جارٍ تحميل التاريخ...

إبداء الرأي حول الاستشارة العلمية المتعلقة بالأوقاف السلطانية المغربية في مكة المكرمة

إبداء الرأي حول الاستشارة العلمية المتعلقة بالأوقاف السلطانية المغربية في مكة المكرمة جوابا عن سؤال ورد على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

من السيد محمد الطيب بن حسن الدباغ الإدريسي ناظر الأوقاف السلطانية المغربية بمكة المكرمة ويتعلق الأمر بـ:

وقف السلـطان مولاي الحسن بن محمد -الحسن الأول- (رحمه الله)، على قراءة الحزبين الراتبين، ودلائل الخيرات، وذكر اسم اللطيف؛

وقف السلطان مولاي عبد الحفيظ (رحمه الله)، على قراءة القرآن وصحيح البخاري وذكر اسم اللطيف؛

وقف الشريفة لالة لبابة بنت السلطان عبد الله بن إسماعـيل رحمهم الله، على النساء المغربيات الشريفات المنقطعات بمكة المكرمة.

وقد أبدى السائل مخاوفه من قيام السلطات السعودية بإلغاء هذه الأوقاف بدعوى إنكارها لبعض الأمور الواردة في شروط الواقفين.

في 03 ذي القعدة 1428هـ الموافق 14 نونبر 2007م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾.

وبعد، فعلاقة برسالتكم المشار إليها، يشرفني أن أوافيكم بما انتهت إليه دراسة موضوعها من هيأة الإفتاء، وبيان الرأي الفقهي في شأنها، وذلك فيما يلي:

أولا: إن اعتبار شروط الوقف المذكور باطلة، إنما هو في نظر السيد المفتي، ورأيه المستند إلى مذهبه الفقهي السائد في بلده، وإلى فتاوى بعض علمائه، والذي يرى أن كل محدثة من الأمور بدعة وضلالة، بصرف النظر عن مراميها الطيبة، وفوائدها الاجتماعية.

وذلك على خلاف ما هو سائد عندنا في المغرب، الذي يعتبر أن بعض الأمور المحدثة من قبيل الخير والصلاح والقربات، هو مما تشهد له الأصول العامة وتؤيده المقاصد الحسنة في الشريعة الإسلامية، وفقا لما يراه بعض علماء المذاهب السنية الأخرى في تلك الأمور، واعتبارا بقصد الواقف، الذي هو البر والصلة والقربة، ومراعاة له.

ثانيا: عند النظر والتأمل والبحث العميق في تلك الشروط التي من أجلها أبطل المفتي الوقف، تبعا لمذهبه الفقهي يجدها المرء متفقة مع النصوص العامة للشريعة ومقاصدها الحسنة.

1 - فذكر اسم الله "اللطيف" تطبيقا لقوله سبحانه: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون﴾ (الأعراف: 180(

2 - ومسألة تحديد العدد، إنما هي للضبط والمداومة، وخير الأعمال أدومها وإن قل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف، وقد حدد الرسول عليه الصلاة والسلام عددا محددا لبعض الأذكار كالمسبحات إثر الصلوات المفروضة، وغيرها.

واعتبارها في نظر البعض بدعة، هو رأي في مفهوم البدعة، لكنها قد تقتضيها سنة المداومة على عمل صالح، ولا تصل إلى درجة إبطال الوقف أو شرطه.

3 - وأما شرط ختمة القرآن الكريم في شهر، حزب في الصباح، وحزب في المساء، فهو متفق مع نصوص الشريعة ومقاصدها تماما، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون القرآن الكريم، ويـختمه كل واحد منهم حسب اجتهاده وظروفه.

فمنهم من يختمه في ثلاثة أيام، ومنهم من يختمه في سبعة، ومنهم من يختمه في شهر.

وقد اختار المغاربة منذ قرون ختمه في شهر بمساجدهم، وبقراءة جماعية، حزب في الصباح بعد صلاة الصبح، وحزب في المساء بعد صلاة المغرب، وإنما اختاروا ذلك، لأنه سهل، ويساعد الراغبين في حفظ كتاب الله بسرعة ويسر.

4 - وأما شرط ختم كتاب: "دلائل الخيرات" في الصلاة على النبي، فإنما جاء بدوره تطبيقا لقول الله تعالى: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ (الأحزاب: 156(

والقلة والكثرة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من باب الاجتهاد.

5 - والشرط الأخير، وهو ختم متن صحيح البخاري تجاه الكعبة المشرفة مرة في الأسبوع، جائز ومشروع.

وماذا في تلك القراءة، ومتن صحيح البخاري، إنما هو حديث رسول الله، وأصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وكونه يتلى في المسجد الحرام وتجاه الكعبة، فيه تعظيم لحديث رسول الله ، وتشريف له وتكريم وقد كان الإمام مالك رحمه الله لا يقرأ الحديث ويدرسه ويشرحه حتى يتطيب ويضع البخور، فهل نقول له إن ذلك بدعة.

على أن الشروط التي وردت في موضع الأوقاف المغربية، وتحبيسها من السلطانين: مولاي الحسن الأول، ومولاي عبد الحفيظ في الحرم المكي، ومقاصدها الحسنة، وغاياتها الطيبة السليمة، تدخل كلها في باب القرب والرغبة في فعل الخير، مما يجعلها جائزة مشروعة، ومثابا عليها إن شاء الله وبفضله الكريم، إذ الأعمال التعبدية وجوهرها النيات، ولكل امرئ ما نوى.

والله أعلم وأحكم، والهادي إلى أقوم سبيل.

إضافة علمية

وردت في أجوبة بعض السادة أعضاء هيأة الإفتاء

وتتضمن جواز صرف ريع الوقف إلى أعمال بر أخرى

عند تعذر تطبيق شروطه فيما حبس له، لسبب أو لآخر

وهي أنه إذا بقيت الجهة المعنية متمسكة برأي مفتيها، وفتواه في إبطال شروط الأوقاف السلطانية المذكورة، "فإن علماءنارحمهم الله – نصوا في مؤلفات الفقه المالكي وكتب النوازل على أنه يرجع إلى القصد العام للمحبس، وهو عمل الخير، ويصرف ريعه على الفقراء والمساكين والمحتاجين، وأوجه البر على العموم، وهو الذي تشهد له أصول المالكية، وما عليه عمل الأئمة الأعلام في المملكة المغربية من قديم الزمان.

ومن ذلك ما ذكره العلامة أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي رحمه الله في كتابه "المعيار" ج 7 منه، ص 43، ما نصه:

"من شرط في حبسه شروطا فتعذرت، فإنه يصرف لأمثل من يوجد من أهل المكان، أي الذي تعذرت فيه شروطه، ومهما وجد من هو أمثل منه صرف فيه".

وفي نفس المصدر: ص. 92، ما نصه: "وذكر ابن سهيل في نوازله عن بعض الشيوخ أنه لا حرج في صرف فوائد الأحباس بعضها في بعض، ولا بأس بما هو لله أن يصرف فيما هو لله".

وفيه كذلك تحت عنوان: "جواز صرف الأحباس بعضها في بعض"، ما نصه: "فقد كان فقهاء قرطبة وقضاتها يبيحون صرف فوائد الأحباس بعضها في بعض"، اهـ، ص 112.

وفي نظم العمل الشهير بالعمل الفاسي لناظمه، العلامة عبد الرحمان الفاسي، المتوفى سنة 1096هـ، قوله:

وروعي المقصود في الأحباس لا اللفظ في عمل أهل فاس

وقد نص في جواب سيدي عبد الله العبدوسي على أن ما يغلب على الظن أن لو كان المحبس حيا لرضيه واستحسنه يجوز إحداثه في الحبس." انتهى من شرحه".

وقال أبو الضياء الشيخ خليل – رحمه الله – في مختصره الفقهي، المبين لما به الفتوى في المذهب المالكي، عاطفا على ما لا يشترط في صحة الوقف، ما نصه: "ولا تعيين مصرفه، وصرف في غالب، وإلا فالفقراء"، اهـ.

ومعناه أنه لا يشترط في صحة الوقف تعيين ما يصرف ريعه فيه من الخيرات، بل يجوز صرفه لمن هو غالب، فإن لم يوجد الغالب صرف للفقراء المحتاجين.

ومن ذلك أن يكون صرف ريع هاته الأوقاف فيما يلي:

1 - صيانتها والمحافظة عليها، المحافظة التامة، والعمل على تنميتها والرفع من ريعها؛

2 - أجور القائمين عليها؛

3 - إنشاء مدارس قرآنية لتعليم كتاب الله تعالى، وتدريس علومه الشرعية، يتولى التعليم فيها شيوخ أكفاء، مشهود لهم بالعلم والصلاح والكفاءة التامة، مع منحهم أجورا بسخاء، ومنح المتعلمين فيها منحا لتحفيزهم على الجد والاجتهاد.

ومما ذكر يتحقق هدف الواقفين رحمهما الله تعالى من وقفهما ويزول الخلاف، ويحصل الاتفاق والوفاق.

والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق،

نسأله سبحانه أن يعصمنا من الخطأ والزلل،

ويوفقنا لصالح القول والعمل، آمين.

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)