جارٍ تحميل التاريخ...

ثقافة الإمام-8- ذ. عبد اللطيف الميموني

النسخة المكتوبة

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وإماما للمتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

معاشر الأئمة الفضلاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذه الحصة المباركة بإذن الله تعالى أتحدث إلى فضيلتكم عن مقومات ثقافة الإمام في البلاغ، بعون الله تعالى وتوفيقه.

1 – الإمام وثقافة التواصل:

ثقافة التواصل من الركائز الأساس للإمام، لأنها تجمع بين القضايا الدينية والثقافية والفكرية والاجتماعية بما في ذلك الأعراف والعوائد المختلفة المتجذرة في الناس حسب المناطق، وخاصة في هذا الزمن الذي تتنازع فيه التحولات الفكرية والاجتماعية جراء الثورة التكنولوجية الحديثة.

لا أحد من العقلاء ينكر أن الإمام يعتبر أهم أحد الركائز الأساس في بناء المجتمع المسلم، ليس فقط باعتباره مؤدّيا للصلاة أو ناقلًا للفتوى والإرشاد، بل لأنه حامل رسالة، ومربٍّ، ومرشد، ووسطةُ عقد بين رسالة العلماء وواقع الناس وحاجاتهم اليومية، فإذا أتقن الإمام ثقافة التواصل مع الناس، بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الفكرية والاجتماعية كان ذلك أدعى إلى الاستجابة.

فلا يقصد بالتواصل القدرةُ على الكلام فقط، بل يدخل ضمنه عدد من المقومات، ومنها:

§  الاقتراب من الناس والإنصات الجيد لمشاكلهم وهمومهم؛

§   القدرة على إيصال المعلومة بلغة يفهمها الجميع، بل ينبغي لصاحب اللهجة المحلية توظيفُها كالشلحة والأمازيغية والريفية، لأن الهدف هو إيصال المعلومة بشكل جيد حتى يكون لها تأثير جيد كذلك، فلسان القوم آدة للتبليغ عملا بقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ اِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْۖ} [إبراهيم: 5]؛

§  مراعاة أحوال الناس واختلافُ مستوياتهم في الإدراك، والتعاملُ معهم بالحكمة واللين، دون تجريح أو تعريض بذلك، والله تعالى يقول: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ اَ۬لْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَۖ} [آل عمران: 159]، لأن الاحتواء والتعاطف خير من التوبيخ والنقد الذي لا يجدي نفعا.

ومن هنا يمكن القول: إن الذي يحمل همّ تبليغ الرسالة ولديه حرقة تجده يبحث باستمرار عن كل ما ينفعه في إحكام تبليغه.

2 – مهارات التواصل:

إن الإمام في حاجة مستمرة لتثقيف ذاته بمهارات التواصل، لأن ذلك يدخل ضمن الإعداد الجيد لتبليغ رسالته، ليكون تديّن الناس سليما، وقريبًا إلى قلوبهم، فإذا تحقق هذا الهدف يكون الإمام قد جلب لنفسه الثقة والقدوة، فيسهل عليه:

§  حل المعضلات الاجتماعية التي منها: الخلافات الزوجية، وقضايا الجيران، ومشاكلُ الشباب والآفاتُ المرتبطة بهم، كالمخدرات والقمار وغيرها، وكذلك القضايا النفسية وما أكثرها.

§  مواجهة التحديات الفكرية المعاصرة: خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ودخول الأفكار المنحرفة، فإذا استطاع الإمام الانفتاح على هذا العالم اللامحدود يمكنه أن يسهم في تحصين الناس من الانجرار نحو الهوة السحيقة التي لا يدرَك عمقُها، ولاسيما الشباب.

ولأجل إنجاح هذه الغاية لا بد للإمام أن يتسم بـ:

سعة الصدر والحِلم: فالتعامل مع الناس يتطلب صبرًا وتؤدة؛

اطلاعه على أحوال الناس، ومعاشرتهم ومخالطتهم، والصبر عليهم، وتحملهم.

التواضع واللين: لأن ذلك مفتاح القلوب.

الانفتاح على وسائل العصر واستعمالها ولاسيما الشباب من الأئمة.

ولنا في رسول الله ﷺ إسوة حسنة، فمن تأمل في السيرة العطرة وجدها ملئ بالعبر والدروس في هذا الشأن، من ذلك:

§ كان عليه الصلاة والسلام يبتسم في وجه أصحابه ويُمازحهم أحيانًا دون كذب؛

§ وكان ﷺ يخاطب الناس على قدر عقولهم؛

§ ولقد استمع صلوات ربي وسلامه عليه لصوت امرأة تشكو زوجها ولم يضجر منها، فنزل فيها قرآن، وهي خولة بنت ثعلبة مع زوجها أوس بن الصامت، رضي الله عنهما؛

§ جاءه أحد الأعراب وقال له: “يا محمد أعطني فإنك لا تُعطي من مالك ولا مال أبيك!”، فابتسم وأعطاه، صلوات ربي وسلامه عليه.

إنّ نجاح الإمام في أداء دوره لا يعتمد فقط على علمه الشرعي، بل أيضًا على قدرته على التواصل والتأثير، وعلى مدى قربه من الناس ومعرفته بأحوالهم. وكلما كان الإمام متواضعًا، مستمعًا جيدًا، مُحبًّا للناس دخل إلى قلوبهم، وأسهم في صلاحهم وصلاح المجتمع.

هذا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

والحمد لله رب العلمين.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)