جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع: «الحرص على الكسب الحلال سجية للمسلم» ليوم 8 محرم 1447هـ الموافق لـ 4 يوليوز 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
 خطبة منبرية في موضوع: الحرص على الكسب الحلال سجية للمسلم
ليوم الجمعة : 8 محرم 1447هـ الموافق لـ 4 يوليوز 2025م

الحمد لله الذي جعل الناس في أرزاقهم متفاضلين، وفي أعمالهم مختلفين، وعلى مصالحهم متكاملين ومتعاونين، نحمده سبحانه وتعالى على ما أولانا، ونشكره على ما هدانا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صدق وإخلاص، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه بما هو أهله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا معاشر المؤمنين والمؤمنات، لقد تحدثنا في خطبتين سابقتين عن حرص المسلم على الكسب الحلال، إما من جهة الإخلاص في العمل المأجور وإما من جهة الصدق وعدم الغش في المعاملات. وبينا أهمية ذلك في حياته، وبكل ما يتناوله في ليله ونهاره وصباحه ومسائه، مع ارتباطه بما لله تعالى من حق الإيمان والعمل الصالح، ومن حق العباد في الصدق والإتقان ومراقبة الله تعالى في أموالهم وسائر حقوقهم.

روى أبو داود عن أم سلمة، رضي الله عنها قالت: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طَرْفَه إلى السماء فقال: «اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل أو أَزِل أو أُزَل أو أَظلِم أو أُظلَم أو أَجهَل أو يُجهَل عليَّ»[1].

هذا هو حال سيدنا رسول الله  يدعو ربه أن يحفظه في يومه، من الضلالة والزلل والظلم والجهل، فإن نجا المؤمن من هاته الأوصاف كانت معاملته حسنة وكسبه حلالا، وعندما يعود المؤمن إلى بيته مساءً يحاسب نفسه على العمل الذي أنجزه في يومه، هل أتقنه وأخلص فيه؟ هل عَمِله قربة وتدينا، ينتظر بذلك الأجر العظيم من الله تعالى؟ أم غابت عنه هذه المعاني فلا يرى إلا الربح الدنيوي، ناسيا قوله تعالى:

مَاعِندَكُمْ يَنفَدُۖ وَمَا عِندَ اَ۬للَّهِ بَاقٖۖ وَلَيَجْزِيَنَّ اَ۬لذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ[2].

وبذلك تصير المراقبة ومحاسبة النفس مَلَكَةً له – أي طبيعة راسخة في نفسه- ودأبا ودَيْدَنا وسلوكا؛ قال الله تعالى:

و َاعْلَمُوٓاْ أَنَّ اَ۬للَّهَ يَعْلَمُ مَا فِےٓ أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُۖ[3].

وهي حال يستشعر فيها المسلم قرب الحق منه، فيتحلى بمقام الإحسان الذي يجعله متقنا لعمله متحريا الكسب الحلال فيه.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ، ذكر ثلاثة نفر، خرجوا فغيَّمت عليهم السماء وأَوَوْا إلى غارٍ فطبَّقَت عليهم صخرةٌ وسَدَّت عليهم الباب، ولا يَعْلَم بهم أَحَدٌ، فتَوسَّلُوا إلى الله تعالى بأخلص أعمالهم؛ تَوسل أحدهم بِبِرِّ الوالدين وتقديمِهما عند الشراب على أولاده، وتوسل الثاني بتِرك المَعْصِيَّة بعد التَّمَكُّن منها مخَافةَ الله تعالى، وقال الآخر: اللهم إِنْ كُنتَ تَعلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرتُ أَجيرا بفَرَقٍ من ذُرَةٍ- وفي رواية من أَرُزٍّ فَأَعطَيْتُه، وأَبَى أن يأْخُذَه، فَعَمدت إلى ذلك الفَرَقِ –والفَرَقُ مِكيال يَسَعُ ستة كيلوا كرامات- فَزَرَعْتُه، حتى اشتريت منه بقرا وراعِيَها، ثم جاء فقال: يا عبدَ الله، أعطني حقِّي، فقلت: انْطَلِق إلى تِلك البَقر وراعيها، فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقُلت: ما أستهزئ بك، ولكنَّها لك. اللهم إِنْ كنتَ تَعلَم أَني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وَجهِك، فافرِج عنّا، فكشف عنهم، فخرجوا يمشون.[4].

عباد الله، الجامع بين هؤلاء الثلاثة هو أنهم جميعا توسلوا بصالح عملهم حين أخلصوا فيه النية وأتقنوه وأحسنوا فيه، وأنهم فعلوا تلك الأعمال تقربا إلى الله تعالى، حين قال كل واحد منهم: “اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك”؛ إذ لو كان للنفس في هاته الأعمال نصيب وحظوظ وهوى، لما بلغت بهم تلك المنازل العظيمة، ولما نفعتهم في وقت الشدة، لأن آثار الأعمال الصالحة تظهر على صاحبها في العاجلة قبل الآجلة.

 وهذا غاية ما يمكن أن يصل إليه المسلم من البر والإحسان، والكسب الطيب ورعاية حقوق الآخرين بالإتقان والإجادة.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الطَّوْل والإنعام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وشمس الهدى في دياجير الظلام، وعلى آله الكرام، وصحابته بدور التمام، والتابعين لهم بإحسان ما توالت الليالي والأيام.

عباد الله، إن التقرب إلى الله بالمعاملات هو ثمرة التقوى إلى الله، وهو ما بينته القصة آنفا فيجب على المسلم التأسي والاقتداء ويستعين في ذلك بذكر الله، فالذكر مفتاح لأبواب الخير مغلاق لأبواب الشر، تطمئن به القلوب وتسعد؛ ولذا ندب الشارع الحكيم إلى الذكر عند الشروع في كل عمل أيا كان بقول المؤمن: “بسم الله” يفتتح به عمله. فيُبارَكُ له فيه ويُعانُ عليه، ويختمه بقوله: “الحمد لله” شكرا لله تعالى على أن منحه القوة والأمانة والإخلاص في إنجازه، وأبعده عن الكسب الخبيث.

والذي ينبغي أن نتواصى به هو أن يحرص كل واحد منا في صباحه على أن يعقد النية على الإخلاص في عمله ومعاملاته، وإذا عاد في المساء حاسب نفسه على ما كان فيه من نقص يستدركه في ما يأتي من الأيام حتى تصبح هذه العادة عنده راسخة ثابتة، ولعمري ذلك هو حقيقة الذكر وثمرته.

وبذلك، إخوة الإيمان، نكون قد تَعبَّدنا الله بمعاملاتنا، وأطعناه بإخلاصنا في عملنا وإتقاننا له، فيكون الله معنا في سائر الأحوال، بالإعانة والتسديد والتيسير.

وعلى هذا الأساس يعمل التاجر في ماله تدينا وقربة، ويعلِّم الأستاذ أبناء الأمة تدينا وقربة، ويعالج الطبيب المرضى تدينا وقربة، ويحرُس رجل الأمن ثغره تدينا وقربة، وينصح الموظف في وظيفته تدينا وقربة، ويحترم السائق قوانين السير تدينا وقربة، ويحترم الجميع القوانين المنظمة للحياة تدينا وقربة، ويقوم كل فرد من أفراد المجتمع، بمسؤوليته تدينا وقربةـ

فيكون حال الأمة متصفا بالتضامن والتعاون على البر والتقوى، خاليا مما يسلب الناس حياتهم الطيبة، محقِّقا لعناصر الرقي والازدهار والرخاء.

هذا ولنجعل مسك الختام أفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة وسلاما تامين دائمين إلى يوم الدين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس نصرا تعز به دينك، وترفع به راية عبادك الصالحين. وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وارحم اللهم بواسع مغفرتك وكريم جودك الملكين المجاهدين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم ارحمنا وارحم والدينا وارحم من سبقنا بالإيمان وارحم بفضلك جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

[1] . سنن أبي داود، أبواب النوم باب ما يقول الرجل إذ خرج من بيته 4/486.

[2] . النحل 96.

[3] . البقرة 233.

[4] . صحيح البخاري، باختصار وتصرف، كتاب البيوع باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه 3/79. رقم الحديث بالمنصة 4659.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)