جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع” الحرص على حق الله تعالى في المعرفة والتوحيد والإخلاص” ليوم 28 صفر 1447هـ الموافق لـ 22 غشت 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم

 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

خطبة ليوم 28 صفر1447هـ الموافق لـ 22 غشت 2025م

“الحرص على حق الله تعالى في المعرفة والتوحيد والإخلاص

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، ورفع شأنه فنفخ فيه من روحه، ودعا عن طريق الوحي وإرسال الرسل للإنابة إليه، ونصب الآيات للدلالة عليه، نحمده تعالى أن هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشكره على نعمه الكثيرة، ونصلي ونسلم على من بُعِثَ بالتوحيد، وتجديد مآثر النبوات، في معرفة الله تعالى وإخلاص العبودية له في الخلوات والجلوات، والرضى عن آله الكرام البررة، وأصحابه المهديين الخيرة، والتابعين لهم في العلم والعمل والأقوال والأفعال، ما رفع النداء بالتوحيد بالغدو والآصال.

أما بعد؛ أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، فيقول الله جل جلاله:

«فَاعْلَمَ اَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا اَ۬للَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَلِلْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَٰتِۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْويٰكُمْۖ»[1].

عباد الله؛ إن الأساس الأكبر الذي تتوخى “خطة تسديد التبليغ” تحقيقه، وتنبني عليه كل أصول الشريعة وفروعها، والركنَ الركين الذي تتأسس عليه تصرفات الإنسان بجميع أنواعها، وأولَ واجب على المسلم أن يعلمه قبل أي واجب آخر من واجبات التكليف المتنوعة، هو معرفة الله تعالى، الذي هو مفتاح المعارف والعلوم، وبوابة الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، مصداقا للآية الكريمة السابقة. الداعية إلى العلم بالله تعالى وتوحيده وما يثمر هذا العلم من العمل الصالح.

عباد الله؛ قد تقرر في علم العقائد أن أول واجب على المكلف معرفة الله تعالى، وأن أثر الإيمان في العمل الصالح هو على قدر العلم به سبحانه، وعلى قدر خشيته والفناء في محبته، كما قال النبي ﷺ:

«والله إني لأعلمكم بالله، عز وجل، وأخشاكم له»[2].

إذ تقتضي العبادة اقتضاء لازما معرفة المعبود معرفة شعور واستحضار دائمين، وإلا؛ كان العابد عابثا في عبادته، ومترددا في صحة ما يفعل، وقابلا للتفريط في ملته، وضعيفا أمام هوى نفسه الأمارة بالسوء لجهله بالمعبود الحق سبحانه وتعالى.

ولهذا يجب أن يكون تركيز الجهود في تربية الناشئة على معرفة الله، معرفة صحيحة مبنية على العقيدة الصحيحة التي جمعت بين تحلية الله تعالى بما يليق بجنابه وجلاله وكماله، وتنزيهه عما لا يحل وصفه به من الصفات التي لا تليق بمن اتصف بالجمال والكمال والجلال سبحانه وتعالى، له العظمة والكبرياء والملك والسناء.

إن هذه المعاني راسخة في العقيدة الأشعرية المؤطَّرة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، البعيدةِ عن التشبيه والتعطيل، والإلحاد في أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، الواقفةِ عند حدود الله فيما لا تبلغه العقول، ولا تدل عليه النقول، المحصِّنة من الأهواء، والمجانبةِ للجدال والمراء، والآخذةِ بمجامع النصوص في عدم التكفير بالذنب ما لم يستحله أو يكن شركا، لقوله تعالى:

«اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُ»[3].

وقوله صلى الله عليه وسلم:

«ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة»[4].

وحينئذ تؤتي هذه المعرفة ثمارها المرجوة؛ من التقوى والمراقبة والإحسان في القول والعمل، واعتبار سائر الحركات والسكنات عبادة، سواء تعلقت بالعبادة المحضة لله تعالى، أو بالتعامل مع العباد، فليس شيء يستثنى من أفعال العباد وأقوالهم ونياتهم، إلا وهو يدخل تحت مسمى العبادة، مأجورا عليه في سائر الأحوال إن أخلص وأصاب؛ كما في هذه الآية الجامعة الفذة:

«فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ»[5].

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، آمين والحمد لله رب العالمين.

 الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله؛ إذا كانت معرفة الله تعالى رأسَ الأمر وعمودَه الذي ينبي عليه ما بعده، فما السبيل إلى هذه المعرفة؟، وكيف يمكن لكل مسلم الحصولُ عليها ليصح إيمانه وتنعقد عقيدته انعقادا لا تزعزعه الرياح العاتية ويظهر ذلك في أعماله الصالحة، ولا تشوش عليه التيارات الوافدة؟

ذلك أمر يسير، عباد الله؛ فباب الإيمان كتاب مسطور وكتاب منظور، فالكتاب المسطور هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والكتاب المنظور هو هذا الكون المفتوح للنظر والتأمل والاعتبار، فالقرآن الكريم، كما سبق دعا إلى العلم بوحدانية الله تعالى، وإخلاص العبادة له سبحانه، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، دعا الناس إلى توحيد الله، وعدم الإشراك به جل شأنه.

ولم يكن ذلك دعوة إلى تقليد أعمـى، وإنما دعوة إلى النظر والتأمل في البراهين التي أقامها تعالى على وجوده ووحدانيته في الكتاب المنظور: (الكون)، وأعطى للإنسان من أدوات البحث والتدبر ما يكفي للوقوف على الحقيقة، قال سبحانه:

«قُلْ هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالَابْصَٰرَ وَالَافْـِٕدَةَ

قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ»[6].

فالسمع والبصر والفؤاد هي أدوات المعرفة، الموصلة إلى معرفة الله تعالى امتثالا لقوله سبحانه:

« قُلْ سِيرُواْ فِے اِ۬لَارْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ اَ۬لْخَلْقَ»[7].

 وقوله جل شأنه:

«فَلْيَنظُرِ اِ۬لِانسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ»[8].

وبهذا أدرك الخليل إبراهيم عليه السلام الحقيقة، بعد النظر في الكوكب والقمر والشمس، وخلص إلى توحيد خالص فقال:

«إِنِّے وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلذِے فَطَرَ اَ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضَ حَنِيفاً

وَمَآ أَنَا مِنَ اَ۬لْمُشْرِكِينَۖ»[9].

فإذا حصَّل المسلم المعرفة بالله تعالى عن طريق النقل والنظر، حصلت له الخشية من الله تعالى، كما قال سبحانه:

«إِنَّمَا يَخْشَى اَ۬للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ اِ۬لْعُلَمَٰٓؤُاْ»[10].

 وبحصول الخشية تستكين الجوارح لطاعة الله تعالى، فيقوم بحق الله تعالى عبودية، وبحق الناس معاملة، ويتسم بحسن الخلق في سائر الأحوال، وتلك هي ثمرة الإيمان الغالية. وهي الغرض المنشود من كل كتاب أُنزل، ومن كل دعوة نبي أُرسل.

وهي ميسرة غاية التيسير لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورا.

وفي الختام صلوا، عباد الله، وسلموا على الهادي الأمين، والسراج المنير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاللهم صل وسلم على عبدك، ونبيك، ورسولك، سيدنا محمد إمام أهل التوحيد، وارض اللهم عن آله وأصحابه المتجردين لنصرته، وتأييده غاية التأييد، فوسموا بالهجرة والنصرة في كتابك إلى يوم الدين. وعن أتباعهم والآخذين بسُننهم، السائرين على سَننهم ما تعاقبت الليالي والأيام.

وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك مولانا محمدٍ السادس نصرا عزيزا تعز به دينك، وترفع به شأن عبادك المؤمنين، محفوظا في جنبك الذي لا يضام، موفور الصحة والعافية، قرير العين بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدود الأزر بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم اشرح صدورنا بنور معرفتك، وارزقنا علما نافعا يقربنا إلى بابك، وألهمنا الرشد والصواب في القول والعمل، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك، واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

 

[1] – سورة محمد20.

[2] – مسند أحمد، مسند النساء، مسند الصديقة عائشة رضي الله عنها. 6/122.، رقم الحديث 24911.

[3] – النساء 47.

[4] – صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي رقم الحديث 7410، 9/ 121. رقم الحديث بالمنصة260.

[5] – الزلزلة 8-9.

[6] – الملك 24.

[7] – العنكبوت 19.

[8] – الطارق 5.

[9] – الأنعام 80.

[10] – فاطر 28.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)