جارٍ تحميل التاريخ...

جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة قمة التوحيد

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة منبرية في موضوع: قمة التوحيد
ليوم الجمعة 04 أكتوبر 2024

 

الحمد لله الكبير المتعال، المنزه عن الشبيه فيما له من جمال وجلال وكمال، نحمده تعالى ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، إمام الموحدين، وسيد المرسلين، والواثق بما جاء عن رب العالمين، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاما يتعاقبان ما تعاقبت الليالي والأيام، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، إن تحقيق مقاصد تسديد التبليغ الذي يدعو إليه العلماء على الصعيد الوطني لإصلاح الأحوال، وإسعاد الناس في الحال والمآل منوط بمدى التخلق بأخلاق الإيمان، والتحلي بأوصاف الموحدين المفوضين إلى الله تعالى أمورهم، والراضين عن الله بالله في كل ما يأتون ويذرون، مصداقا لقول النبي ﷺ، لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

«يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»[1].

معاشر المومنين، هذا الحديث يصفه العلماء بأنه قمة التوحيد، وذلك لما يتضمنه من المعاني السامية، والمضامين العالية، فيما يسعد المؤمن ويجعله متوكلا على الله في كل أموره، مفوضا له في سره وعلانيته، متحررا من الخوف والهلع واليأس والقنوط، معرضا عن وساوس النفس والشيطان، واثقا بربه عز وجل فيما وعده به من الحفظ، إذا حفظ دينه، وهذه هي بعض معاني: احفظ الله يحفظك، أي احفظ حدود الله في أمره ونهيه، يحفظك في دينك ودنياك وآخرتك، احفظ الله تجده تجاهك أي أمامك كلما دعوته استجاب دعوتك، فلا تجعل الذنوب حجابا بينك وبينه، وإذا سألت فاسأل الله، فإنه تعالى لا مكره له، ولا أحد يمنعه من أن يعطيك، وإذا استعنت في أمر من الأمور، فاستعن بالله، فإنه نعم المعين، كما تكرر دائما في فاتحة الكتاب:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُۖ﴾[2].

واعلم يقينا أن الناس جميعا لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك [إلا بشيء قد كتبه الله عليك].

ولذلك طمأن الرسول ﷺ صاحبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه في غار ثور فقال له:

﴿ لَا تَحْزَنِ اِنَّ اَ۬للَّهَ مَعَنَاۖ ﴾[3]

إن الله معنا بالعصمة وبالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة، ومن كان معه الله فمعه الفئة التي لا تغلب، فهي معية مخصوصة، وإلا فهو تعالى مع كل واحد من خلقه.

ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف

يشهد لذلك قوله تعالى:

﴿وَإِنْ يَّمْسَسْكَ اَ۬للَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِنْ يُّرِدْكَ بِخَيْرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦۖ يُصِيبُ بِهِۦ مَنْ يَّشَآءُ﴾.[4]

فالله يملك أزمة الأمور وهو القادر لا سواه، وهو الضار النافع سبحانه، وليس لأحد معه في ذلك شيء.

ألا فاتقوا الله، عباد الله، وثقوا بوعده تفوزوا في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله المجزي عن الإحسان إحسانا، المغني من فضله مَنْ أكرم ذا الشيبة منة ورضوانا، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله، إن من الإيمان والعمل الصالح الذي جاءت به شريعة الإسلام العنايةَ بالمسنين وكبار السن، الذين هم في حاجة إلى الرعاية والعناية المليئة بالعطف والحنان والرحمة والرفق وكل خصال الخير.

كيف لا، والقرآن الكريم نوه بشأنهم وجازى من رعى حقهم خير الجزاء، كما في قوله تعالى حكاية عن بنات شعيب عليه السلام:

﴿لَا نَسْقِے حَتَّيٰ يُصْدِرَ اَ۬لرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٞ كَبِيرٞۖ (23) فَسَق۪يٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلّ۪يٰٓ إِلَي اَ۬لظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّے لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٖ فَقِيرٞۖ﴾[5].

وخلاصة الآية أن موسى عليه السلام سقى لامرأتين غنمهما إكراما لأبيهما الكبير، وجوزي موسى عليه السلام على حسن صنيعه وجميل فعله في الدنيا والآخرة.

وأما السنة فقد ورد فيها من الأحاديث والوصايا بكبار السن الوالدين وغيرهم الشيء الكثير نذكر منها:

قول النبي ﷺ:

إن من تعظيم جلال الله، عز وجل إكرامَ ذي الشيبة في الإسلام، وإن من تعظيم جلال الله إكرامَ الإمام المقسط“[6].

فهذا الحديث يفيد أن من أكرم الشخص المسن في الإسلام فقد بلغ الغاية في تعظيم الله تعالى وإجلاله، وهذا كاف في بيان قيمة رعاية المسنين والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، فعلا كان أو قولا، أو ابتسامة في وجهه.

ومن ذلك أيضا قول النبي ﷺ:

ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه“[7].

وفيه الجزاء من جنس العمل؛

﴿هَلْ جَزَآءُ اُ۬لِاحْسَٰنِ إِلَّا اَ۬لِاحْسَٰنُۖ﴾[8].

ومنه كذلك قوله ﷺ:

“البركة مع أكابركم”[9].

يعني في خدمتهم والسهر على توقيرهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم، ففي ذلك الخير كله.

وقال ﷺ، في مقابل ذلك على سبيل التنفير من الإساءة إلى كبار السن:

“من لم يرحم صغيرنا ويعرفْ حق كبيرنا فليس منا”[10].

فنفى النبي ﷺ أن يكون على سنته وهديه من لم يرحم الصغار ولم يوقر الكبار من الوالدين وغيرهم، ولم يعرف للناس حقوقهم في المودة والرحمة والبر والإحسان.

عباد الله، إن العمل بهذه الآيات والأحاديث في توقير الكبار والمسنين بدءا بالوالدين والأقارب وكل من يسر الله لك اللقاء بهم من صميم ما تهدف إليه خطة تسديد التبليغ، من إشاعة الرحمة بين الناس ورفع الحرج والعنت عنهم، حتى يعيش الجميع حياة طيبة، كما وعد بها الله تعالى في القرآن الكريم:

﴿مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪يٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ﴾[11].

هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين لهم إلى يوم الدين.

وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، مولانا أمير المومنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا تعز به الدين، وترفع به راية المسلمين، واحفظه اللهم بحفظ كتابك، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم بعفوك وكرمك الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما واجعلهما في مقعد صدق عندك.

اللهم ازرقنا اليقين في إيماننا، والسداد في أقوالنا وأفعالنا، والرضى بما أوليتنا من نعمك التي لا تعد ولا تحصى، الظاهرة منها والخفية، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.