جارٍ تحميل التاريخ...

جارٍ تحميل التاريخ...

نص الفتوى بحرمة تعاطي المنشطات في المجال الرياضي

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

« ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا ».


 

وبعد، فقد نظرت هيئة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى في المطلب الذي تقدمت به « الجمعية المغربية للتحسيس من مخاطر المنشطات في المجال الرياضي » حول استصدار فتوى لبيان حكم الشرع في استعمال تلك المنشطات، وتدارسته بعناية واهتمام على ضوء بعض النصوص العامة في الشريعة الإسلامية ومقاصدها الأساسية الحكيمة، المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال، ووقايتها من أية آفة تنال منها وتضر بها، وتعرضها للمفسدة والضياع والتهلكة بأي كيفية كانت.

وقد خلصت اللجنة من النظر في كل ذلك إلى الرأي الفقهي المتضمن لتحريم استعمال المنشطات البدنية أثناء ممارسة أي نوع من الرياضة، وعدم جواز تعاطيها بأي حال من الوجهة الشرعية؛ كما هي محرمة الاستعمال من الوجهة التقنينية والتنظيمية والصحية المتعلقة بهذا المجال، وذلك للمبررات الدينية والأخلاقية والصحية والاجتماعية الآتية:

 

1. نظرة الإسلام إلى الرياضة البدنية وتعاطيها

تعتبر الرياضة البدنية في مختلف أنواعها السليمة من الوقوع في أية مضرة بالنفس أو بالغير من الأعمال الترفيهية التي أباحها الإسلام للإنسان، قصد الترويح عن النفس، وتنشيط العقل، وتقوية البدن في بعض الأوقات والسويعات، والتدريب على كيفية التصرف في بعض المواقف والأحوال التي تتطلب من المرء أن يكون عارفا بنوع من الرياضة ومتعودا عليه، ليتمكن من إغاثة إنسان وإنقاذه من تهلكة محققة، كما هو الأمر في مشروعية رياضة المسابقة على الأقدام ومتون الخيل والإبل، وتعاطي المصارعة والرماية والسباحة، وإباحة هذه الأنواع كلها في الإطار الشرعي المعروف، ووفق الشروط الشرعية والآداب العامة، والأخلاق الإسلامية ومكارمها الفاضلة.

فقد ثبت أن النبي ﷺ سابق على الأقدام زوجته عائشة رضي الله عنها، مباسطة لها، وتطييبا لنفسها، وتعليما لأصحابه، فسبقته مرة، وسبقها مرة أخرى، وصارع عليه الصلاة والسلام رجلا، معروفا بقوة البدن يقال له « ركانة »، فصرعه النبي ﷺ وغلبه أكثر من مرة. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه مشهورا بسرعة العدو والجري بين الصحابة، وروي عنه أنه قال: « إن القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة »، وقال: « رَوِّحُوا القلوب ساعةً بعد ساعة، فإن القلب إذا أُكره عَمِيَ »، (أي إذا أُتعب بالعمل الجاد المتواصل كَلَّ وضعف عن النشاط والعطاء المستمر المفيد). وينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: « علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل… ».

وقد جدت الآن في العالم الحديث والمعاصر أنواع أخرى من الرياضات البدنية، وضع لها المشرفون عليها، المتخصصون في شؤونها تقنينات تنظيمية، بهدف تحقيقها للغاية المتوخاة منها، وسلامتها من الوقوع في آفة الإضرار بالنفس أو الغير بكيفية أو أخرى.

 2. نظرة الشرع لتعاطي شيء من المنشطات في المجال الرياضي، وبيان حكمه في ذلك

1. إن الأساس الشرعي في نصوصه ومقاصده لتعاطي أية رياضة بدنية ومنافسة شريفة فيها، هو أن يتعاطاها المرء، اعتمادا على ما يتوفر عليه من استعداد بدني ونفسي، ويتمتع به من قوة جسمية طبيعية، ولياقة عضلية سليمة، ويقوم به من تداريب عملية في فترات منتظمة، تؤهله لأن يخوض غمار تلك الرياضة التي تدرب عليها، وينافس غيره فيها، بكل اعتزاز وشفافية، وعزم قوي وثقة كاملة في النفس، ودون أن يدخل في بدنه مادة غير طبيعية، ويحقنه بمنشطات ممنوعة، بهدف اكتساب قوة زائدة وغير حقيقية، ويقدم على ذلك في تستر وتكتم متناه وخوف شديد، أن ينكشف حاله ويفتضح أمره، فيؤول به الحال إلى الإساءة لنفسه ومجموعته وبلده.

2. وتأسيسا على ذلك، واعتبارا لكون تعاطي المنشطات في المجال الرياضي بكيفية أو أخرى سلوكا حديثا فإن الحكم عليه من الوجهة الشرعية ينبغي أن يستند في استنباطه إلى الأصول الاجتهادية، التي طالما أعملها الفقهاء، وهم يستنبطون الأحكام الفقهية لنوازل مستجدة، ويأتي في طليعة تلك الأصول اعتبار المصالح ومآلات الأفعال، كما يستند إلى استحضار المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، السالفة الذكر، والتي منها قصد المحافظة على الأبدان والأديان، واستحضار القواعد الفقهية الكلية التي منها قواعد دفع الضرر.

والمنشط في المجال الرياضي هو – كما عرفه المختصون – كل مادة تدخل الجسم وتحقن فيه بكيفية غير اعتيادية، بهدف زيادة نشاط العضلات والقدرات البدنية للحصول على إنجاز رياضي بوسائل وطرق غير مشروعة.

1. وهو نوعان: نوع حرمه الإسلام لذاته بصريح القرآن الكريم والسنة النبوية، نظرا لما يحدثه لمتعاطيه، من أضرار في العقل والجسم تفوق بكثير ما يحدثه من تنشيط فيهما، كما هو الحال في الخمر والمخدرات.

2. ونوع، هو كذلك محرم من منظور مقاصد الشريعة الإسلامية في المحافظة على الأديان والأبدان، نظرا لما يحدثه في الحال والمآل من آفة ومضرة في جسم وعقل الإنسان، كما هو الأمر في تعاطي المنشطات الرياضية، كيفما كان نوعها وطريقة تناولها.

ومن خلال تعريف المنشط في المجال الرياضي يمكن استخلاص خصوصياته الكيميائية الباعثة على تحريمه فيما يلي:
1. إن أول ما يتبادر منه أن المنشط عنصر غريب عن الجسم، وهو يحقن ويكون تناوله بكيفية غير عادية، فيحدث نشاطا وحيوية مستجلَبين من المنشط وخصائصه الكيميائية. وهو بذلك اعتداء على الفطرة، وتغيير لحال الخلق الإلهي، ولطبيعة الجسد، وللقدرة التي منحها الله للإنسان.

وقد وصف الله تغيير الخلق بأنه أحد أساليب الشيطان في الإفساد، وحكى القرآن ذلك في قوله تعالى على لسان إبليس اللعين: ولآمرنهم فليُبَتكن آذان الأنعام ولآمُرَنهم فَلْيُغَيرن خلق الله.

وقد أدرج أهل العلم في مفهوم تغيير خلق الله كل التصرفات المؤدية إلى تشويه صورة الإنسان وقدراته أو إلى تعبيده لغير الله. وبهذا يكون تدخل متعاطي المنشطات بإفساد الخلق وتغيير طبيعة الإنسان أول أدلة ومستندات القول بحرمة استعمال المنشطات وتناولها.

2. إن آثار تعاطي المنشطات في المجال الرياضي لا يمكن الوقوف بها عند الجانب المغري، المتمثل في اكتساب الجسد قوة استثنائية تؤهل صاحبها للسبق والتفوق في المباريات، والفوز في المنافسات، وإنما يجب أن ينظر إلى الآثار السيئة اللاحقة التي تنجم عنها على اختلاف أنواعها ووسائل تناولها، وهي آثار مدمرة للجسد، تتمثل في ظهور بثور وحبوب على الجلد، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والإصابة بسرطان الكبد والكلى، وإرهاق الجسد وإيقاف نشاطه، وتعريضه للخطر الذي كثيرا ما أودى بحياة عدد من الرياضيين، وهم في ربيع العمر وزهرة الشباب وعنفوانه، مما يعرفه جيدا أهل الاختصاص في علم الطب والأبدان.

ومن المعلوم المسلم به شرعا أن تعريض الإنسان نفسه وجسمه لأقل من هذه الأضرار والآفات يعتبر من المحرمات التي لا خلاف فيها ما دامت الشريعة تجعل المحافظة على الأبدان أحد مقاصدها، وهو المعنى والحكم المستفاد من قول الله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما.

3. إن تعاطي المواد المنشطة في المجال الرياضي، وبكيفية أو أخرى، وبما هو عليه من مخالفة للقوانين المتعلقة بهذا الميدان والمنظمة له، لا يتم إلا في حالة التخفي والتستر من انكشاف الحال، والانطواء على الكذب والغش والخداع والاحتيال، وعلى إيهام المشرفين على تنظيم الأنشطة الرياضية وباقي المتنافسين من الرياضيين بأن المتعاطي للرياضة والمنافسة فيها يبذل جهدا جسديا حقيقيا، هو جهده الطبيعي الناجم عن القوة البدنية والتمارين الرياضية.، وهو في كل ذلك كاذب وغاش، ومخادع ومزور ومحتال، ومدع لقوة ليست له حقيقة.

وهذه التصرفات كلها أمور منهـي عنها شرعا ومحرمة

في الإسلام بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث نجد فيهما الأمر بالصدق والصفاء مع الله في العبادة، وفي التعامل مع العباد، كما نجد فيهما النهي عن الكذب والغش والاحتيال على الله وعلى الناس، فإن الله تعالى يقول: « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين »، ويقول سبحانه: « فنجعل لعنة الله على الكاذبين صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا »، وقال النبي ﷺ: « عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله »، وقال عليه الصلاة والسلام: « من غشنا فليس منا »، وقال في أكبر الكبائر من الذنوب وأعظمها إثما: « ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور »، وقال: « الخديعة في النار »، و »من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد »، أي من عمل عملا مخالفا لشرع الإسلام فهو مردود عليه وآثم فيه بارتكابه وتعاطيه.

واستنادا إلى كل ما تقدم من نصوص الشريعة وبيان مقاصدها الحكيمة، الداعية إلى حفظ الدين والنفس والعقل والنسب، والمال، وتحريم سلوكات الغش والكذب والخداع والاحتيال، وتأسيسا عليه وخلاصةً له، فإن تعاطي المنشطات البدنية في المجال الرياضي محرم شرعا بعموم نصوص الكتاب والسنة، وباعتبار مقاصد الشريعة، والنظر إليها. وإن توجيه الإسلام وأحكامه الشرعية الهادية إلى كل رشد وصواب، لا تقبل بتحويل ممارسة الرياضة إلى سلوك فردي يتنكر للقيم والأخلاق، ويرتمي صاحبه في حالة الطمع والجشع البغيض الذي يسول للمرء المخاطرة بالجسد من أجل الحصول على الشهرة والمال، على حساب السمعة الطيبة والصدق والعز الذي يريده الإسلام لأمته المحمدية، مصداقا لقوله تعالى: « فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم »، وقوله سبحانه: « ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ».

والله أعلى وأعلم، والموفق للحق والصواب، والهادي إلى أقوم سبيل.