جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

«آثار الغفلة على القلب، أسبابها وطُرق علاجها»

WhatsApp Image 2025-02-12 at 15.07.01

بسم الله الرحمن الرحيم 

خطبة منبرية في موضوع:

 «آثار الغفلة على القلب، أسبابها وطُرق علاجها»

ليوم: 15 شعبان 1446هـ، الموافق لـ: 14 فبراير 2025م.

الخطبة الأولى

الحمد لله العليم الخبير، المنزَّه عن الغفلة والنِّسيان، نحمده سبحانه وتعالى، ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ممَّا أسررنا أو أعلنا، وممَّا تعمدنا أو أخطأنا. ونشهد أنَّه الله الذي لا إله إلا هو، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، أعلم النَّاس به وأتقاهم وأخشاهم له، صلى الله وسلم عليه صلاةً وسلاماً دائمين ما دامت السَّماوات والأرض، وعلى آله الطَّيبين الأطهار، وأصحابه الميامين الأخيار، ومن تبعهم وسلك نهجهم القويم إلى يوم الدِّين في دار القرار.

أمَّا بعد، أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ من أهداف “خطة تسديد التَّبليغ” نصح النَّاس بما جاء في الكتاب والسُّنة، ومعالجة القلوب وتغذيتها بقوت الإيمان، وحثِّها على التحلي بصالح الأعمال في كلِّ الأحيان، وعلى رأس هذه الأعمال: أداء العبادات بثمراتها النَّافعة للعبد في نفسه، والمتعدية إلى محيطه، لأنَّه قد تَعرِض للعبد عوائق تحولُ بينه وبين ما وقَر في قلبه، وبين أفعاله الصَّادرة عن جوارحه، ومنها: مرض الغفلة، الغفلة عن الله تعالى، وعن شكر نعمه التي يتقلَّبُ فيها الإنسان بلا انقطاع، غفلةٌ تنسي العبد حقيقة وجوده وعبوديته لله تعالى، وإعمار الحياة بالعمل الصَّالح، والنَّفع العميم إزاء النَّفس والغير.

عباد الله؛ إنَّ آفة غفلة القُلوب لها آثار خطيرة على الفرد والجماعة، وعلى رأس هذه الآثار:

          أولاً: الاتِّصاف بالكبر وظُلم العباد، فالغافل يبطر الحقَّ، ويغمط النَّاس، لما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبي ﷺ قال:

“لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كِبْر”. فقال رجل: يا رسول الله، إنَّ الرجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة؟ فقال: “إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبر بطَر الحقِّ وغمْط النَّاس”[1].

أي ردَّ الحقِّ واحتقارُ النَّاس.

          ثانياً: الانسياق مع الهوى ووساوس الشَّيطان، فعند الغفلة يكون الإنسان متَّبعاً لهواه، مُستسلماً لوساوس الشَّيطان، التي تسوقُه إلى سُوء الظَّن بالله تعالى وبالنَّاس، وشغل نفسه بما لا يعنيها، بينما النَّجاةُ في أن يهتمَّ كلُّ شخص بعيوبه، كما قال النَّبي ﷺ:

“من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”[2]. وقوله ﷺ: “الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجزُ من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله”[3].

           قال الشَّاعر:

إذا سَاء فعلُ المَرء سَاءت ظُنونُهُ    ۞۞    وصَدَّق ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّم.[4]

          ثالثا: الشَّقاء والتَّعاسة بسبب الغفلة والإعراض عن الله تعالى وعن ذكره، لقول الله تعالى:

وَمَنَ اَعْرَضَ عَن ذِكْرِے فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكاٗ وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ أَعْم۪يٰۖ  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيَ أَعْم۪يٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراٗۖ۞قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ اَ۬لْيَوْمَ تُنس۪يٰۖ

والمراد بالنِّسيان في الآية؛ الغفلة والإعراض عن الله تعالى وعن ذكره وشكره، وليس المراد النِّسيان المرفوع إثمه عن أمَّة سيِّدنا محمد ﷺ.

         رابعاً: قسوة القلب وجُحوده للنِّعم، واستصغاره لكلِّ نعمةٍ موهوبةٍ واستعظامه لكلِّ نعمةٍ مفقودةٍ، ممَّا يجعل المرء يلهث وراء الشَّرَهِ والطَّمع، مسكوناً بالهلع والفزع ساخطاً عن ربِّه جلَّ ذكره.

      عباد الله؛ هذه بعض آثار الغفلة السّلبية على الفرد والجماعة، يجدر بالعاقل أن يفهمها ويستحضرها حتى يتجنَّب الوقوع في حبالها، مستمسِّكاً في مسيرة الحياة بذكر الله، امتثالاً لقوله تعالى: 

فَاسْتَمْسِكْ بِالذِےٓ أُوحِيَ إِلَيْكَۖ إِنَّكَ عَلَيٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖۖ (42) وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٞ لَّكَ وَلِقَوْمِكَۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَۖ  [6].

         نفعني الله وإيَّاكم بكتابه المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه الأليم، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية

       الحمد لله ربِّ العالمين، الملك الحقِّ المبين، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الرَّحمة ورسُول الهدى والنُّور سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

         أمَّا بعد، عباد الله؛ لقد ذكرنا بعض الآثار السّلبية للغفلة على الإنسان وهذه بعض أسبابها:

         أولاً: الجهل بحقِّه سبحانه، فأكبر سببٍ للغفلة هو الجهل بالله، وأكثر النَّاس غَفلةً، أبعدهم عن معرفة مولاه، ولذلك لا تُرتكَب معصية إلا بسبب الغفلة عن الله تعالى، ولا يُتصوَّر في الذَّاكر اليقظ أن يعصي مولاه، كما قال ﷺ:

لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مومنٌ، ولا يسرقُ السَّارق حين يسرقُ وهو مومنٌ”[7].

والمراد بنفي الإيمان نفي كماله، أي: لا يكون كامل الإيمان في حال تلبُّسه بالمعصية.

         ثانياً: حبُّ الدُّنيا والانشغال بها عن غاية الخَلق وعلَّة الوجود فيها.

         ثالثاً: ارتكاب المعاصي ومصاحبة أهلها، فالمعصية ظلمةٌ على القلب، مورثةٌ للغفلة عن الله تعالى، وعن ذكره وشكره، كما قال سبحانه: 

كَلَّا بَل رَّانَ عَلَيٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَۖ        

رابعاً: الإعجاب بالنَّفس، وازدراء الآخرين، والتَّسويف، وطولُ الأمل، وغيرها من الأسباب التي تُسوِّدُ القلب. أعاذنا الله منها بمنِّه وكرمه، وجميل عَفوه وسِتره.

أمَّا طرق علاجها فنختصر أهمها كما يلي:

         أولا: ذكر الله تعالى، كما قال سبحانه:

اِنَّ اَ۬لذِينَ اَ۪تَّقَوِاْ اِذَا مَسَّهُمْ طَٰٓئِفٞ مِّنَ اَ۬لشَّيْطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَۖ

فذكرُ الله تعالى نورٌ، والغفلةُ ظلمةٌ لا يجتمعان في قلبِ مؤمنٍ، وذكرُ الله يكونُ بالقلب، وهو الأصل الذي يحرِّكُ باقي الجوارح، ويكون باللسان تحدُّثاً بالنِّعمة وشكراً للمُنعِم، وبالجوارح عملاً وإحساناً مع اعتقاد أنَّ الله تعالى لا تخفَى عليه خافية.

       قال الشَّاعر:

إذا ما خَلَوْتَ الدَّهرَ يوماً فَلا     ۞۞    تقُل خلوتُ ولكِن قُل عليَّ رقيب

ولا تَحْسِبنَّ الله يُغفِلُ مَا مضَى    ۞۞     ولا أنَّ ما يَخفى علَيه يَغيبُ[10]   

        ثانياً: معرفة النَّفس ما لها وما عليها، ومعرفة النَّفس لا تتمُّ إلا بمعرفة خَالقها، والغاية من خَلْقِها، وهذا ما يبعثُها على السَّعي في تحصيل رضا مولاها جلَّ شأنه.

        ثالثاً: الاستعداد ليوم الرَّحيل، وقصر الأمل لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

أخذ النَّبي ﷺ، بمنكبي فقال: “كُن في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابر سبيل”. وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصَّباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك”[11].

         وكلُّ فعلٍ مبرورٍ، وقولٍ حسنٍ، وخُلقٍ جميل يَطرُد الغفلة عن القلوب، ويُحَلِّيها بنور معرفة علاَّم الغيوب.

          هذا وأكثروا من الصَّلاة والسَّلام على ملاذ الورى وشفيع الأنام سيِّدنا محمد، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد كلَّما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن خلفائه الرَّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصَّحب أجمعين، والتَّابعين وكلّ من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

            وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمد السَّادس نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم في حلّه وترحاله موفور الصِّحة في تمام العافية، قرير العين بولي عهده المحبوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، مشدود الأزر بشقيقه السَّعيد، صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة إنَّك سميع مجيب.

             وارحم الله الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.

              اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين، ولا تجعلنا من الغافلين، وأحي قلوبنا بنور معرفتك، واعصمنا من شرِّ الفتن، وعافنا من جميع المحن، وتُبْ علينا إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم.

            اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، ربَّنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً. ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النَّار. سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

[1] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، 1/93.

[2] – موطأ الإمام مالك، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق، 2/903.

[3] – سنن الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/638.

[4] – البيت للمتنبي.

[5] – سورة طه، الآيات: 122-124.

[6] – سورة الزخرف، الآية: 42-43.

[7] – صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه، 6782، ومواضع أخرى.

[8] – سورة المطففين، الآية: 14.

[9] – سورة الأعراف، الآية: 201.

[10] – البيتان لأبي العتاهية.

[11] – صحيح البخاري كتاب الرقاق باب قول النبي ﷺ: “كن في الدنيا كأنك غريب”، 8/89.

شاهد أيضا

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)