جارٍ تحميل التاريخ...

جارٍ تحميل التاريخ...

إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات

آداب إسلامية وتنبيهات نبوية

 


 

نص الحديث:

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: « إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ووَأْدَ البنات، ومَنْعًا وهات، وكره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. »

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه: الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر برقم:(5975). والإمام مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع وهات، وهو الامتناع عن أداء حقٍّ لَزِمَه، أو طَلَبِ ما لا يستحقُّه. برقم:(593) وابن خزيمة وابن حبان في « صحيحيهما والإمام الدارمي في « مسنده » والإمامان أبو داود والنسائي في « سننهما » وغيرهما …

والحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف تحت رقم الحديث:(2896)

ترجمة الصحابي:

أبو عبد الله ‌المغيرة ‌بن ‌شعبة الثقفي ويقال أبو عيسى صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة، كان من دهاة قريش، «وكان يقال له: مغيرة الرأي؛ لكمال عقله ودهائه»

«أسلم عام الخندق، روى له الجماعة، رُوي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا على تسعة، وللبخاري حديث، ولمسلم حديثان. روى عنه: المِسْوَر بن مخرمة، وقيس بن أبي حازم، ومسروق بن الأجدع، وعُروة بن الزبير، وبنوه: عروة وحمزة وعقَّار بنو المغيرة، ومولاه وَرَّاد، وزياد بن عِلاقة، وعلي بن ربيعة الوَالبي، وأبو إدريس الخولاني، والشعبي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وغيرهم. مات سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين. »

 

معنى الحديث:

هذا الحديث النبوي الشريف تضمن توجيهات وتنبيهات، فقد حذرنا مولانا رسول الله  من مخالفات وكبائر، من تجنبنا ابتعد عن المهالك وعن مساؤئ الأخلاق، ومن وقع فيها -عياذا بالله- فقد هلك.

وهذه المحذورات هي:

أولا: إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم عليكم عقوق الأمهات:

إن الله جل في علاه حرم ونهى عن عقوق الأمهات، وعقوقهن: عصيانهن والخروج عليهن، ومُخَالَفَتُهُنَّ فِيمَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّلَاحِ، و »الامتناع من طاعتهن فيما يحسُن »، والعقوق من الكبائر بلا خلاف، وَأَصْلُ العُقُوقِ: القَطْعُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: عَقَّ الشَّيْء، أَيْ: قَطَعَهُ، فَكَأَنَّ العَاقَّ لِأُمِّهِ قَدْ قَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: عَقَّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ يَعُقُّهُ، أَيْ: شَقَّهُ»

وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الآيات القرآنية الكريمة والْأَحَادِيثُ النبوية الصَّحِيحَةُ عَلَى عَدِّهِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ عُقُوقُ الْآبَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ فقد ورد في رواية عند الإمام مسلم بدل » الأمهات » « الوالد » «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ ثَلَاثًا، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ؛ ‌حَرَّمَ ‌عُقُوقَ ‌الْوَالِدِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَلَا وَهَاتِ، وَنَهَى عَنْ ثَلَاثٍ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» والمراد به الجنسين من الذكر والأنثى – والله أعلم -»

وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الحديث على ذكر الْأُمَّهَاتِ لقبح أذاهن وشناعته وبشاعته، وخصهن بِالذكر لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُقُوقِ يَقَعُ لهن، وَيَطْمَعُ الْأَوْلَادُ فِيهِنَّ، ولِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْآبَاءِ، و »لعظم حقهن، وحقهن مقدم على حق الْأَب كَمَا قدمهن فِي الْبر، وَإِنَّمَا يُخَصُّ الشَّيْء بِالذكر مِن بَين جنسه لِمَعْنى فِيهِ يزِيد على غَيره»

وقد ورد التحذير في القرآن الكريم:

قال الله عز وجل: وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً [الإسراء23 – 24].
وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْاِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما [العنكبوت:8].
وقال: وَوَصَّيۡنَا ٱلۡاِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حۡسْنًاۖ ‌حَمَلَتۡهُ ‌أُمُّهُۥ ‌كَرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كَرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنَ اَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ  الأحقاف 15
وقال سبحانه:وَوَصَّيْنَا الْاِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنُ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنَ اَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ  [لقمان:14 – 15]
وفي الحديث النبوي الشريف:

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ»
«أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالدَيْنِ».
«قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكَ أَبَوَانِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».
«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُهُ عَلَى الهِجْرَةِ، وَتَرَكَ أَبَوَيْهِ يَبْكِيَانِ، قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَاكَمَا أَبْكَيْتَهُمَا».
«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ».
«أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ».
«رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الكِبْرِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ».
ثانيا:وَأْد البنات:

وأصل ‌الوأد في اللغة: الثِّقْلُ. يقال: وَأَدَهُ يَئِدُهُ وَأْداً: إذا أثقله، فكأنه يُثْقِلُ المولودة بالتراب. ومنه: وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة: 255] والموءودة هي «الْجَارِيَةُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا يُطْرَحُ عَلَيْهَا من التراب فيؤدها، أَيْ يُثْقِلُهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَدْفِنُ الْبَنَاتَ حَيَّةً مَخَافَةَ الْعَارِ وَالْحَاجَةِ»

قال تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ‌بِأَيِّ ‌ذَنْبٍ ‌قُتِلَتْ التكوير 8-9 وفي قراءة وَإذَا المَوْءُودَةُ سألَتْ ‌بِأيّ ‌ذَنْبٍ ‌قُتلَتْ بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأي ذنب قتلوها» « وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ لِأَنَّهُ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَتَضَمَّنُ أَيْضًا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْبَنَاتِ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ الَّذِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ » وكانوا يقتلون أولادهم تخفيفًا للمؤنة خشية الإملاق كما ورد في كتاب الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الْإِسْرَاءِ: 31] «وَكَانَ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ مِمَّنْ مَنَعَ ‌الْوَأْدَ فَافْتَخَرَ الْفَرَزْدَقُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَّا الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَاتِ … فَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ تُوأَدِ»

وهنا لابد من التحذير من الوأد الجديد أو الوأد الخفي للبنات، وذلك بالتفريط في حقوقهن ، وعدم تعليمهن، وعدم الحرص على تربيتهن التربية الصحيحة.

ثالثا:ومَنْعًا وهات:

وفي رواية: « ومنْع وهات » بدون تنوين، وفي أخرى « ولا وهات« ، مكان: منعا

قال الإمام ابن مالك النحوي رحمه الله تعالى: «ويمكن أن يكون الأصل. ومنع حق وهاتِ، فحذف المضاف إليه وبقيت هيئة الاضافة»

وفي الحديث إشارة إلى « الجَموع المنوع » الذي يأخذ ولا يعطي، يطلب ما ليس له وما لا حق له فيه، وما لا يحل له، ولا يعطي ما يجب عليه،

فمن التطفيف المنهي عنه: استفراغ الجهد في طلب الحقوق والتنافس على تحقيق المكاسب، والفتور والتكاسل والتقصير والتباطؤ في أداء الواجبات، والفرار والتهرب منها، بل وتضييعها في كثير من الأحيان.

وكره لكم ثلاثًا:

«وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ ثَلَاثًا وَكَرِهَ ثَلَاثًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ»

أولا:قيل وقال: والمراد بالقيل والقال «الْخَوْضُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا جُلُّهَا لغَلَطٌ، وَحَشْوٌ، وَغِيبَةٌ، وَمَا لَا يُكْتَبُ فِيهِ حَسَنَةٌ، وَلَا يسلم الْقَائِلُ وَالْمُسْتَمِعُ فِيهِ مِنْ سَيِّئِهِ»

قال الإمام ابن الملقن رحمه الله تعالى:«فائدة: وهذا النهي لا بد فيه من تقييده بالكثرة التي لا يؤمن معها وقوع الخطل والخطأ والتسبب إلى وقوع المفاسد من غير يقين والإِخبار بالأمور الباطلة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « كفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمع ». وقال بعض السلف: لا يكون إمامًا من حدَّث بكل ما سمع»

وقال الإمام ابن عبد البر :«فمعنى: « قيل وقال » -واللَّهُ أعلم- الحديثُ بما لا معنى لهُ ولا فائدةَ فيه من أحاديثِ الناس التي أكثَرُها غِيبةٌ ولَغَطٌ وكذِبٌ، ومَنْ أكثرَ مِنَ القيلِ والقالِ مع العامةِ لم يسلَمْ من الخوضِ في الباطل، ولا من الاغتياب، ولا من الكذِب. واللَّهُ أعلم»

ثانيا: وكثرة السؤال: العمليات، الماليات والماديات

«يعني: كثرة السؤال من العلماء فيما لا حاجةَ لكم فيه من ، فأما إذا سألتم ما تحتاجون إليه،

وإنما ورد النهي هنا عن كثرة السؤال، فلا بأس بالسؤال عما يحتاج إليه، وما ينفع، وما في تعلُّمهِ خيرٌ وثوابٌ، فلا يُكْرَه كثرةُ السؤال من هذا العلم، بل يُستحَبُّ» مع التزام الآداب والضوابط التي وضعها أهل العلم، أما أسئلة التنطع والمعاندة والمعارَضة وأسئلة الترف الفكري فمنهي عنها كما سنبين، واختلف العلماء في الأسئلة المنهي عنها، والمراد بها على أقوال منها:

كَثْرَة السُّؤَال للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّهُ قد قَالَ: » ذروني مَا تركتكم « ؛ فَإِنَّهُ رُبمَا سَأَلُوا فأجيبوا بِمَا لَا يطيقُونَهُ من الْمَفْرُوض
يُكْثِرُ السُّؤالَ عن المسائلِ النّوازلِ المُعْضَلَاتِ في معاني الدِّياناتِ والبحث عنها، وكثرة السُّؤال عند العلماء مذمومٌ.
كثرةُ سُؤال النَّاس أموالهم وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ والكَسْب بالسُّؤالِ؛ فَإِن من قصد سد الْفَاقَة لم يكثر السُّؤَال.
يحتمل أن يكون كثرة السؤال عن أحوال الناس، ويحتمل أن يكون عن المسائل فإنه يفضي به إلى مالا يعنيه
«وَأَمَّا كَثْرَةُ السُّؤَالِ فَقِيلَ:

الْمُرَادُ بِهِ الْقَطْعُ فِي الْمَسَائِلِ وَالْإِكْثَارُ مِنَ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَةٌ.وَكَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُ مِنَ التَّكَلُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَفِي الصَّحِيحِ: » كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا »
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ سُؤَالُ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ. وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ،
وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ السُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِ النَّاسِ، وَأَحْدَاثِ الزمان ومالا يَعْنِي الْإِنْسَانَ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ هَذَا مِنَ النَّهْيِ عَنْ قِيلَ وَقَالَ.
وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ سُؤَالِ الْإِنْسَانِ عَنْ حَالِهِ وَتَفَاصِيلِ أَمْرِهِ، فَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ حُصُولُ الْحَرَجِ في حق المسؤول، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤْثِرُ إِخْبَارَهُ بِأَحْوَالِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَبَهُ فِي الْإِخْبَارِ، أَوْ تَكَلَّفَ التَّعْرِيضَ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ، وَإِنْ أَهْمَلَ جَوَابَهُ ارْتَكَبَ سُوءَ الْأَدَبِ»
ثالثا:وإضاعة المال:

والمقصود بإضاعة ‌المال ، «صَرْفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ، وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ إِفْسَادٌ، وَاللَّهُ لَا يجب الْمُفْسِدِينَ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَضَاعَ مَالُهُ تَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ» فما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا محرم وممنوع منه؛ لأنه تبذير، وتفويت لمصالح العبادولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا

وقد قال العلماء: »لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف ».

بذل المترفين من أهل الدنيا وإنفاقهم غالبًا إنما هو فيما لم يأذن فيه الشرع فيقدمون حظوظ نفوسهم في الأموال على حقوق الله تعالى. فيقع الهلاك بعد الإِمهال من غير إهمال، لأن فعلهم عين الإِضاعة.
«اختلف العلماء في إضاعة المال؛ فقال سعيد بن جبير: إضاعة المال أن يرزقك الله رزقا فتنفقه فيما حرم الله عليك. وكذلك. قال مالك، قال المهلب: وقيل: إضاعة المال: السرف في إنفاقه وإن كان فيما يحل، ألا ترى أن النبي رد تدبير المعدم؛ لأنه أسرف على ماله فيما يحل له ويؤجر فيه، لكنه أضاع نفسه، وأجره في نفسه أوكد عليه من أجره في غيره»

«وَأما إِضَاعَة المَال فَيكون من وُجُوه أمهاتها أَرْبَعَة:

أَحدهمَا: أَن يتْركهُ من غير حفظ لَهُ فيضيع.

وَالثَّانِي: أَن يتلفه إِمَّا بِتَرْكِهِ إِذا كَانَ طَعَاما حَتَّى يفْسد، أَو يرميه إِن كَانَ يَسِيرا كبرا عَن تنَاول الْقَلِيل، أَو بِأَن يرضى بِالْغبنِ، أَو بِأَن ينْفق فِي الْبناء واللباس والمطعم مَا هُوَ إِسْرَاف.

وَالثَّالِث:أَن يُنْفِقهُ فِي الْمعاصِي، فَهَذَا تَضْييع من حَيْثُ الْمَعْنى.

وَالرَّابِع: أَن يسلم مَال نَفسه إِلَى الخائن، أَو مَال الْيَتِيم إِلَيْهِ إِذا بلغ مَعَ علمه بتبذيره»

«وَأَمَّا » إضَاعَةُ الْمَالِ » فَحَقِيقَتُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا: بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ. وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْأَمْوَالَ قِيَامًا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ. وَفِي تَبْذِيرِهَا تَفْوِيتٌ لِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، إمَّا فِي حَقِّ مُضَيِّعِهَا، أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَأَمَّا بَذْلُهُ وَكَثْرَةُ إنْفَاقِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأُخْرَى فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقَدْ قَالُوا: لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ. وَأَمَّا إنْفَاقُهُ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَمَلَاذِّ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُنْفِقِ، وَقَدْرِ مَالِهِ: فَفِي كَوْنِهِ سَفَهًا خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ سَفَهٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَيْسَ بِسَفَهٍ. لِأَنَّهُ يُقَوِّمُ بِهِ مَصَالِحَ الْبَدَنِ وَمَلَاذِّهِ، وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْأَشْهَرُ فِي مِثْلِ هَذَا: أَنَّهُ مُبَاحٌ، أَعْنِي إذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَقَدْ نُوزِعَ فِيهِ»

وقال الإمام ابن العربي رحمه الله تعالى: « »وإضَاعَةَ المَالِ » فلعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال

أحدها:أنّ المال هنا أُريدَ به مِلْكُ اليمينِ من العبيد والإماءِ والدَّوابَّ، وسائر الحيوان الَّذي في ملكه، أن يُحْسِن إليهم ولا يُضَيعهم (3).

والقول الثاني:« إضاعة المال »: تركُ إصلاحه والنّظر فيه، وتنميته وكسبه.

والقول الثّالث: « إضاعة المال »: إنفافُه في غير حقّه من الباطل والإسراف والمعاصي.

وهذا القولُ هو الصّوابُ عندي، واللَّهُ أعلمُ»