
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة منبرية في موضوع: حسن المعاملة وفوائده
ليوم الجمعة : 27 يونيو 2025م
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، نحمده سبحانه وتعالى حمد الشاكرين لأنعمه، ونشهد أنه الله الذي لا رب لنا سواه، أمر بحسن القول في محكم تنزيله، فقال وهو الصادق: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناٗۖ﴾.[1]
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المحمود في سيرته: فعله ومقوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه نجوم الهدى وبدور الاقتداء، والتابعين لهم في حسن الأداء وحسن الاقتضاء.
أما بعد، تحدثنا في الخطبة السابقة عن جانب من جوانب الحرص على أكل الحلال، وذلك بالإخلاص في كل عمل مأجور أو خدمة مأجورة واليوم نتناول جانبا آخر من هذا الحرص على أكل الحلال وذلك بالحرص على الإخلاص في المعاملات التجارية وغيرها.
عباد الله؛ إن المعاملة باب واسع يشمل كل علاقة بين اثنين لأي سبب كانت تلك العلاقة، من بيع وشراء وإجارة وكراء وزواج وجوار وشراكة ووظيفة، وغير ذلك من أوجه العلاقة بينك وبين الآخرين، فيطالب كل واحد منا بحسن أداء واجبه مع الناس، بحيث يرفق بهم ويسهل قضاء حوائجهم، ما دام في وسعه إسعافهم.
روى الإمام مالك رحمه الله عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال:
آخر ما أوصاني به رسول الله ﷺ حين وضعت رجلي في الغرز- أي في الركاب- أن قال: أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل[2].
وذلك لما بعثه واليا على اليمن.
وحسن المعاملة هو جملة من الأخلاق الرفيعة التي يحيى بها المسلم، وبها يحقق لنفسه ولغيره السعادة الدنيوية والحياة الطيبة، كما يؤجر عليها في الآخرة بأحسن منها، إذ الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى:
﴿هَلْ جَزَآءُ اُ۬لِاحْسَٰنِ إِلَّا اَ۬لِاحْسَٰنُۖ﴾.[3]
وأول هذه الأخلاق: المحبة للناس؛ فمن أحب الناس أحب لهم الخير، ومقتضاه ألا يَغشهم ولا يخونهم في المعاملة وذلك من كمال إيمانه، ويعود عليه بالنفع بين إخوانه. لقول النبي ﷺ:
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[4].
ثانيها: الصدق؛ وهو الذي يبارك الله به في المعاملة فيقويها وتسود الثقة بين الناس وتعم، وبذلك يحصل على حقه ويؤدي واجبه بكل يسر وسهولة، وتحصل له البركة فيما أخذ أو أعطى، كما قال النبي ﷺ:
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما.[5]
ثالثها: السماحة واليسر، وعدم التعسير في الأمور البسيطة واليسيرة، فالمعاملة مبنية على العفو عن الشيء اليسير وعدم المشاحة فيه، ولذا قال النبي ﷺ:
رحم الله عبدا سمحا إذا باع … [6].
ومعنى سمحا؛ أي سهل الخلق طيب النفس يتعامل مع الناس برفق ولين وطلاقة وجه.
فيحظى وهو متصف بهذا الخلق بدعوة النبي ﷺ بالرحمة وأَنْعِمْ بها من مكافأة، رحمة تشمل نفسه وولده ورزقه وآجلته وعاجلته. نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، رابع محاسن الأخلاق في المعاملة: الكلمة الطيبة؛ فمن الأمور المطلوبة عند المعاملة الكلمة الطيبة لقول النبي ﷺ:
والكلمة الطيبة صدقة[7]
ومن ذلك الدعاء من المتبايعين لبعضهما بالبركة والربح والخلف في المال، وهي مفردات ترسخت ولله الحمد في ثقافة الناس، كقولهم لبعضهم: (الله يربح، الله يخلف، الله يسخر)، وغيرها من الكلمات، التي بدأنا نفقدها اليوم في معاملات البعض، إذ يقبض مالا أو يدفع سلعة ولا يحسن كلمة طيبة ولا طلاقة وجه ولا دعوة بالبركة.
خامسها: النصح في المعاملة؛ بحيث تفكر في مصلحة صاحبك كما تفكر في مصلحتك، وتنصح له فيما ينفعه وينفعك، لا فيما ينفعُك وحدك لقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه:
بايعت رسول الله ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم[8].
بهذه الأخلاق وغيرها، إخوة الإيمان؛ يؤتي حسن المعاملة ثماره وفوائده في حياة الفرد والجماعة، حتى يعيشوا جميعا الحياة الطيبة الموعودة.
عباد الله، نستحضر في هذه الأيام هجرة الرسول ﷺ بمناسبة العام الهجري الجديد، وهي مناسبة عظيمة تذكر بتضحيات النبي ﷺ، وما عاناه من قومه الذين أخرجوه من بلده، وقد لخص النبي ﷺ معاني الهجرة في قوله ﷺ:
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه[9]
وهذا يعني أن نصيبنا نحن من الهجرة هو هجرة المعاصي، ومن أخطرها ما تناولناه في هاتين الخطبتين من وجوب تجنب أكل أموال الناس بالباطل، عن طريق الغش أو السرقة أو الرشوة أو الغلول، وهو أخذ المال العام بغير وجه حق، وكل وجه غير مشروع.
وفي مقابل ذلك يحرص المؤمن على أكل الحلال، والصدق في المعاملة، والنصح للناس أخذا وعطاء، قضاء واقتضاء، بيعا وشراء، لينال رحمة الله تعالى التي وعد بها المتسامحين في المعاملات، وعفوه تعالى عمن يعفو عن الناس ويتحقق بمضمون قول النبي ﷺ:
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله …[10]
أي من كانت هجرته وتوجهه وغايته في كل تصرفاته يقصد بها وجه الله، فإن الله تعالى لا يضيع أجره وثوابه.
وهذا الحديث يجعل المؤمن في هجرة دائمة وإقبال مستمر على الله تعالى، مأجورا على كل أعماله؛ عقيدة كانت أو عبادة أو معاملة أو سلوكا.
ومسك الختام أفضل الصلاة وأزكى السلام على النبي الخاتم، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عدد ما كان وما يكون إلى ما شئت مما لا حد له من صلاة وتسليم، وارض اللهم عن الصحابة الكرام خصوصا منهم المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية المسلمين. اللهم اجعل مفاتيح الخير على يديه، اللهم أعد على جلالته أمثال هذه المناسبة، وهو يرفل في حلل الصحة والعافية، اللهم أقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.
وارحم اللهم الملكين الجليلين المجاهدين مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، واجزهما عنا خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.
اللهم اجعلنا متحابين متناصحين، متعاملين بالحسنى، متعاونين على البر والتقوى، متسامحين في الأخذ والعطاء، مهاجرين إليك في السر والعلانية، ابتغاء مرضاتك وتعرضا لعفوك وغفرانك، اللهم حبب إلينا من الأعمال ما يرضيك.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] . البقرة 82.
[2] . الموطأ، كتاب حسن الخلق باب ما جاء في حسن الخلق، 2/902 رقم: 1. رقم الحديث بالمنصة 5798.
[3] . الرحمن 59.
[4] . صحيح البخاري، كتاب الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، 1/12 رقم: 13. رقم الحديث بالمنصة 11747.
[5] . صحيح البخاري، كتاب البيوع باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، 3/64 رقم: 2108. رقم الحديث بالمنصة 7384.
[6] . صحيح ابن حبان، كتاب البيوع أحكام البيع باب ذكر ترحم الله جل وعلا على المسامح في البيع والشراء والقبض والإعطاء، 11/267 رقم: 4903. رقم الحديث بالمنصة 2605.
[7] . صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير باب من أخذ بالركاب ونحوه، 4/56 رقم: 2989. رقم الحديث بالمنصة 1497.
[8] . صحيح البخاري، كتاب الإيمان باب قول النبي ﷺ: “الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” 1/21 رقم: 57. رقم الحديث بالمنصة 75.
[9] . صحيح البخاري، كتاب الإيمان باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده 1/11 رقم: 10. رقم الحديث بالمنصة 51.
[10] . صحيح البخاري، بدء الوحي كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/6 رقم: 1. رقم الحديث بالمنصة 26.