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا فَاعْبُدْنِے وَأَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ لِذِكْرِيَۖ﴾ [طه: 14]؛ يقول العلامة الألوسي في تفسيره: « وقَوْلُهُ تَعالى ﴿لِذِكْرِيَ﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأقِم؛ أيْ أقِمِ الصَّلاةَ لِتَذْكُرَنِي فِيها لِاشْتِمالِها عَلى الأذْكارِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ، وقَرِيبٌ مِنهُ ما قِيلَ أيْ لِتَكُونَ لِي ذاكِراً غَيْرَ ناسٍ فِعْلَ المُخْلِصِينَ في جَعْلِهِمْ ذِكْرَ رَبِّهِمْ عَلى بالٍ مِنهم وتَوْكِيلِ هِمَمِهِمْ وأفْكارِهِمْ بِهِ، وفُرِّقَ بَيْنَهُما بِأنَّ المُرادَ بِالإقامَةِ عَلى الأوَّلِ تَعْدِيلُ الأرْكانِ، وعَلى الثّانِي الإدامَةُ، وجُعِلَتِ الصَّلاةُ في الأوَّلِ مَكاناً لِلذِّكْرِ ومَقَرَّهُ وعِلَّتَهُ، وعَلى الثّانِي جُعِلَتْ إقامَةُ الصَّلاةِ – أيْ إدامَتُها – عِلَّةً لِإدامَةِ الذِّكْرِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ أدِمِ الصَّلاةَ لِتَسْتَعِينَ بِها عَلى اسْتِغْراقِ فِكْرِكَ وهَمِّكَ في الذِّكْرِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِۖ ﴾[البقرة: 44]… »[3].

إن الذكر أعظمُ عُدَّةٍ جاء بها الدين لنفي الغفلة عن الله، وأبلغُ حِصْنٍ مِن التَّلَهِّي عن دينه بدنياه، بحيث يأمن من الاشتغال بها اشتغالا يُنسيه عبوديته التي هي غاية وجوده؛ قال تعالى مخاطبا بوصف الإيمان تنبيهاً إلى طلب الصدق فيه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلْهِكُمُۥٓ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ اِ۬للَّهِۖ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْخَٰسِرُونَۖ﴾ [المنافقون: 9]؛ يقول العلامة الألوسي: « أيْ لا يَشْغَلُكُمُ الِاهْتِمامُ بِتَدْبِيرِ أُمُورِها والِاعْتِناءِ بِمَصالِحِها والتَّمَتُّعِ بِها عَنِ الِاشْتِغالِ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ الصَّلاةِ وسائِرِ العِباداتِ المُذَكِّرَةِ لِلْمَعْبُودِ الحَقِّ جَلَّ شَأْنُهُ؛ فَذِكْرُ اللَّهُ تَعالى مَجازٌ عَنْ مُطْلَقِ العِبادَةِ كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الحَسَنِ وجَماعَةٍ، والعَلاقَةُ السَّبَبِيَّةُ لِأنَّ العِبادَةَ سَبَبٌ لِذِكْرِهِ سُبْحانَهُ، وهو المَقْصُودُ في الحَقِيقَةِ مِنها.

وفِي رِوايَةٍ عَنِ الحَسَنِ أنَّ المُرادَ بِهِ جَمِيعُ الفَرائِضِ، وقالَ الضَّحّاكُ وعَطاءٌ: الذِّكْرُ هُنا الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ، وقالَ الكَلْبِيُّ: الجِهادُ مَعَ الرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقِيلَ: القُرْآنُ. والعُمُومُ أوْلى.

ويُفْهِمُ كَلامُ الكَشّافِ أنَّ المُرادَ بِالأمْوالِ والأوْلادِ الدُّنْيا، وعَبَّرَ بِهِما عَنْها لِكَوْنِهِما أرْغَبَ الأشْياءِ مِنها؛ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿اِ۬لْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ اُ۬لْحَيَوٰةِ اِ۬لدُّنْي۪اۖ﴾ [الكهف: 45] فَإذا أُرِيدَ بِذِكْرِ اللَّهِ العُمُومُ يَؤُولُ المَعْنى إلى: لا تَشْغَلَنَّكُمُ الدُّنْيا عَنِ الدِّينِ، والمُرادُ بِنَهْيِ الأمْوالِ وما بَعْدَها نَهْيُ المَخاطَبِينَ، وإنَّما وُجِّهَ إلَيْها لِلْمُبالَغَةِ لِأنَّها لِقُوَّةِ تَسَبُّبِها لِلَّهْوِ وشِدَّةِ مَدْخَلِيَّتِها فِيهِ جُعِلَتْ كَأنَّها لاهِيَةٌ، وقَدْ نُهيت عَنِ اللَّهْوِ، فالأصْلُ لا تَلْهُوا بِأمْوالِكم.. إلَخْ، فالتَّجَوُّزُ في الإسْنادِ.

وقِيلَ: إنَّهُ تَجَوُّزٌ بِالسَّبَبِ عَنِ المُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَا يَكُن فِے صَدْرِكَ حَرَجٞ﴾ [الأعْرافَ: 1] أيْ لا تَكُونُوا بِحَيْثُ تُلْهِيكم أمْوالُكم إلَخْ.

﴿وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَٰلِكَ﴾ أي اللَّهْوَ بِها وهو الشُّغْل، وهَذا أبْلَغُ مِمّا لَوْ قِيلَ: ومَن تُلْهِهِ تِلْكَ؛ ﴿فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْخَٰسِرُونَۖ﴾ حَيْثُ باعُوا العَظِيمَ الباقِي بِالحَقِيرِ الفانِي، وفي التَّعْرِيفِ بِالإشارَةِ والحَصْرِ لِلْخُسْرانِ فِيهِمْ، وفي تَكْرِيرِ الإسْنادِ وتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الفَصْلِ ما لا يَخْفى مِنَ المُبالَغَة »[4].

إن ذكر الله هو الغاية العظيمة التي يسعى الدين لتحقيقها في حياة المؤمنين، وذلك لأجل أن يَصْبُغَ بها المتدينَ حتى يستديم حضور الله في قلبه، حضورا يمكنه من بناء سلوكه على أساس استشعار مراقبة الله له إن لم يبلغ مرتبة مشاهدته؛ قال رسول الله ﷺ في بيان معنى الإحسان المطلوب: « أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك »[5].

هذا والله ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق.

[1]– نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 10/67-68.

[2]– المصدر نفسه 5/156.

[3]– روح المعاني 16/261.

[4]– المصدر نفسه 27/173-174.

[5]– رواه البخاري، حديث رقم: 50، ومسلم، حديث رقم: 8.


At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)