فتوى حول وضع المرأة داخل الجماعات السلالية، والمتعلق بجانب حرمانها الاستفادة من العائدات المادية والعينية التي يستفيدها الرجل إثر العمليات العقارية التي تجري على الأراضي الجماعية
بسم الله الرحمن الرحيم
جوابا عن سؤال ورد على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من وزارة الداخلية
16 رجب 1431هـ موافق 29 يونيو 2010م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾
وبعد، فقد تدارست لجنة من هيأة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى موضوع السؤال المشار إليه، قصد إبداء الرأي فيه من الوجهة الشرعية، وذلك على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، ومن خلال منظورها وتكريمها للإنسان، وما قررته له من حقوق مادية ومعنوية، رجلا كان أو امرأة، وخلصت اللجنة إلى الرأي الفقهي المتضمن للفتوى الشرعية الآتية:
أولا:
تتوجه المؤسسة العلمية للمجلس العلمي الأعلى بالشكر والتقدير لوزارة الداخلية على التوجه إليها بموضوع السؤال، قصد دراسته، وإفادتها بما يتعلق به من المنظور الشرعي.
ثانيا:
تم الاطلاع على رسالة وزارة الداخلية المتضمنة للسؤال عن وضع المرأة داخل الجماعات السلالية وحرمانها في ذلك من الاستفادة مما يستفيد منه الرجل من العائدات المادية والعينية، التي تحصل عليها هذه الجماعات إثر العمليات العقارية التي تجرى على الأراضي الجماعية، وعن موقف الشريعة الإسلامية من ذلك.
وكذا على نصوص الظهائر الشريفة المنظمة لذلك، وعلى نصوص المراسيم والدوريات الموضحة له.
وبعد استماع اللجنة مرة أخرى إلى الإفادات والتوضيحات التي قدمها بعض السادة من الأطر العليا المسؤولين عن القطاع بوزارة الداخلية، والتي أبانوا فيها أن الأمر يتعلق فقط بمعرفة مدى حق المرأة في الاستفادة من العائدات المادية والعينية التي يستفيد منها الرجل إثر العمليات العقارية التي تجرى على الأراضي الجماعية السلالية وبيان ذلك من الوجهة الشرعية.
وبعد النظر في كل ذلك وعرضه على نصوص الشريعة الإسلامية وأصولها وقواعدها العامة، ومقاصدها الحكيمة، خلصت إلى الآتي:
إن الشريعة الإسلامية لا تمنع المرأة أن تستفيد مما يستفيد منه الرجل داخل الجماعات السلالية، من العائدات المادية والعينية إثر العمليات العقارية التي تجرى على أراضي الجموع، وأنه لا وجه لاستثنائها من ذلك، ولا مبرر لحرمانها منه كليا، للأدلة الآتية:
-1- عمومات نصوص الشريعة الإسلامية، ومنها:
أ- عموم قوله تعالى: ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ (سورة النساء الآية: 32(
ب- عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “النساء شقائق الرجال” (أي في الأحكام الشرعية العامة، إلا ما خص به الشرع أحد
الجنسين(
ج- عموم قوله صلى الله عليه وسلم لمن جاء يستشهده من بعض الصحابة على عطية أعطاها لأحد أولاده دون بقيتهم: “أكُلَّ ولدِك نحلته”، (أي هل أعطيت عطية لجميع أولادك؟) فأنكر عليه تخصيص أحد أولاده بها دون الأولاد الآخرين، ذكورا كانوا أم إناثا، ولم يقبل أن يشهد عليها.
-2- حين برزت في المجتمعات الإسلامية ظاهرة حرمان البنات من التبرعات بعطايا الهبات وغيرها، كان ذلك انحرافا عن منهج الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل الذي جاءت به وأقرته من أحكامها، فتصدى العلماء لهذه الظاهرة، وبينوا مخالفتها للشرع الإسلامي الحكيم.
وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها وعن سائر أمهات المومنين، في مقدمة من أنكر حرمان الإناث من تبرعات وعطايا الآباء، وكانت ترى في إخراج النساء من العطاء واستثنائهم منه، أنه فعل من أفعال الجاهلية.
وأن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مات حين مات، وهو يريد أن يرد صدقات الناس، التي أخـرجوا منها النساء، كما جـاء ذكر ذلك والتنصيص عليه في المدونة.
-3- تغير العرف الذي بني عليه في الجماعات السلالية قصر الاستفادة على الرجال وتخصيصهم بها دون المرأة، على اعتبار أن الرجل كان مصدر الحماية في القبيلة والرعاية في العشيرة، وغير ذلك من الذرائع العرفية، التي إن صحت وكانت مقبولة فيما مضى من الزمان، فإنها لم تعد اليوم واقعا يمكن قبوله والاستناد إليه، فقد زال هذا العرف وصارت الدولة بقوانينها ومؤسساتها هي الحامية للقبائل والعشائر، والراعية لشؤونها وشؤون غيرها من مكونـات المجتمع المغربي وعنـاصره الحضرية والقروية المتـماسكة، ومن المعلوم أن ما بني على عرف في وقت ما، يتغير بتغيره كما هو مقرر عند الفقهاء.
-4- المتتبع لنقل الحقوق المالية في الشريعة الإسلامية يجد أنها شرعته للرجال والنساء،كما هو الحال في الإرث والوقف والهبة والشفعة
والعمرى والرقبى، وغير ذلك من وجوه الحقوق المالية وتناقلها من السلف إلى الخلف.
-5- قيام الحاجة إلى إشراك النساء في الاستفادة من العائدات المادية العينية حين حصول شيء من العمليات العقارية في الأراضي الجماعية السلالية، باعتبارهن أعضاء من الجماعة ومكوناتها.
خلاصة الرأي الفقهي في المسألة:
استنادا إلى ما تقدم من الأدلة الشرعية والقواعد الفقهية العامة، وإلى الظهائر الشريفة المتعلقة بالموضوع، وإلى الإفادات والبيانات التي قدمت في شأنه، فإن الرأي الفقهي الذي خلصت إليه اللجنة وتراه، هو أن مسألة حرمان المرأة من الحقوق المادية والعينية في مثل هذه الحال
موضوع السؤال، هي حال غير سليمة، كان عليها أهل الجاهلية قبل الإسلام، فجاء الدين الإسلامي الحنيف بتكريم المرأة وإنصافـها، فأبطل تلك الأعراف والعوائد التي كانت تحرم المرأة من مثل تلك الحقوق، وحسم في الأمر وأنصفها وأعطاها حقوقها المشروعـة.
وتأسيسا على ذلك، فإن من حق المرأة في الجماعات السلالية أن تستفيد كما يستفيد الرجل من العائدات المادية والعينية، التي تحصل عليها
الجماعة إثر العمليات العقارية التي تجرى على الأراضي الجماعية، وأن يكون ذلك بمعايير عادلة، تعطي لكل ذي حق حقه، تـحقيقا للعدل الذي جاء به شرع الإسلام، وجعلـه من أسس دينه وتجليات تكريم الإنـسان، رجلا كان أو امرأة، والمأمور به في عموم قول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهـداء بالقسط﴾، ﴿ولا يجرمنكم شـنآن قوم على ألا تعـدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون﴾ (المائدة:8(
والله من وراء القصد، والموفق لكل خير ورشاد، والهادي إلى أقوم سبيل.