جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

خطبة منبرية في موضوع: «هدي نبي الرحمة في شهر الرحمة» .

بسم الله الرحمن الرحيم 

 خطبة منبرية في موضوع:  «هدي نبي الرحمة في شهر الرحمة » 

ليوم: 13 رمضان 1446 هـ الموافق لـ 14 مارس 2025 م.  

الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام، وبعث فينا سيدَ الخلق وشفيعَ الأنام، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، نحمده سبحانه وتعالى على نعمة الإيمان والإسلام، وعلى ما أكرمنا به من فريضة الصيام، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك، ونشهد أن سيدَنا محمدا عبده ورسوله، المبعوثَ رحمةً للعالمين، وأسوةً للمتقين، وإماما للصابرين، صلى الله وسلم عليه وعلى الآل والأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب.

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، إن مما ينبغي التنبيه عليه في هذه الأيام والليالي المباركات، الحديثَ عن الهدي النبوي في هذا الشهر الكريم، وعما يخصه به من مزيد العناية والاهتمام، وما يقدمه بين يدي صحابته الكرام من الحث على اغتنامه بالصيام والقيام وتلاوة القرآن، وبالتآزر والتضامن والعطاء وسائر وجوه الرحمة والبر والإحسان.

عباد الله، كان رسول الله ﷺ، إذا حل شهر رمضانَ صامه محافظا على آدابه وسننه من تعجيل الفطور وتأخيرِ السحور، ويقول ﷺ:

“تسحروا فإن في السحور بركة”[1].  

وإذا أفطر دعا بهؤلاء الكلمات:

ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله”[2].

وكان هديه، صلوات ربي وتسليماته عليه، في القيام أنه يقوم ما استطاع من الليل ويحث عليه، من غير إيجاب، كما روى الإمام مالك في الموطأ عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ كان يُرَغِّب في قيام رمضانَ من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول:

“من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه”[3].

وكان، ﷺ، يقوم حتى تورمت قدماه، كما جاء في الحديث عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ:

« أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: ‌أَفَلَا ‌أَكُونُ ‌عَبْدًا ‌شَكُورًا .» [4].

فيعلمنا ﷺ أن مرتبة الشكرِ أعلى من مرتبة الخوفِ والرجاء.

أما هديه ﷺ في قراءة القرآن فقد كان ﷺ يعرض القرآن على جبريلَ عليه السلام في رمضانَ كل عام مرة، وعرضه عليه في العام الذي توفي فيه مرتين، كأنه، ﷺ، يسابق الزمان بكسب فضائل الأعمال. كما روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:

” كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجودُ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان جبريل، عليه السلام، يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي ﷺ القرآن، فإذا لقيه جبريل، عليه السلام، كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة”[5].

عباد الله، في هذا الحديث يتجلى الهدي النبوي في أمور جليلة وعظيمة ينبغي التنبه لها، وهي القيام والصيام وتلاوة القرآن والإنفاق في سبيل الله أكثرَ مما يكون عليه خارج رمضان.

وفي العشر الأواخر يضاعف هذا الجهد فيحيي ليله ويشد مِئزَرَه ويُوقظ أهله، كما في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت:

“كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شَدَّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله”[6].

إننا معاشر المسلمين ونحن نستحضر هدي نبينا ﷺ في هذا الشهر الفضيل، نذكر قول الله تعالى:

﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِے رَسُولِ اِ۬للَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اُ۬للَّهَ وَالْيَوْمَ اَ۬لَاخِرَ وَذَكَرَ اَ۬للَّهَ كَثِيراٗۖ [7] .

ألا فاتقوا الله عباد الله، وتأَسَّوا بنبيكم ﷺ في اغتنام فضل هذا الشهر الكريم، بالإخلاص والعمل الصالح، تكونوا من الفائزين، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، لقد كان رسول الله ﷺ رحمة للعالمين كما وصفه بذلك البارئ جل وعلا في محكم التنزيل، إذ يقول:

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَۖ [8].

وتتجلى هذه الرحمة أكثر ما تتجلى في شهر رمضان، إذ كان الرسول ﷺ حريصا على المؤمنين، يحضُّهم على عدم الغُلُو في الدين، وعلى الأخذ باليسر، امتثالا لقول الله تعالى بعد الحديث عن رخصة الإفطار للمريض والمسافر:

﴿يُرِيدُ اُ۬للَّهُ بِكُمُ اُ۬لْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ اُ۬لْعُسْرَۖ وَلِتُكْمِلُواْ اُ۬لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيٰ مَا هَد۪يٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَۖ[9].

كما رغب في إفطار الصائمين وبيَّن أجرَ من فطَّر صائما، وفرض زكاة الفطر تكافلا بين المسلمين، وأكثر ﷺ من الإنفاق في هذا الشهر كالريح المرسلة، وربى صحابته على العطاء والتضامن والتكافل.

وبين ﷺ بقوله وفعله، أن شهر الصيام هو شهرُ عمل بامتياز، ففيه وقعت غزوة بدر الكبرى دفاعا عن أمة الإسلام، وفتح مكة لما نقض المشركون الصلح وخانوا عهد رسول الله ﷺ.

فجمع ﷺ في هديه بين العبادة لله تعالى صياما وقياما وتلاوة للقرآن، وبين القيام بمصالح العباد، حيث حقق ﷺ، التنمية الحقيقية بالتربية على السلوك الحسن، الذي جاء من أجله الصيام، والعطاء الجزيل، والتكافل الاجتماعي الواسع، وجعل من نفسه قدوةً يتأَسَّى به غيره من أهل الإيمان الصادق والعمل الصالح الذَيْنِ هما عُنصُرا الحياة الطيبة المنشودة لكل إنسان، والموعودة في الدنيا والآخرة للأهل الإيمان.

عباد الله، مما تقدم من الهدي النبوي السَّنِيِّ، ندرك أن شهر رمضان المبارك ليس موْسِما للخمول والكسل، ولا وقتا لِلدَّعَة والبِطالة، ولا فرصةً للسهر ليلا والنوم نهارا، ولا مناسبةً للإسراف والتبذير والإفراط في إشباع الغرائز والشهوات إلى حد التخمة،  بل هو شهر اقتصاد بامتياز، تسمو فيه الروح عن الملذات الحسية إلا ما لا بد منه، وهو موسم للعمل بكل أبعاد العمل؛ ليلهُ قيامٌ ونهاره صيامٌ والأجرُ فيه مضاعف لفرائضه ونوافله، فطوبى لمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا، وحقق مقاصده الكبرى من إمساك الجوارح عن المعاصي وتحليتها بالطاعات، فاكتسب بذلك مَلَكَة التقوى التي هي الثمرة الغالية والعالية للصيام.

هذا، وأكثروا من الصلاة والسلام على عين الرحمة، وتمامِ النعمة سيدِنا محمدٍ، فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن باقي الصحب أجمعين، وعن التابعين لهم وتابعيهم إلى يوم الدين.

وانصر اللهم بنصرك المبين من وليته أمر عبادك المؤمنين، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به أولياءك، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، محفوظا بسر ألطافك الخفية، موفور الصحة في تمام العافية، قرير العين بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد مولانا رشيد وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم بواسع رحمتك وسابغ جودك الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما، واجزهما عنا خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.

اللهم اغفر لنا في هذا الشهر الكريم، واسلك بنا فيه منهج النبي ﷺ، إيمانا وطاعة وخلقا، وارحم فيه آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، اللهم تقبل فيه أعمالنا، وأصلح فيه أحوالنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، إنك جواد كريم وعفو رحيم تحب العفو فاعف عنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

[1] – صحيح البخاري كتاب الصيام باب بركة السحور من غير إيجاب، رقم الحديث: 1922 رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 1641

[2] – سنن أبي داود كتاب الصوم باب القول عند الإفطار، رقم الحديث: 2357 رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 6904

[3] – الموطأ كتاب الصيام باب الترغيب في الصلاة في رمضان، رقم الحديث: 154. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 11762

[4]  صحيح مسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب إكثار الأعمال رقم الحديث:2819 رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 4769

[5] – صحيح البخاري كتاب الصوم باب أجود ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يكون في رمضان، رقم الحديث: 1902 رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 3952

[6] – صحيح البخاري كتاب فضل ليلة القدر باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، رقم الحديث: 955 .

[7]– سورة الأحزاب، الآية:21

[8]  – سورة الأنبياء، الآية: 106.

[9] – سورة البقرة، الآية: 184.

شاهد أيضا

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)