You may also like
Page 3 of 9
جارٍ تحميل التاريخ...
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد سبق الحديث أن الحكم الشرعي قسمان:
حكم تكليفي وحكم وضعي، وتم تفصيل الكلام على الحكم التكليفي وأنواعه في الحلقات السابقة، وأتناول في هذه الحلقة بحول الله الحكم الوضعي وأنواعه فأقول وبالله التوفيق والسداد.
إن الحكم الوضعي في اصطلاح علماء أصول الفقه هو: خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سببا لشيء آخر أو شرطا له أو مانعا منه أو عزيمة أو رخصة أو صحيحا أو فاسدا.
شرح التعريف: إن الحكم الوضعي هو ما وضعه الشارع علامة وأمارة على شيء معين أو على حكم شيء معين، فقد وضع الشارع مثلا غروب الشمس علامة على وجوب صلاة المغرب وجعل امتلاك النصاب في الأموال المزكاة علامة على وجوب الزكاة، أي أن الشرع ربط في الحكم الوضعي بين شيئين؛ جعل أولهما سببا للثاني أو شرطا له أو مانعا منه، أو جعله صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة.
ويتبين من ذلك أن أنواع الحكم الوضعي عند جمهور الأصوليين سبعة: السبب، والشرط والمانع، الصحة، والفساد، والعزيمة، والرخصة، وقلت عند جمهور الأصوليين لأن بعض الأصوليين اقتصروا على الثلاثة الأولى فقط: السبب والشرط والمانع.
الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي: هناك عدة فروق تميز الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي أوضحها:
أنواع الحكم الوضعي:
أنواعه عند جمهور الأصوليين سبعة وهي: السبب، والشرط، المانع، والصحة والفساد، والعزيمة والرخصة.
من معاني السبب في اللغة الحبل والطريق، قال تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اِلَى اَ۬لسَّمَآءِ} [الحج: 15]، أي فليمدد بحبل إلى السماء، وقال جل من قائل عن ذي القرنين: {ثُمَّ اَ۪تَّبَعَ سَبَباً حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ اَ۬لشَّمْسِ} [الكهف: 87]، أي اتبع طريقا إلى جهة المشرق.
وفي اصطلاح علماء الأصول يطلق السبب ويراد به: الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم.
والمراد بالوصف الظاهر: الوصف المعلوم وغير الخفي، وذلك مثل دلوك الشمس الذي جعله الشارع سببا لوجوب صلاة الظهر، والقرابة التي جعلها سببا لاستحقاق الإرث، والصغر الذي اعتبره سببا للحجر على الصغير، فكل من الدلوك والقرابة والصغر أوصاف وليست ذوات، وكلها ظاهرة غير خفية.
ومعنى “المنضبط” المطرد؛ أي أن هذا الوصف الظاهر لا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة، فالصفات الثلاث المذكورة: الدلوك والقرابة والصغر كلها منضبطة، ومفهوم المنضبط أن الوصف غير المنضبط لا يعتبر سببا وذلك مثل المشقة في السفر، لأن المشقة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ووسائل السفر لذلك فجواز قصر الصلاة والإفطار في رمضان أثناء السفر ليس بسبب المشقة، بل بسبب السفر نفسه لأن السفر منضبط، فهو قطع مسافة معينة 84 كلم على الأقل في أي ظرف كان أو عبر أي وسيلة من وسائل النقل، فكل من قطع هذه المسافة بأي وسيلة كانت يسمى مسافرا يجوز له القصر والإفطار بسبب هذا السفر.
ومعنى: “يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم” أي أن السبب الذي هو الوصف الظاهر المنضبط حينما يوجد يوجد عنده المسبب وهو الأثر والحكم المترتب عليه، وعندما ينعدم ينعدم الحكم.
فعندما يوجد الغروب مثلا يوجد الحكم وهو وجوب صلاة المغرب، وعندما يوجد السفر يوجد الحكم وهو جواز القصر والإفطار، وعندما ينعدم السفر ينعدم القصر والإفطار.
لكن لابد من الإشارة إلى أن وجود الحكم عند وجود السبب رهين بتوفر الشرط وانتفاء المانع، وذلك بأنه قد يوجد السبب ولا يترتب عليه الحكم، مثل امتلاك النصاب في الزكاة قبل مرور الحول.
فسبب وجوب الزكاة هو امتلاك النصاب في الأموال المزكّاة، لكن لا يجب على الإنسان أن يزكي بمجرد امتلاك النصاب بل حتى يمر عليه الحول الذي هو شرط في وجوب إخراج الزكاة، وقد يمتلك النصاب ويمر عليه الحول ولا تجب عليه الزكاة، وذلك في حال وجود مانع؛ مثل أن يكون في ذمته دين يستغرق المال المزكى أو ينقصه عن النصاب عند من يرى من الفقهاء أن الدين يمنع وجوب الزكاة فلا يترتب الحكم على السبب إلا إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع.
ذهب جمهور الأصوليين إلى أن الحكم أو الأثر المترتب على السبب إذا أدركنا المناسبة والملاءمة بينهما أي بين السبب والمسبب فإنه يسمى حينئذ سببا ويسمى علة، وإذا لم ندرك هذه المناسبة فهو سبب فقط وليس علة؛ أي أن السبب أعم من العلة، فكل علة سبب وليس كل سبب علة، فغروب الشمس مثلا سبب لوجوب صلاة المغرب وليس علة لأننا لا نرك بعقولنا المناسبة بين الغروب ووجوب الصلاة.
وعقد البيع مثلا الذي يترتب عليه نقل الملكية سبب وعلة، وذلك لأن نقل الملكية مناسب لعقد البيع.
يتنوع السبب إلى أنواع باعتبارات مختلفة.
– سبب في مقدور المكلف؛ أي في استطاعته أن يحدثه، وذلك مثل السفر الذي هو سبب في قصر الصلاة وإباحة الفطر في رمضان، والبيع الذي هو سبب لملك المبيع، والنكاح الذي هو سبب لحل الاستمتاع، فهذه الأسباب كلها في استطاعة المكلف أن يفعلها أو يتركها.
– سبب خارج عن قدرة المكلف؛ وذلك مثل غروب الشمس، ودلوكها، والصغر، والنسب، فهذه الأسباب كلها خارجة عن قدرة المكلف واستطاعته.
– سبب يترتب عليه حكم تكليفي؛ مثل رؤية هلال رمضان الذي جعله الشارع سببا لوجوب الصيام، ودلوك الشمس الذي جعله سببا لوجوب الظهر.
– سبب يترتب عليه اثبات ملك أو حل أو إزالتهما؛ وذلك مثل البيع الذي هو سبب لنقل ملكية المبيع إلى المشتري وإزالتها عن البائع، والنكاح الذي هو سبب في حل الاستمتاع بين الزوجين، والطلاق الذي هو سبب في إزالة هذه الحلية.
وسأتابع الحديث -إن شاء الله تعالى- عن بقية أنواع الحكم الوضعي في الحلقات المقبلة، وإلى ذلكم الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.