بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة الجمعة ليوم 19 ربيع الأول 1447هـ الموافق لـ 12 شتنبر2025م
تجليات الحياة الطيبة من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التحاقه بالرفيق الأعلى
الحمد لله الذي نور الوجود بنور حبيبه المصطفى، وجعل من بعثته رحمة مهداة، وهداية مسداة، وشرعة بيضاء، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل علينا خير كتبه، وأرسل إلينا خير رسله، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، ليقيم به الملة، ويبسط بهديه السنة، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاما متلازمين ما تلازم الليل والنهار، وعلى آله الطيبين الأخيار، وصحابته الكرام الأبرار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم القرار.
أما بعد؛ أيها المؤمنون أيتها المؤمنات، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:
يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّبِےٓءُ اِ۪نَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداٗ وَمُبَشِّراٗ وَنَذِيراٗ وَدَاعِياً اِلَي اَ۬للَّهِ بِإِذْنِهِۦ وَسِرَاجاٗ مُّنِيراٗۖ وَبَشِّرِ اِ۬لْمُومِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اَ۬للَّهِ فَضْلاٗ كَبِيراٗۖ [1].
عباد الله؛ في هذه الآية الكريمة ينادي الحق جل جلاله عبده وحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم، بنداء النبوة رفعة لمكانته، وتأكيدا لرسالته، ليبين للناس الغاية من إرساله، وكثيرا من مزاياه وخصاله، من الشهادة على الناس، والبشارة والنذارة لهم، إلى الدعوة إلى الله على بصيرة، وإنارة حياتهم بسنته وسيرته، فهو السراج المنير وبدر التمام الذي ينير ظلام الدجى، فأسعد بذلك البشرية كلها، والكونُ كلُّه مستنير بنوره، ومستبشر ببعثته.
إخوة الإيمان؛ لما بُعث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أكرمه الله تعالى بالآيات البينات والمعجزات الظاهرات، وآتاه من جوامع الكلم ما تحار منه العقول مما لم يؤت أحد من الأنبياء قبله. ومن تلكم الآيات والسنن تستمد الأحكام في سائر الأزمنة والأعصار دون انقضاء، فامتدت في شمولها وعطائها حتى غطت حياة الناس، عقيدة وعبادة ومعاملة وسلوكا وأخلاقا، وسعدت بها البشرية سعادة لم يسبق لها نظير من الشرائع السابقة.
ومن أبرز هذه التجليات:
أولا: جاء الحبيب المصطفى ﷺ، بالعقيدة الخالصة من الشرك بكل أنواعه، فهذبت النفوس من أهوائها، وسمت بالأرواح في الدنيا والآخرة بإيمانها وصفائها، وجعلت الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، فعاش المؤمنون بها حياة طيبة، أورثتهم الطمأنينة والسكينة في النفس والأهل والمال. قال الله تعالى:
فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا اَ۬لْبَيْتِ اِ۬لذِے أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍۖ[2].
ثانيا: شرع لنا صلى الله عليه وسلم من الشريعة ما يضمن إخلاص العبودية لله تعالى، وإقامة العدل بين الناس، فهاتان الغايتان حققتا للناس الأمن والسلام، وضمنت لهم المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال. يقول النبي ﷺ:
«كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»[3].
ثالثا: جاء الحبيب المصطفى ﷺ بمكارم الأخلاق قولا وعملا، وجعلها أساس شريعته والحكم على عبادات الإنسان ومعاملاته وسلوكه، كما قال النبي ﷺ:
«إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»[4].
وفي رواية:
«لأتمم مكارم الأخلاق»[5].
وهكذا فقيمة أركان الإسلام الخمسة فيما تحققه من ثمرات تظهر في التمسك بالأخلاق الفاضلة، وتجنبه الأخلاق السيئة، فالتوحيد عهد بالامتثال، والصلاة صلة بلا انفصال، والصيام إمساك عن سوء القول والفعال، والزكاة تزكية للنفس وتنمية وطهارة للمال، والحج قصد صحيح وتجرد من قبيح الخصال.
تلكم، عباد الله؛ بعض الغايات التي قصدها الشارع في تشريع تلك الأركان، كما دلت عليها النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة، وبالإخلاص والإتقان فيها يعيش أهل الإيمان حياة طيبة في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم، بل ويسعد بهم من جاورهم واستفاد من معاملتهم وأخلاقهم، كما استفاد من مجاورة النبي ﷺ، المؤمنون به وغيرهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، وجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات؛ هذه أصول ما تضمنته شريعة الإسلام، التي جاء بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لإسعاد الأنام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ عليه عمر بن الخطاب بعض كتب السابقين:
«والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية»[6].
أي جئتكم بالحنيفية السمحة بيضاء لا ظلام فيها، ونقية مما شاب غيرها من الشرائع السابقة.
والمتأمل لسيرة الحبيب المصطفى يجد فيها الحياة الطيبة، والسعادة الأبدية، فيما اشتملت عليه في عبادته صلى الله عليه وسلم، ومعاملته صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فيما بينه وبين الله تعالى، إذ كان يقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماه، وقال تعليقا على ذلك:
«أفلا أكون عبدا شكورا»[7]
وإذ يعامل الكبير والصغير معاملة الناصح الأمين، حتى أحبه الناس جميعا، ورغبوا في معاشرته ومجاورته ومصاهرته، وغير ذلك من أنواع العلاقات والقرابات.
وهكذا فشمائله صلى الله عليه وسلم، أنموذج يقتدى به، ويُتنافَس في الأخذ به والتعلق بمضامينه، والتأليف والتصنيف فيه، والتملي والتحلي بسماعه وإسماعه، لما يحمله من أنوار الهداية وجمال الكمال النبوي.
قال البوصيري رحمه الله في همزيته:
فَتَنَزَّهْ في ذاته ومعانيـــــ ـــــــــــــــه استماعا إن عَزَّ منها اجتلاء
وامْلَأِ السمعَ من محاسنَ يمليـ ـها عليك الإنشاد والإنشاء
ثم سرد – رحمه الله- في همزيته مجموعة من الشمائل النبوية الذاتية والمعنوية.
عباد الله؛ تلكم بعض الغايات والحكم التي تبين الحكمة من احتفاء المسلمين بمولد الرسول ﷺ، يتدارسون سيرته وسنته، ويجددون العهد والعزم على السير على نهجه وهديه، ويحاسبون النفس على مدى التزامها بامتثال أمره واجتناب نهيه.
ألا فصلوا وسلموا، عباد الله، كما أمركم ربكم، على هذا النبي الأمين والسراج المنير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاما تامين دائمين، بلا انقطاع، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المتبعين لسنته وهديه، وعن سائر الصحابة أجمعين، خصوصا منهم الأنصار والمهاجرين، والتابعين لهم في السر والعلانية إلى يوم الدين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك المؤمنين، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام إلى يوم الدين. محفوظا بحفظ كتابك، مكلوءا بعينك التي لا تنام، وفي جنبك الذي لا يضام، موفور الصحة والعافية، قرير العين بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي، الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
وارحم اللهم بواسع رحمتك وسابغ جودك الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، واجزهما خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.
اللهم ارحمنا وارحم والدينا، وارحم من سبقنا بالإيمان، واجعلنا هداة مهديين على سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، اللهم أحيينا على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زمرته.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] – الأحزاب 45-47.
[2] – قريش 3-5.
[3] – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله… 4/1986. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف 4409.
[4] – المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الفضائل، باب أعطى الله تعالى محمدا ﷺ 6/324.
[5] – السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الشهادات، باب بيان مكارم الأخلاق ومعاليها21/28.
[6] – مسند أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه 23/349.
[7] – صحيح البخاري، أبواب التهجد، باب قيام النبي الليل 2/50. رقم الحديث بالمنصة 4770.