جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

الإنفاق في سبيل الله من أهم ثمار الإيمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة منبرية في موضوع:

«الإنفاق في سبيل الله من أهم ثمار الإيمان»

ليوم: 11 جمادى الآخرة 1446هـ، الموافق لـ: 13 دجنبر 2024م

 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل أبواب الخير مُيسَّرة، وجعل الإنفاق في سبيله أعظم أجراً وأكثر ثمرةً، نحمده سبحانه وتعالى على ما أنعم به وقدره، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبقى ليوم القيامة مُدَّخرة، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، أجود النَّاس وأبعدهم عن الشُّح والأَثَرَة، وعلى آله الطيبين الخِيرة، وصحابته الكرام البَررة، ومن استنَّ بسنَّته واقتفى أثره.

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، تحدَّثنا في خُطبتين سابقتين عن ركن الزَّكاة، وأنَّها واجبٌ شرعيٌّ على كلِّ من تحققت فيه شروطها، وامتلك قدرها المطلوب  المسمَّى بالنِّصاب، غير أنَّ العطاء والإنفاق في سبيل الله لا يقتصر على عبادة الزَّكاة فحسب، بل منه نوع آخر أيضاً وهو: الصَّدقة لمن استطاع وأراد التقرب بها لله تعالى، قال الحقُّ سبحانه:

﴿ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِۖ ﴾[1]

وقال جلَّ ذكره في الحديث القدسي:

” يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ”[2].

عباد الله، إنَّ الإنفاق والإحسان في سبيل الله من أهم ثمار الإيمان، قال الحقُّ سبحانه:

﴿اِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اُ۬للَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَالذِينَ ءَامَنُواْ اُ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَيُوتُونَ اَ۬لزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَۖ[3].

وقال رسول الله ﷺ:

«والصَّدقة برهان»[4]،

أي: أنها من أقوى الدَّلالات على صدق إيمان المؤمن وانتصاره على طبائع النَّفس الأمَّارة بالسُّوء مثل: البُخل والشُّح، كما أنَّها من أعظم القربات، التي تتنزَّل بها البركات، وترفع بها البلايا والمحن والمُلِمَّات، وتزكو بها النُّفوس وتتحرَّر من نوازع الأنانية والطَّمع.

وهكذا نرى – أيُّها الأحبَّة – كيف ذكر القرآن الكريم، والحديث النَّبوي الشَّريف الإنفاق، وجعلاه من أمارات الإيمان، وكيف جمع بين الإيمان والصَّلاة والزَّكاة وكلِّ عملٍ صالحٍ.

معاشر المسلمين، لقد دعانا الإسلام إلى الإحسان في سبيل الله، ورغَّبنا فيه لما يعود به علينا من فوائد، وهي كثيرة، منها:

أنَّ الإنفاق في سبيل الله يقرِّبُ العبد من مولاه، فيخصَّه بالثَّناء والمحبَّة، كما في قوله تعالى:

﴿اَ۬لذِينَ يُنفِقُونَ فِے اِ۬لسَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَٰظِمِينَ اَ۬لْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ اِ۬لنَّاسِۖ وَاللَّهُ يُحِبُّ اُ۬لْمُحْسِنِينَۖ﴾[5].

ومنها: تبشير النَّبي ﷺ المتصدِّقَ في سبيل الله بالعِوَضِ المضاعف وبالبركة في الرِّزق ودفع الآفات، يقول النَّبي ﷺ:

“ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلا مَلَكَان ينزلان، فيقولُ أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً”[6].

فيبارك الله تعالى للمنفقين في أرزاقهم، ويخلف لهم بما هو خير لهم في الدُّنيا والآخرة، ويمحق البركة للبُخلاء الأشحاء فلا ينفعهم ما بخلوا به.

ومنها: أنَّ الإحسان يزكِّي الأنفس والأموال، ويقي من مصارع السُّوء، ويدفع الله به البلاء عن عباده، قال النَّبي ﷺ

“صنائعُ ‌المعروف ‌إلى ‌النَّاس تَقِي صاحبَها مصارعَ السُّوءِ والآفاتِ والهَلَكات، وأهلُ المعروف في الدُّنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة “[7].

فالصَّدقة تُنجِّي من السُّقوط في الهلكة.

ومنها: اتِّقاء النَّار والعذاب يوم القيامة، لقول النَّبي ﷺ:

“اتقوا النَّار ولو بشقِّ تمرة”[8].

ومنها: ادِّخار الأجر والثَّواب ليوم القيامة، لقوله جلَّ شأنه:

﴿وَأَقْرِضُواْ اُ۬للَّهَ قَرْضاً حَسَناٗۖ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٖ تَجِدُوهُ عِندَ اَ۬للَّهِ هُوَ خَيْراٗ وَأَعْظَمَ أَجْراٗۖ﴾[9].

ومنها: أنَّ الصَّدقة تمحو السَّيئات، وتُقِيلُ العثرات، وتتنزَّلُ بها الرَّحمات، لقول النَّبي ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا معاذ ألا أدلُّك على أبواب الخير؟» قلت: بلى يا رسول الله. قال:

“الصَّوم جُنَّة والصَّدقة تطفئُ الخطيئةَ كما يطفئُ الماءُ النَّار”[10].

إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة التي يحصلها العبد بتصدقه وإنفاقه من ماله ابتغاء مرضاة الله.

عباد الله، إنَّ أبواب الإحسان متعدِّدة ومختلفة، منها: زَّكاة الفرض، ومنها: النَّفقة الواجبة على العيال، ونفقة التطوع على اليتامى والفقراء والمساكين، وسائر أبواب التَّبرعات؛ كالصَّدقة، والهبة، والحبس وغيرها من أبواب المعروف المتنوِّعة، فكلُّها أعمالٌ لا تجعل من عبادةِ العطاء عبادةً يُقيمها العبد مرة واحدة في السَّنة، وإنَّما عدَّد الشَّرع أوجه العطاء ونوعه كي يصير خُلقاً للمؤمن يتحلَّى به العمر كلَّه، فلا يزيده هذا الخلق إلا محبَّة عند الله تعالى، ومحبة في قلوب الخلق تسعد بها نفسه وتحييه حياة طيبة ملؤها المودَّة والنَّفع.

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم وفي حديث سيِّد الأولين والآخرين، وأجارني وإياَّكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 الخطبة الثانية

الحمد لله الجواد الكريم، المتفضل على عباده بإحسانه العميم، وفضله الجسيم، والصَّلاة والسَّلام على من بُعث رحمةً للعالمين، سيِّدنا ونبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه والتَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

عباد الله، إنَّ الإنفاق في سبيل الله خُلقٌ إذا تحلَّى به المؤمن ذاق لذَّة العطاء، ووجدها أطيب من لذَّة الأخذ، وصار عنده ما يُنفق في سبيل الله أحبَّ إلى قلبه ممَّا يمسك؛ امتثالاً لقول الحقِّ سبحانه:

 ﴿لَن تَنَالُواْ اُ۬لْبِرَّ حَتَّيٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۖ﴾[11].

ذكر أهل التَّفسير أنَّه لمَّا نزلت هذه الآية جاء أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله إنَّ الله تعالى يقول:

﴿لَن تَنَالُواْ اُ۬لْبِرَّ حَتَّيٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۖ﴾[11].

وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاءَ وهو: – اسم لبستان وبئر له – فهو في سبيل الله، أرجو ذُخرها وبرَّها عند الله تعالى، ضَعْهُ حيث شئتَ يا رسول الله.

فقال النَّبي ﷺ: بخٍ بخٍ، مال رابح، اجعله في أقاربك)[12].

فأعطاه لبني عمومته أبيُّ بن كعب، وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما. وكذلك كان خلق الصَّحابة كلهم، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. فعاشوا بذلك حياةً طيِّبةً ملؤُها الإيمان الصَّادق والعمل الصَّالح، ثم سار على دربهم من بعدهم التَّابعون لهم بإحسانٍ في كلِّ عصرٍ وجيلٍ.

 فاتَّقوا الله عباد الله، وصلُّوا وسلِّموا على الهادي الأمين سيِّدنا محمد، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد في الأولين، وصلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد في الآخرين، وصلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد في الملإ الأعلى إلى يوم الدِّين، وعلى آله ذوي التُّقى، والزُّهد، والطُّهر والعفاف، وعلى أصحابه أهل الإيثار والمحبَّة، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعلى الأنصار والمهاجرين، وعلى باقي الصَّحابة أجمعين، والتَّابعين لهم المتخلِّقين بأخلاقهم، والسَّائرين على نهجهم إلى يوم الدِّين.

وانصر اللهم من قلَّدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السَّادس نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهمَّ بحفظ كتابك، وأسبغ عليه نعمك الظَّاهرة والباطنة، وأقرَّ عين جلالته بولي عهده صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشدَّ أزر جلالته بصنوه السَّعيد صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنَّك سميع مجيب.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين الجليلين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك مع المنعم عليهم من النَّبيئين والصِّديقين والشُّهداء والصَّالحين.

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر اللهم للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنَّك قريب سميع مجيب الدَّعوات.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنَّا شرَّ ما قضيت، فإنَّك تقضي ولا يقضى عليك، إنَّه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وسائر المسلمين.

ربَّنا واجعلنا مُسلمَيْنِ لك، ومن ذريَّتنا أمَّة مسلمةً لك، وأرنا مناسكنا، وتُبْ علينا، إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم.

 ربَّنا آتنا من لدُنك رحمةً وهيء لنا من أمرنا رشداً.

ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)