بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع:
«دور الأركان الأربعة في ترسيخ الإيمان»
ليوم: 14 ربيع الآخر 1446هـ، الموافق لـ: 18/10/2024م.
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، فتح باب الإقبال عليه بأركان الإسلام، نحمده تعالى ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، أفضل من أقام شرائع الدِّين، في كمال التَّدين مع بيان حدوده وأحكامه لسائر الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأزواجه وذرياته ومن إليه انتمى من الصَّحْب الكرام، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد، فيا معاشر المؤمنين، إنَّ ممَّا ينبغي التَّنبيه عليه، وصرف العناية إليه، هو ما فتح الله على أوليائه من أبواب الخير في الإقبال عليه، من خلال أركان الإسلام، التي هي أحب ما تَقرَّب به العبد إلى مولاه ذي الجلال والإكرام،
وهي ما يقربه من ربه جل في علاه
﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ وَعَلَيٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَۖ اَ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ﴾[1]
وقد قال الحق سبحانه في الحديث القدسي:
«من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أَحَبَّ إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه…»[2]الحديث.
عباد الله، هذا الحديث القدسي الشريف، الذي هو أصل من أصول الولاية، وركن من أركان الحماية، يشتمل على مجموعة من الأمور أهمها:
أنَّ الله تعالى حافِظٌ لأوليائه وعباده الصالحين، وأنَّ من أهم خصائص أولياء الله تعالى القيامَ بالفرائض التي يناجي فيها العبد ربه سبحانه، من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ، وأنَّ التَّقرب إليه سبحانه بالنوافل يُكْسِبُ محبتَه تعالى المنجيةَ من الشقاء، والمؤديةَ إلى الحفظ والحماية الربانية لعبده. فيكون تعالى حافظاً لسمعه الذي يسمع به، حامياً لبصره الذي يبصر به، مُسَدِّداً ليده التي يبطش بها، مُوجهاً لرجله التي يمشي بها، مُجيباً لرغباته، مُجيراً من رهباته.
فيكون المؤمن في كنف الله الذي لا يضام، محروساً بعينه التي لا تنام، محبوباً عند الله وعند النَّاس، كما قال الحق سبحانه:
﴿إنَّ اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ اُ۬لرَّحْمَٰنُ وُدّاٗۖ ﴾[3].
كيف لا؟ وقد تقرب إلى بارئه بأحب الطاعات إليه، وهي الأركان المفروضة، ونال شرف المحبَّة بإضافة النَّوافل إليها، وفي ذلك دليل على صدق محبَّته لله تعالى، مشغولاً بلذَّة العبادة عن كلِّ لذَّةٍ ومتعةٍ، فعاش بذلك الحياة الطَّيبة في الإقبال على الله تعالى، في كلِّ ما يأتي وما يذر، مفوِّضاً إليه أمره، ومُبْدياً إليه فقره، ومستغنياً به عمن سواه.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، فرض على عباده أحبَّ الطَّاعات إليه، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، يقول الله تعالى في الحديث القدسي السَّالف الذِّكر: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه». وهو واضحُ المعنى جلي البيان في أنَّ القرب من الله تعالى في أداء فرائضه، وإقامة شرائعه التي أوجبها، وإذا أدرك المسلم هذا المعنى نَشِطَت للعبادة أعضاؤه، ولاَنَ لها جِلْده وقلبه، كما قال الله تعالى:
﴿ اِ۬للَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اَ۬لْحَدِيثِ كِتَٰباٗ مُّتَشَٰبِهاٗ مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ اُ۬لذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمُۥٓ إِلَيٰ ذِكْرِ اِ۬للَّهِۖ ذَٰلِكَ هُدَي اَ۬للَّهِ يَهْدِے بِهِۦ مَنْ يَّشَآءُۖ وَمَنْ يُّضْلِلِ اِ۬للَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍۖ﴾ [4]
ذلك ما يفضي إليه إقام الصَّلوات الخمس، وإيتاءُ الزَّكاة، وصومُ رمضانَ، وحجُّ بيتِ الله الحرام. وستُخصص لكلِّ واحد منها خطبة لبيان دورها في ترسيخ الإيمان وتقويته؛ لتعم بنورها الحياة كلها في جميع الأحوال، عبادةً ومعاملةً وسلوكاً.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا فضله وآلاءه عليكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأكثروا من الصَّلاة والسَّلام على نبي الرَّحمة، ورسول الهدى والنُّور، سيدنا محمد، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد عدد خلقك، ورضى نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر وعمر عثمان وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم برحمتك يا ربَّ العالمين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمداً السَّادس نصراً عزيزاً تعز به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. اللهم احفظه بحفظ كتابك، وأيده بجميل تأييدك، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السَّعيد، مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.
وتغمد اللهم بواسع فضل جودك، وكرم عطائك، وسحائب رحماتك، الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.
اللهم افتح لنا أبواب الخير في طاعتك، وجنبنا أبواب الشَّر في معاصيك، وارزقنا لذَّة عفوك وحلاوة مغفرتك، والسَّلامة من كلِّ إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنَّجاة من النَّار.
ربنا آتنا في الدُّنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النَّار.
سبحان ربِّك ربِّ العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.