جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

خطبة منبرية في موضوع: «فضل الذكر والعطاء والمواساة في رمضان» .

بسم الله الرحمن الرحيم 
خطبة منبرية في موضوع: «فضل الذكر والعطاء والمواساة في رمضان»
ليوم 20 رمضان 1446هـ الموافق ل 21 مارس 2025 م

الحمد لله نحمده تعالى على نعمه الجلى، ونشكره على آلائه العظمى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل شهر الصيام فرصة للتكافل والتضامن والبَذْل والعطاء، وجعل قلوب عباده أوفق للتحلي بالسخاء وأبعد عن الشح والبخل والبغضاء، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الأسوةُ الحسنةُ والقدوةُ المثلى في إسداء الخير للغير، صلواتُ ربي وتسليماتُه عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في القول والعمل وجميل الخلق في الليل والنهار.

أما بعد، أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، فها هو شهرُ الصيام قد مضى مُعظمه وبقي أَعظمه، لما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي ﷺ، اعتكف العشر الأُوَلَ من رمضانَ، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال له: الذي تَطلُب أمامك. فاعتكف العشر الأوسط، فأتاه فقال الذي تَطلُب أمامك. فقام النبي ﷺ خطيبا صبيحةَ عشرين من رمضانَ، فقال:

«من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليَرجِع، فإني أُرِيت ليلة القدر، وإني نُسِّيتُها، وإنها في العشر الأواخر، في وِتْرٍ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء». وكان سقف المسجد جريدَ النخلِ، وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قَزَعَةٌ (وهي قِطَعٌ مِن السَّحابِ رَقيقةٌ)، فأُمطِرْنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثَرَ الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَرْنَبَتِهِ (و‌هي طرف الأنف) تصديقَ رؤياه[1].

عباد الله، في هذا الحديث دليل على تحري النبي ﷺ لليلةَ القدر، وحِرصِه على اغتنام فضلها، وحثِّه أصحابَه على ذلك. وأنها في الوتر من العشر الأواخر. ولذا:

كان النبي ﷺ "إذا دخل العشرُ، شَدَّ مِئزرَه، وأحيا ليله وأيقظ أهله"[2].

وشَدُّ المئزر كناية عن الاجتهاد في العمل والإكثار منه، مع الحرص على إشراك الأهل في هذا الجهد المبارك المثمر.

ومن أهم الأعمال الفاضلة في هذه الأيام، ذكر الله تعالى، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أَرَأيتَ إن علِمتُ أيُّ ليلة ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:

"اللهم إنك عَفوٌّ تُحب العَفْوَ فاعف عني"[3].

وقوله ﷺ: "تحب العفو" أي تحب العافين عن الناس. وفيه ما يدل على أن المؤمن ينبغي أن يتصف بالعفو عن الناس، وأن يتجاوز عنهم، خصوصا في هذا الشهر المبارك حتى يحبه الله تعالى. وهذه من ثمارِ هذا الذكر، فمن أراد أن يَعفو الله عنه، فليَعْفُ عن عباده، ومن أراد أن يَغفر الله له فليغفِر لعباده، ومن أراد أن يصفَح الله عنه فليصفَح عن خلْقِه.

ومنها كذلك تلاوة القرآن، وهي أعظم أنواع الذكر، يقول الله تعالى:

اِنَّ اَ۬لذِينَ يَتْلُونَ كِتَٰبَ اَ۬للَّهِ وَأَقَامُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرّاٗ وَعَلَٰنِيَةٗ يَرْجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمُۥٓ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞۖ[4].

فهاتان الآيتان الكريمتان تَربِطان في سياقٍ واحدٍ عباداتٍ ثلاثاً، وتعتبرانها تجارةً رابحةً لن تبور ولن تَكْسُد على صاحبها، في الدنيا والآخرة، بل هو مَجْزِيٌّ عنها أجورا كثيرةً بالجزاء الأوفى، مع مغفرة الله لذنوبه وشكره لأعماله،

إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞۖ[5].

ومنها الإنفاق في سبيل الله، وهو من البراهين الصادقة الدالة على صدق الإيمان واليقين بالله تعالى وبوعده الصادق إذ يقول جل شأنه:

وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَےْءٖ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيْرُ اُ۬لرَّٰزِقِينَۖ[6].

ويقول ﷺ:

"والصدقة برهان"[7].

وأفضله ما صادف زمانا فاضلا كرمضانَ، وحالا مُلحةً كحاجة الفقير والمسكين واليتيم وغيرهم من ذوي الحاجات. والإنفاقُ من المكفرات للذنوب كما قال النبي ﷺ:

"فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ ومَالِهِ وجَارِه تُكَفِّرُها الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ"[8].

يقول القاضي عياض، رحمه الله:

"وفتنة الرجل فى أهله وماله وولده صَرْفُه من فَرْطِ محبَّتِه لهم وشُحِّه عليهم وشُغْلِه بهم عن كثير من الخير"[9].

فدفع هذه الفتنة بلزوم الفرائض من الصلوات والصيام والصدقات وغيرها من الأعمال الصالحة.

معاشر المؤمنين، ما أعظم هذا الشهر المبارك وما أعظم فضل الله فيه على عباده، فهنيئا لمن صامه وصانه، وقامه، وبالإحسان إلى الناس زَانَهُ.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ الهادي إلى صراط الله المستقيم، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون، نستفيد مما سبق ذكره من الحديث عن فضل الذكر والإنفاق في شهر رمضان عامة، وفي العشر الأواخر منه خاصة وما يخصه به النبي ﷺ من مزيد عمل وذكر وتلاوة لكتاب الله تعالى ومن العطاء والتضامن واتقاء الشُّح والبُخل، أن ذلك كلِّه تَأَسٍّ واقتداءٌ واهتداءٌ بالحبيب المصطفى ﷺ الذي يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقرَ.

كما نستفيد أن خَصْلَة العطاء والسخاء المتأصلةَ في نفوس المؤمنين نابعةٌ من هدي النبي ﷺ وسيرِ السلف الصالح من هذه الأمة، إذ يعتبرون رمضانَ مدرسةً لتطهير النفوس من الشح، وحثِّها على المسارعة إلى العطاء والبذل، وكانوا يرون أنفسهم أحوجَ إلى الصدقة من الفقراء والمساكين، من حيثُ الأجرُ والثوابُ، كان الشعبي يقول:

"من لم يرَ نفسَه إلى ثواب الصدقة أحوجَ من الفقير إلى صدقتِه، فقد أبطلَ صدقتَه، وضرب بها وجهَه"[10].

يعني إذا كان يَمُنُّ بها على الفقراء.

وعلى هذا النهج سار سلفُنا في هذه المملكة الشريفة عندما تَهُبُّ عليهم نسائمُ رمضانَ، يجودون بما يملكون ويتنافسون في إسداء الخير للغير، وأسوتهم في ذلك أئمتهم وسلاطينهم، المجزلون للعطاء في هذا الشهر الكريم، ولنا في مولانا أمير المؤمنين أسوة حسنة في تقديم المساعدات السخية والعطايا الجمة للفقراء والمساكين، والأسر المعوزة.

نسأل الله تعالى أن يحفظه ذخرا وملاذا للبلاد والعباد، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يتقبل منه سائر الأعمال في هذا الشهر الكريم وفي سائر الأحوال.

هذا وصلوا وسلموا على الهادي الأمين، سيدنا محمد، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. واحفظه اللهم بسترك الجميل، وأسبغ عليه في هذه الأيام المباركة سوابغ أردية الصحة والعافية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وارحم اللهم الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.

اللهم ارحمنا وارحم والدينا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وارزقنا فضل هذا الشهر العظيم وثوابه، وفضل هذه العشر المباركة، فاقبل فيها توبتَنا، واغسل فيها حوبتَنا، واستر فيها عورتنا، وآمن فيها روعتنا.

اللهم اغفر للمومنين والمومنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

[1] - أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب الأذان، باب السجود على الأنف والسجود على الطين رقم: (813) (وفي مواضع أخرى)،

[2] - صحيح البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان، رقم الحديث: 2024

[3] - سنن الترمذي، (أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.) رقم الحديث:3513. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 10080

[4] - سورة فاطر، الآية: 29-30.

[5]  سورة فاطر، الآية: 30.

[6] -  سورة سبأ، الآية: 39.

[7] - صحيح مسلم كتاب الطهارة باب فضل الوضوء، رقم الحديث: 223. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 293

[8] - صحيح البخاري - كتاب الصوم - باب الصوم كفارة رقم الحديث:1895 رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 4870

[9] - إكمال المعلم 1/451

[10] - إحياء علوم الدين 1/440.

شاهد أيضا

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)