جارٍ تحميل التاريخ...

كلمة توجيهية للخطباء في حفل تسليم جائزة المجلس العلمي الأعلى التنويهية التكريمية للخطبة المنبرية في دورتها الخامسة

جائزة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية (دورة 1445)



نظم  يوم  4ربيع الثاني 1446 هـ الموافق لـ 8 أكتوبر 2024 م بمقر المجلس العلمي المحلي لوجدة حفل توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية  (دورة 1445هـ) على صعيد  المجالس العلمية المحلية بجهة الشرق، حيث تم تكريم ثمانية خطباء، متميزين  وقع الاختيار عليهم وفق الشروط المنصوص عليها في المرسوم المنظم للجائزة،

 وقد أشار الكاتب العام  للمجلس العلمي الأعلى  الأستاذ سعيد شبار  في  كلمة له  بالمناسبة إلى أن  هذا التكريم يحمل دلالة رمزية عميقة، فهو يمثل تشجيعًا لجميع خطباء المملكة وتحفيزا لهم على تحسين أدائهم وعلى بذل المزيد من الجهد في توعية المواطنين وتعريفهم بقيم الدين الحنيف.

وأكد الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، في كلمته، أن هذا التكريم ليس مجرد احتفاء بالخطباء، بل يعكس أيضًا العناية السامية لمولانا أمير المؤمنين -أعز الله أمره- للشأن الديني عموما ولأمر الخطبة ورجالاتها بصفة أخص .

وفي ما يلي نص الكلمة:

 إن الخطبة قضية هوية وبناء ومضمون ومنهج، ورح وسمت ورسالة، ويمكن أن تكون قضايا أخرى.

فالخطبة هوية؛ لكونها تتعزز من خلالها اختيارات البلد الدينية المجمع عليها، في العقيدة والفقه والسلوك والسياسة وترسخ إجماع الأمة المنعقد حولها.

والخطبة منهج؛ في حسن اختيار الموضوع، وفي حسن بنائه وترتيب عناصره، وفي تحقيق التواصل المرجو من خلاله، وفي إصلاح العلل والآفات المقصودة بالتغيير، وفي التركيز على الكُلِّي الجامع من الدين بدل الجزئي المثير للخلاف.

فبدون منهج سليم، يصعب تمرير معاني المضمون مهما كانت جيدة، إذا لم تتسق المفردات، وتنسجم الفقرات وتترابط المعاني والدلالات.

الخطبة بناء؛ لأن الخطيب يحرص على أن تكون خطبته بناء متدرجا تنماز به النفوس، وتنصلح به الأحوال شيئا فشيئا، كما يحرص على تجنيب خطبته كل أشكال وصور المنازعة والسجال مع أي جهة من الجهات، وتجنب العكوف على لعن المفاسد والشرور والمنكرات، أو حتى الاقتصار على بيان أضرارها.

فلا يكفي ولا ينفع ذلك في الحد منها مالم تظهر في النفوس والعقول قيم الصلاح والخير والمعروف، فإذا شاع الكذب في جماعة مثلا، فلايزال بلعنه ببيان أضراره فحسب، وإنما ببناء نقيضه وهو الصدق، ولأن الأمر بالشئ نهي عن ضده وبضدها تتميز الأشياء.

وبقدر ما تتمكن قيمة الصدق ويتسع مجالها، بقدرما تنحصر قيمة الكذب وتقل آفاتها.

 وهكذا سائر الرذائل التي ينبغي الاجتهاد على تقليصها بالفضائل، ولايوجد عاقل  سوي ينكر فضيلة من الفضائل يتشوف الناس إليها.

 الخطبة روح؛ تنفث في الخطيب، وتسري في المستمعين، تشدهم إلى مضامين الخطبة شدا، وترفع دواعي الاستجابة لديهم، ويكون لها من التأثير فيهم ما يكون.

 فالخطيب ليس ساردا وحسب، بل يعطي لكلماته حياة هو أول المتشبعين بها، تنعكس بشكل تلقائي على أدائه من غير تكلف أو تصنع، وأن الخطيب الناجح أكثر في خطبته،

 من وفقه الله إلى بناء هذا الجسر الروحي بينه وبين المستمعين، واستطاع أن يكسر حالات الغفو والسهو والشرود التي تنتاب كثيرا من المصلين.

 الخطبة سمت؛ فالاهتمام بالزي والحرص على النظافة والالتزام بالوقت، كل ذلك فيه تعظيم لهذه الشعيرة، وتوقير للخطيب، وتهيئة لظروف الإنصات والاستفادة، وليس من التعظيم ولا التوقير لهذه الشعيرة في شيء أن يصعد الخطيب حاسر الرأس، أو بجلباب  بلون أسود، أو أحمر، أو دون سلهام أو غير ذلك مما تميز به التقليد المغربي.

 وللبلدان المسلمة مشرقا ومغربا عادات مختلفة في اتخاذ اللباس  والمنابر والمحاريب، هي من جمال هذه الشعيرة التي يزيدها جلالا في نفوس الناس، ولامعنى لأن ينسلخ البعض من عاداته ليقلد عادات غيره، فالدين نفسه يرعى هذا الاختلاف والتنوع، ويحوطه بسماحته ومرونته، حتى إن العلماء عدو الأعراف والعادات من الأدلة الشرعية المعتبرة مالم تخالف نصا مقطوعا به من الدين.

الخطبة رسالة؛ فهي إرث من ميراث النبوة، وهي نيابة عن الإمام الأعظم، هي قيام بواجبٍ، ومسؤولية بيان الدين وتبليغه، هي حرصٌ على الجماعة وارتفاق بها وارتقاء ، وهي تزكية للنفوس وإصلاح للأحوال وتمتين لأواصر العلاقات، أخوة وتضامناً وتكافلاً من أجل حياة طيبة وعد الله تعالى بها عباده المؤمنين.

إن كل هذه المعاني المتقدمة، هي مما ينبغي استحضاره واستشعار مسؤووليته أثناء إعداد الخطبة، وأثناء إلقائها، فضلا عن تتبع آثارها في الناس بعد ذلك.

  الخطبة في سياق خطة تسديد التبليغ

بأن تستهدف أمورا عدة تحتل الخطبة مركز الصدارة في معالجتها، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. وصل ما انفصل في اعتقاد كثير من الناس بين إيمانهم وأعمالهم، وبين عباداتهم ومعاملاتهم، حتى إن الكثيرين ليستحلون الحرام، ويبررون المنكرات ويرتكبون المعاصي ويقعون في المظالم وغير ذلك من الآفات جهلا أو تأويلا، حيث فوت هؤلاء على أنفسهم معرفة أن حقيقة الدين، ترتيب العمل الصالح على الإيمان فلا يكمل إلا به وإن لم تغب حقيقته، وترتيب الإستقامة في السلوك والأحوال كلها على العبادات، فتلك صمراتها المقصودة منها بين العباد، كما قصد بها ثمرة التقرب إلى الله تعالى.
  2. دفع وهم سائد بين كثير من الناس، وهو أن الدين للتعبد والتقرب، ولتحصيل السعادة الأخروية فحسب، حيث فوت هؤلاء على أنفسهم كذلك، أن الدين هو لإسعاد الناس في الدنيا قبل الآخرة، ولصلاحهم في الدنيا قبل فلاحهم في الآخرة، وأن من عمي عن آيات الله التي نصبها هاديات للناس في الدنيا، كان أعمى في الآخرة كذلك. لذا فخطة تسديد التبليغ التي ينبغي أن يطلع السادة الخطباء بالقسط الأوفر منها؛ هي اجتهاد في تبصير الناس بحسنات الدنيا التي يترتب عليها الثواب في الآخرة،وبسيئات الدنيا التي يترتب عليها العقاب في الآخرة، (ومن اردا الآخرة وسعى لها سعيها وهو مومن فاؤلئك كان سعيهم مشكورا) ومعلوم أن هذا السعي؛ هو سعي في الدنيا وليس سعيا في الآخرة.
  3. تحريك قيم وأخلاق الدين في حياة الناس العامة والخاصة؛ وهذه الحياة التي تخترقها يوما بعد يوم، بل لحظة بعد أخرى أهواء ومطامع ومطامح وأنانيات وحظوظ أنفس، وصراعات ونزاعات وآفات وانحرافات وغير ذلك مما أصبح مهيمنا على وجود الناس وموجها لحياتهم، وتغذي ذلك للأسف فلسفات العصر السائدة اليوم، وإعلامه المتحكم المهيمن في تمجيد المتعة واللذة والإشباع ونزعات الفردانية والتحرر والاستهلاك، حتى هيمنت أخلاق السوق على الناس، وغابت أخلاق فطرهم السليمة.

إن الناس اليوم؛ بحاجة إلى حركة إنقاد كبرى، ولاسبيل إليها إلا بحركة تخليقية كبرى موازية لها، تستدرك على الآفات والاختلالات المتقدمةن حركة عمادها وقوامها اخلاق الدين المنسجمة مع فطرة الناس التي فطرهم الله تعالى عليها، وإيمانهم المزكي لنفوسهم والمثمر لأعمالهم الصالحة، وعبادتهم المثمرة لاستقامة أحوالهم كلها، فهذه المعركة الحقيقية العميقة لنهضة الأمة واستعادة عافيتها، فبهذا سادت اول مرة وبهذا لايمكنها أن ترتقي إلى السيادة مرة أخرى.

إن الخطبة المنبرية قبل غيرها،  للظروف المهيأة  لها، في عدد الخطباء بالآلاف، وفي عدد المستمعين المقدرين بالملايين، والاستعداد النفسي للاستماع والتلقي، ينبغي أن تضطلع بالقسط الأوفر من هذا التحول نحو الصلاح والإصلاح، وذلك وفق خطة مرسومة ومنهج متبع، خطة ترعاها المؤسسات المشرفة على السادة الخطباء، المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تنظيما للجهود وتوحيدا للرؤى، وهذه الخطة تعمل بشكل متدرج، وبمضامين متنوعة، ترتقي بها  من طور إلى طور، مراعية بذلك مكونات المتلقين على الصعيد الوطني، في الحواضر والبوادي والجبال، وترعى تنزيلها المجالس العلمية الجهوية والمحلية، بتنسيق مع مندوبيات وزارة الأوقاف الجهوية والمحلية كذلك، وبتعاون مع باقي المؤسسات الشريكة.

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)