جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة الصَّلاة من الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة منبرية في موضوع:

«الصَّلاة من الإيمان»

ليوم: 05 جمادى الأولى 1446هـ، الموافق لـ: 08/11/2024م.

 


 

الخطبة الأولى


الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، ملك يوم الدِّين، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً وسلاماً دائمين بدوام ملك الله، وعلى التَّابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، معاشر المؤمنين، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:

﴿وَمَا كَانَ اَ۬للَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمُ﴾[1]

أي: صلاتكم. ذكر الإمام البخاري رحمه الله أنَّ المراد بالإيمان في هذه الآية هو الصَّلاةُ[2]؛

ذلك أنَّ سبب نزولها، هو أنَّ بعض الصَّحابة ماتوا قبل تحويل القبلة، فتساءل البعض الآخر في شأن صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس، فأنزل الله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ اَ۬للَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوف رَّحِيم﴾.

عباد الله؛ إنَّما سمَّى الله تعالى الصَّلاةَ إيماناً في الآية الكريمة لما لها من أثر في ترسيخ الإيمان وتثبيته، كيف لا، وهي الصِّلَةُ بين العبد وربِّه، وهي أعظم ركنٍ بعد التَّوحيد، يناجي فيها العبد مولاه، ويتعلَّمُ منها النِّظامَ والالتزامَ والوقوفَ عند الحدود، كما يتعلَّمُ الاصطفاف في الصَّف لأدائها تواضعاً وتقرباً إلى إخوانه المؤمنين، ويجدد خلالها ثَنَاءهُ على الله تعالى، والتزَامَه بإخلاص العبادة له، والاستعانةَ به في سائر الأحوال، مؤكداً إلحاحه على مولاه جلَّ جلاله أن يهديه إلى صراطه المستقيم، وأن يُثَبِّتَهُ عليه.

فيخرج المؤمن من صلاته بهذا الوصف أقوى إيماناً، وأَطْهَرَ نفساً، وأكرمَ خُلُقاً، فتتحقق له مكرمات مناجاته لخالقه، من إجابة الدُّعاء، ومغفرة الذُّنوب، والحفظ من الفواحش والمنكرات، كما جاء في قول الحقِّ سبحانه:

﴿إِنَّ اَ۬لصَّلَوٰةَ تَنْه۪يٰ عَنِ اِ۬لْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِۖ﴾[3].

فملازمةُ الصَّلاة وحضورُ الصَّف فيها يُحَلِّقان بالعبد في سماء التَّجردِ والإخلاص، ويَبتعدان به عن المعاصي والآثام، كما قال الله جلَّ جلاله:

﴿وَأَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ اِ۬لنَّه۪ارِ وَزُلَفاٗ مِّنَ اَ۬ليْلِۖ إِنَّ اَ۬لْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ اَ۬لسَّيِّـَٔاتِ﴾[4].

عباد الله؛ إنَّ في المواظبة على الصَّلاة، وإتباع كل فريضة منها بالتي تليها، لمن أسباب تجدد الإيمان في قلوب المؤمنين، مصداقاً لحديث حنظلة أنَّ النَّبي ﷺ، قال:

«والذي نفسي بيده لَوْ تَدُومُون على ما تَكُونون عندي وفى الذِّكْر لصَافَحَتْكُم الملائكة على فُرُشِكُم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً». ثلاث مرات[5].

وفي هذا الحديث عباد الله؛ إشارة إلى الارتقاء الإيماني الذي يتحقق للعبد في أجواء الطَّاعة، والتَّسبيح، والاستغفار، والدُّعاء، والذِّكر؛ فلإن كانت كلُّها من أعمال اللِّسان، فإنَّها أيضاً من أعمال القلب الذي يحيى ويرقى بذكر مولاه؛ فمن خشع قلبه، خشعت جوارحه، ومن خشعت جوارحه، صلحت أعماله.

نفعني الله وإيَّاكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام الأتمَّان الأكملان على نبيِّ الهدى وإمام التُّقى، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله؛ إنَّ الصَّلاة ذكرٌ ودعاءٌ، ولجوءٌ إلى الله تعالى في جميع الأحوال، وقد كان النَّبي ﷺ إذا حزَبَهُ أَمْر فَزع إلى الله، مصداقاً لقوله تعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪سْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِ﴾[6].

إذ الصبر والصلاة سبيلا المؤمن لحفظ سكينته، وتحصيل سعادته في الدُّنيا والفوز في الآخرة.

فالصَّلاة عبادة تُرَبِّي العبد على الخشوع والخضوع لمولاه، وعلى شكره والتَّأمل والتفكر في سلطانه وملكوته الفسيح، في انخراط وانسجام تام مع سائر المخلوقات في نَغْمَة التَّسبيح التي يؤوب بها الكون كلُّه، وهي سبيل المؤمن أيضاً لتمثل حال الملائكة المقربين في كل قيام، وركوع، وسجود، وجلوس.

وأمَّا اصطفاف العباد في الصَّف لأدائها، فهو موقف عظيم يُباهي به الحقُّ جلَّ وعلا ملائكته، ويُشهدهم على أنَّه قد غفر لهم، فهي عنوانُ الإيمان، وعلامته كما قال رسول الله ﷺ:

«عَلمُ الإيمان الصَّلاة، فمن فرغ لها قلبه، وحاذ عليها (حاذ: أي حافظ عليها) بحدودها وسننها فهو مؤمن»[7].

وهي شهادة من رسول الله ﷺ لمن حافظ على الصَّلوات أنَّه مؤمن.

وهي باب الثواب والمغفرة، قال رسول الله ﷺ:

“أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يومٍ خمساً، ما تَقُولُ: ذلك يُبْقِي من درنه؟ قالوا: لا يُبْقِي من دَرَنِهِ شيئاً. قال: “فذلك مثلُ الصَّلوات الخمس يمحو الله به الخطايا”[8].

ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصَّلاة والتَّسليم على الهادي الأمين ﷺ. فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمَّد، كما صليت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمَّد وعلى آل سيِّدنا محمَّد، كما باركت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيدٌ.

وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السادس نصراً عزيزاً تعزُّ به أولياءك من أهل طاعتك، وترفع به راية الإسلام إلى يوم الدِّين. وأقرَّ عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السَّعيد مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة.

وتغمد اللهم بواسع رحمتك الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في أعلى عليين مع المنعم عليهم من النَّبيئين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنَّا شرَّ ما قضيت، فإنَّك تقضي ولا يقضى عليك، إنَّه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)