بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
خطبة الجمعة
ليوم 11 صفر 1446ه الموافق ل 16 غشت 2024م
بمناسبة: “ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب”
الحمد لله؛
الحمد لله الذي أمر عباده المؤمنين بتذكُّر الأيَّام المشهودة في حياة النَّاس، حتى يشكروه على نعمه العديدة، نحمدُه تعالى ونشكره، ونشهد أنه الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشَّهادة، هو الرَّحمن الرَّحيم، لك الحمد ربِّ حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا، ولك الحمد أنت نور السَّماوات والأرض وما فيهن، ولك الحمد أنت قيُّوم السَّماوات والأرض وما فيهن، ولك الحمد أنت رب السَّماوات والأرض وما فيهن، لك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنَّة حق، والنَّار حق، والميزان حق، ومحمد ﷺ حق، والسَّاعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور. ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه من خلقه وخليله، المنصور بإيمانه، وحسن توكله، صلَّى الله وسلَّم عليه، وعلى آله الطَّيبين الأطهار، وصحابته البررة الأخيار، وعلى التَّابعين لهم في كلمة التَّوحيد، وتوحيد الكلمة إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد؛ إخوة الإيمان، يقول الله تعالى:
﴿وَذَكِّرْهُم بِأَييَّٰمِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٖ شَكُورٖۖ﴾[1]
عباد الله، إنَّ لكلِّ أمَّة أيَّاماً خالدةً، منقوشةً في ذاكرتها، وإنَّ من أيَّام المملكة المغربية المجيدة، وذكرياتها الغالية السعيدة “ذكرى ثورة الملك والشَّعب” التي تعتبر حلقةً من حلقات الجهاد الوطني الذي قاده جلالة المغفور له مولانا محمد الخامس، طيَّب الله ثراه، وإلى جانبه آنذاك ولي عهده، ووارثُ سرِّه، ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له مولانا الحسن الثاني، أكرم الله مثواه.
وذلك لمَّا قام المغاربة بمقتضى ما يُمليه عليهم إيمانُهم من واجب الوفاء للبيعة التي تُطوِّق أعناقهم، فثاروا ثورتهم ضد المحتل يوم: “عشرين غشت سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وألف”، (20 غشت 1953)، مضحين في سبيل العرش والوطن بالغالي والنَّفيس، فعجَّل نضالهم هذا بعودة السُّلطان الشَّرعي إلى عرشه، حاملاً مشعل الحُرية والاستقلال، تالياً قول الله تعالى:
﴿اُ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِےٓ أَذْهَبَ عَنَّا اَ۬لْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌۖ﴾[2]
ونستفيد في إطار خطة “تسديد التَّبليغ” وما تقتضيه من ربط الإيمان بالعمل الصَّالح، أمورا يحسُن التَّذكير بها:
أولاً: أنَّ الله تعالى ناصر المؤمنين، كما قال سبحانه:
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ اُ۬لْمُومِنِينَ﴾[3]
فربط الحقُّ سبحانه وتعالى بين الإيمان والنَّصر في مواطن عدَّة من القرآن الكريم، ليؤكد لنا سبحانه أنَّ الإيمان الصادق سبب عظيم من أسباب النصر الرباني؛
ثانياً: أنَّه لابد من الأخذ بالأسباب المشروعة في شأننا كلِّه، كما قال سبحانه:
﴿وَقُلِ اِ۪عْمَلُواْ فَسَيَرَي اَ۬للَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَالْمُومِنُونَۖ﴾[4]
ثالثاً: لزُوم واجب توحيد الكلمة، ووحدة الصَّف، فهي حقٌّ للسُّلطان والمجتمع، إذ الوحدة في الرَّأي والمواقف سرُّ القوة والمنعة، وإنَّما يأتي الفشل من التَّنازع واتِّباع الأهواء. قال عزَّ من قائل:
﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[5]
رابعاً: وجوبُ القيام بالعمل المناسب، بالشَّكل المناسب تحت راية الإمام الشَّرعي وبأمرٍ منه، وليس تحت أيِّ مسمى من المسمَّيات، فالدَّارس للسُّنة والسِّيرة النَّبوية يدرك أنَّ رسول الله ﷺ كان شديد الحرص على أن لا يقوم أيُّ شخصٍ بأيِّ تصرفٍ من غير إذنٍ منه ﷺ؛ إذ أنَّ أمر الأمَّة يخضع للسِّياسة الشَّرعية المقتضية لجلب المصالح ودفع المضار، وذلك ليس للأفراد والجماعة، وإنَّما لأمير المؤمنين وخاصَّته من أهل الحلِّ والعقدِ المكلَّفين بالمسؤوليات في عصرنا هذا.
وقد اكتملت هذه الأسباب كلُّها في الشَّعب المغربي الوفي ببيعته، يوم خاضَ ثورته ضدَّ المستعمر تحت قيادة إمامه وسلطانه مولانا محمد الخامس، طيَّب الله ثراه، وبإيمانٍ راسخٍ بأنَّ الله ناصرٌ كلَّ من ينصرُه، وأنَّ وحدة الكلمة والصَّف المرصُوص من أهم أسباب النَّجاح والفلاح، فكانت النَّتيجة هي عودة السُّلطان الشَّرعي للبلاد، وتحرير الوطن، وإعزاز المواطنين.
نفعني الله وإيَّاكم بقرآنه المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين. آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ الحمد لله ذي الجُود والنِّعم، والفضل والكرم، والصَّلاة والسَّلام على النِّعمة المهداة، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً إلى يوم الدِّين.
عباد الله؛
الذِّكرى الثَّانية من ذكرياتنا الغالية التي نذكرها في خطبة هذه الجمعة؛ هي “ذكرى عيد الشباب” يشارك فيها المغاربةُ قاطبةً الأسرة الملكية الشَّريفة، ويجدِّدون فرحتهم وابتهاجهم بميلاد مولانا أمير المؤمنين حفظه الله، ونجمل الكلام بهذه المناسبة في نقطتين كبيرتين:
أمَّا النُّقطة الأولى: فنحن مدعوون جميعاً للتَّأمل في العهد المحمدي الزَّاهر المعطاء الذي شهد إنجازاتٍ كبرى ومشاريع عظيمة، في ظرف قياسي ووجيز، طُوي فيه الزَّمان طياً، وما ذلك إلا بفضل الهمَّة العالية، والإرادة الصَّادقة، التي يتمتَّع بها مولانا أمير المومنين، في إسداء الخير لشعبه ووطنه، سائراً على خطى جدِّه وأبيه، مكملاً ما بدآه من بناء مغرب جديد وحديث، مع الحفاظ على ثوابته، وأسسه الضَّاربة بجذورها في أعماق التَّاريخ، ولسان حاله يقول:
نبني كما كانت أوائلُنا ۞۞ تَبني ونفعَل مثلَ ما فعلوا.
وبذلك بَوَّأَ وطنه وشعبه مكانةً عاليةً بين الأوطان والشُّعوب، يغبطُنا عليها النُّبهاء من العالمين.
وأمَّا النُّقطة الثانية: فإنَّ هذه الذِّكرى تذكِّر بقيمة الشَّباب في حياة الفرد والأمَّة، فما قامت الحضارات والدُّول إلاَّ على أكتاف الشَّباب وجهودهم وتفانيهم في خدمة أوطانهم وأممهم، ولنا في رسول الله ﷺ وكل من كان يلتف حوله من شباب الصَّحابة رضوان الله عليهم أجمعين الذين نصَروا دعوته خير مثال، مصداقاً لقول الله تعالى:
﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِۦ وَبِالْمُومِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْۖ﴾[6]
وذلك لأنَّ فترة الشَّباب فترةُ إقبالٍ وطموحٍ نحو المستقبل، وفترة قوَّةٍ ونموٍ مطَّرد، ولذا قال النَّبي ﷺ:
«اغتنم خمساً قبل خمسٍ:
شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك،
وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[7]
بارك الله لمولانا أمير المؤمنين في عمره، وأسبغ عليه أردية الصِّحة والعافية، آمين.
هذا؛ وخير ما نختم به الكلام، أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام، على الرَّسول الأكرم، والنَّبي الأعظم، سيِّدنا محمد ﷺ، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمد وعلى آله، كما صلَّيت وسلَّمت وباركت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، والتَّابعين ومن تبعهم في كلِّ وقت وحين.
وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة، الملك محمداً السَّادس، نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، وتعلي به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه بما حفظت به كتابك الكريم، وبارك في كلِّ خطواته المباركات في خدمة شعبه ووطنه، وحقِّق له كلَّ ما يسعى إليه من رقي وازدهار لأمَّته، وأقرَّ عين جلالته بولي عهده المحبُوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشُدَّ أزر جلالته بشقيقه السَّعيد صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.
وارحم اللهم الملكين المجاهدين، بطل التحرير، ومبدع المسيرة الخضراء، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم اجزهما عنا خير ما جزيت محسناً عن إحسانه، وارحم اللهم شهداءنا الأبرار الذين استرخصوا أنفسهم وأموالهم وكلَّ ما يملكون فداءً للعرش والوطن، ووفقنا لحفظ ما خلَّفُوه، وصَوْنِ ما أنجزوه، قياماً بالواجب، وأداءً للأمانة.
اللهم ارحمنا، وارحم والدينا، وارحم موتانا، وارحم من علمنا، وارحم بفضلك جميع المسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريبٌ سميعٌ مجيبُ الدَّعوات؛
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلاَّ غفرته، ولا هماً إلاَّ فرجته، ولا ديناً إلاَّ قضيته، ولا مريضاً إلاَّ شافيته وعافيته، ولا غائباً إلاَّ رددته، ولا حاجةً من حوائج الدُّنيا إلا قضيتها بفضلك وجودك يا أرحم الرَّاحمين يا ربَّ العالمين؛
ربَّنا تقبل منَّا إنَّك أنت السَّميع العليم، وتب علينا إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم؛
ربَّنا اغفر وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم، فإنَّك تعلم ولا نعلم، وأنت علاَّم الغُيوب؛
ربَّنا آتنا من لدُنك رحمةً، وهيء لنا من أمرنا رشداً؛
ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار؛
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.