جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

من تجليات الإيمان في وجوه الإحسان

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة منبرية في موضوع:

 «من تجليات الإيمان في وجوه الإحسان»

ليوم: 18 جمادى الآخرة 1446هـ، الموافق لـ: 20 دجنبر 2024م.

الخطبة الأولى

إنَّ الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله القائل جلَّ في علاه:

﴿فَأَمَّا مَنَ اَعْط۪يٰ وَاتَّق۪يٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْن۪يٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْر۪يٰۖ (7) ﴾.

 ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، بلَّغ الرِّسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربِّي وتسليماته عليه وعلى آله ذوي القُربى والرَّشاد، وصحابته أئمة الهُدى والسَّداد، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم التَّناد.

أمَّا بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ يقول الحقُّ سبحانه وتعالى في محكم التَّنزيل:

﴿فَأَمَّا مَنَ اَعْط۪يٰ وَاتَّق۪يٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْن۪يٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْر۪يٰۖ (7) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَاسْتَغْن۪يٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْن۪يٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْر۪يٰۖ﴾[1].

إنَّ العطاء من فوائد الزَّكاة التي يتربَّى عليها المسلم وهو يقيم هذه العبادة؛ إذ لا يكتفي في إنفاقه وإحسانه بالقدر الذي أوجبه الله تعالى عليه في زكاة ماله وسائر عروضه التِّجارية، والذي حدَّده الشَّرع في: اثنين ونصف في المائة (% 2,5 (من ماله، بل يتجاوزه إلى باقي أبواب الاحسان والإنفاق في سبيل الله؛ طلباً لمزيدٍ من الأجر والثَّواب وحُسن الحال والمآل؛

ولذا قال الله تعالى في سورة “الليل”، بعد أن أقسم بقوله:

﴿ وَاليْلِ إِذَا يَغْش۪يٰ (1) وَالنَّه۪ارِ إِذَا تَجَلّ۪يٰ (2) ﴾[2]،

ذكر مباشرة  قوله تعالى:

﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّ۪يٰۖ (4)﴾،

أي: إنَّ عملكم لمختلفٌ متنوعٌ، ثمَّ بيَّن سبحانه وتعالى هذا الاختلاف في السَّعي بقوله:

﴿فَأَمَّا مَنَ اَعْط۪يٰ وَاتَّق۪يٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْن۪يٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْر۪يٰۖ (7)﴾.

فربط سبحانه وتعالى بين العطاء، والجود، والتَّقوى، والتَّصديق بالحسنى التي هي الجنَّة وما فيها من نعيمٍ مقيمٍ، فأظهر بهذا الرَّبط منزلة الانفاق من التَّقوى والإيمان، مع تقديم العطاء عليهما في الذِّكر؛ فالإنفاق علامةٌ على التَّقوى، وبرهانٌ على صدق الإيمان المفضي بصاحبه إلى الجنان.

ثم قابل عزَّ وجلَّ بهذه الثَّلاث ثلاثاً أُخر، فقال:

﴿وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَاسْتَغْن۪يٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْن۪يٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْر۪يٰۖ (10)﴾.

قابل العطاء بالبُخل، والتَّقوى: بالتَّكبر والاستغناء، والتَّصديق بالتَّكذيب، وكلُّها أسبابٌ تعسِّر الأمُور على صاحبها وتحرمه التَّيسير، حتَّى يجد في كلِّ خطوةٍ يخطوها مشقةً وحرجاً.

عباد الله، إنَّ هذا المقطع من سورة الليل يتحدَّث عن طريقين مختلفين، طريقُ الإنفاق، والجود، والإحسان وما يفضي إليه من الرِّضى والرِّضوان؛ وطريق البُخل والشُّح، وما يلاقيه صاحبه من العسر والخسران، وإنَّ لُزوم طريق الجود والخير لا يكون إلا لمن اقتحم العقبة في مخالفة نفسه وهواه، وآثر ما عند الله من عظيم الأجر والثَّواب، كما قال جلَّ جلاله: 

﴿  فَلَا اَ۪قْتَحَمَ اَ۬لْعَقَبَةَۖ (11) وَمَآ أَدْر۪يٰكَ مَا اَ۬لْعَقَبَةُۖ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) اَوِ اِطْعَامٞ فِے يَوْمٖ ذِے مَسْغَبَةٖ (14) يَتِيماٗ ذَا مَقْرَبَةٍ (15) اَوْ مِسْكِيناٗ ذَا مَتْرَبَةٖۖ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِۖ (17) أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ اُ۬لْمَيْمَنَةِۖ (18)﴾[3].

معشر المسلمين، تأمَّلوا في بيان القرآن الكريم وكشفه لحقيقة الحواجز النَّفسية المانعة من فعل الخير، والتي سمَّاها: العقبة، وأنَّ كل من تخطَّاها حريٌّ به أن يُطعم ذوي الحاجات من ذوي القُربى واليتامى والمسَاكين. فالإنفاق؛ ثمرةٌ من ثمرات الإيمان، والتَّواصي بالصَّبر؛ تعاونٌ على تكاليف الإيمان لتحقيقه، أمَّا التَّواصي بالمرحمة؛ فهو إشاعةُ ثقافة التَّراحم والحضُّ عليها، ومن كانت هذه حاله كان من أصحاب اليمين، وسعد بالحياة الطَّيبة في الدُّنيا والآخرة.

ألا فاتَّقوا الله عباد الله،

﴿وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَ وَأَقْرِضُواْ اُ۬للَّهَ قَرْضاً حَسَناٗۖ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٖ تَجِدُوهُ عِندَ اَ۬للَّهِ هُوَ خَيْراٗ وَأَعْظَمَ أَجْراٗۖ وَاسْتَغْفِرُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞۖ (18)[4]،

نفعني الله وإيَّاكم بالقرآن المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، آمين،  وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وبعد، فيا عباد الله، إذا كان الإحسان والعطاء بالمنزلة التي رأينا، فإنَّ وجوهه متعدِّدةٌ، وسُبله كثيرةٌ ممَّا يجعلُ المسلمَ يتعاطى أبوابَ الخير ويسعى إليها، ففي الصَّحيحين من حديث سيِّدنا أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله ﷺ قال:

“من أنفق زوجين- أي عمل صنفين من أعمال البرِّ – في سبيل الله، نُودِيَ من أبواب الجنَّة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصَّلاة دُعي من باب الصَّلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصِّيام دُعي من باب الرَّيان، ومن كان من أهل الصَّدقة دُعي من باب الصَّدقة”. فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم»[5].

معاشر المسلمين: إنَّ هذا البيان النَّبوي لا يحتاج منَّا إلى مزيد بيان، في أهمية الصَّدقة، والوقف، والهبة، والمنحة، والنِّحلة وغيرها من أبواب وجوه الإنفاق، وأنَّ لها باباً خاصاً من بين أبواب الخير المتعدِّدة التي لا يتَّسع الوقت لتتبُّعها وحصرها، ففي الذي أشرنا إليه كفاية لمن كان له قلبٌ أو ألقى السَّمع وهو شهيد.

هذا؛ وأكثروا من الصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الهُدى ومعلِّم النَّاس الخير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمد عدد خلقك، ورضى نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التَّابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وجعلته ظلَّك الوارف على بلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السَّادس نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. اللهم ألبسه رداء الصِّحة والعافية، واحفظه بما حفظت به الذِّكر الحكيم.

اللهم أقرَّ عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشدَّ أزر جلالته بشقيقه السَّعيد، صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما خير ما جزيت محسناً عن إحسانه.

اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكُفر والفُسوق والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين، فضلاً منك ورحمة يا أرحم الرَّاحمين، يا ربَّ العالمين.

اللهم اجعلنا من المحبِّين لك، ولرسُولك، ولكتابك، ومن المتحابِّين فيك، وحبِّب اللهم إلينا كلَّ عمل يقربنا إليك.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدُّنيا وعذاب الآخرة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنَّك قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعوات. اللهم زيِّنا بزينة الإيمان، وأكرمنا بكرامة القرآن، وألبسنا بخلعة القرآن، وتوفنا وأنت راض عنَّا يا ربَّ العالمين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، لا ضالِّين ولا مضلِّين، اللهم ألبسنا في الدَّارين سترك وعافيتك، وأدخلنا برحمتك جنَّتك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك، وأمِتْنَا على ملَّة نبيِّك ﷺ.

ربَّنا اغفر وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم، فإنَّك تعلم ولا نعلم، وأنت علاَّم الغُيوب؛

ربَّنا إنَّنا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربِّكم فآمنَّا، ربَّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار، ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنَّك لا تخلف الميعاد؛

ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين؛

ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النَّار.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفُون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)