بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع:
«الأمر بالإحسان إلى النِّساء وإكرامهنَّ
والنَّهي عن الإساءة إليهنَّ أو تعنيفهنَّ»
ليوم: 04 جمادى الآخرة 1446هـ، الموافق لـ: 06 دجنبر 2024م
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسَباً وصِهراً، وكان ربُّك قديراً، نحمده سبحانه حمداً يليقُ بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمَر بالإحسان إلى النِّساء، وحرَّم الإساءة إليهنَّ والاعتداء عليهنَّ، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، القائل: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، والتَّابعين لهم ما تعاقب الليل والنَّهار.
أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المؤمنون، يقول الله تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اُ۪تَّقُواْ رَبَّكُمُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ﴾([1]).
عباد الله: في هذه الآية الكريمة يُبيِّن ربُّنا سبحانه وتعالى، بعد الأمر بعبادته، أنَّه خلق النَّاس جميعاً من نفسٍ واحدةٍ، وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما سائر البشر، ممَّا يدلُّ على أنَّ الرِّجال والنِّساء شقائق في الأحكام، وأنَّهم جميعاً متساوون في الحُقوق والواجبات، كما قال سبحانه في آية أخرى:
﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ اُ۬لذِے عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾([2]).
ولا توجد شِرعةٌ ولا دينٌ صانَ المرأة وكفَل لها كل حُقوقها مثل الإسلام، فقد أوْلاها اهتماماً كبيراً، ونظَر إليها نظرةَ تكريمٍ واعتزازٍ، بوصفها إنساناً كاملَ الأهلية، أُمًّا كانت أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً، وأعطى لكلِّ واحدةٍ منهنَّ حقوقها كاملةً غير منقوصة؛ فحرَّم وأْدَ البنات الذي كان عليه أهل الجاهلية، وجعله من الذُّنوب الكبرى، وفي مقابله أوصى بهنَّ خيراً في التَّربية، والعناية، والرِّعاية، والرِّفق.
كما أعطى الحقُّ سبحانه وتعالى للأم ثلاثةَ أرباع الصُّحبة والبرِّ بها؛ كما هو الشَّأن في جواب رسول الله ﷺ لأحد صحابته وهو يسأله:
يا رسول الله، من أحقُّ النَّاس بحسن صحابتي؟ ـ يعني: بحسن معاملتي ومعاشرتي- قال: «أمُّك»، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمُّك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمُّك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك«([3])
عرفاناً للأمِّ بواجب شكرها وبِرها والإحسان إليها، وهي التي عانت حال حملها بولدها من مشقة الحمل، ثم مشقة الوضع، ثم مشقة الرَّضاع، ثم مشقة التَّربية، مع ما منحته إيَّاهُ طوال حياته من حنانٍ، وعطفٍ، ومشاعر فياضة بالرَّحمة والشَّفقة.
كما أعطى للزَّوجة حقوقها كاملةً بدءاً باستئذانها للزَّواج، واحترام رغبتها، قال ﷺ:
«لا تُنكح الأيِمُ حتى تُستأمر، ولا تنُكح البِكر حتى تُستأذن« قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت«([4]).
عباد الله: إنَّ النَّاظر إلى الشريعة بعين الحقيقة يدرك عناية الإسلام بالمرأة، وتأكيده القويَّ على إكرامها والإحسان إليها، وعدَّ هذا الخلق مكرمةً في حقِّ الرِّجال، قال رسول الله ﷺ:
«خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([5]).
فبيَّن ﷺ أنَّ خير النَّاس هو مَن أكرم أهله بمن فيهم والداه، وزوجته، وأولاده، وذلك بالإحسان إليهم، والقيام بشؤونهم، ورعايتهم، ومعاشرتهم بالمعروف.
ونبيِّنا ﷺ هو مثلنا الأسمى، وقدوتنا الحسنة في معاملة أهلنا بالمعروف، قالت أم المؤمنين سَيِّدتنا عائشة رضي الله عنها:
«ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيء قطُّ فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله فينتقم لله تعالى»([6]).
والآياتُ القرآنية، والأحاديث النَّبوية، والنُّصوص والوقائع في السِّيرة النَّبوية، وسير السَّلف الصَّالح، كلُّها تظافرت لتبين لنا ما متَّع به الإسلام المرأة من حُقوقِ، وما أوجب لها من واجبات، دون الجهل عليها، أو تعنيفها وإهانة كرامتها بأي شكلٍ من الأشكال؛ إِذِ العنفُ ليس من الإسلامِ في شيءٍ، بل هو مرفوضٌ بجميعِ أشكالهِ وألوانه، وعدوانُ الرَّجل على المرأة كعدوان المرأة على الرَّجل، مرفوضٌ شرعاً، وعقلاً، وعدلاً. ومن أمثلة العنف والعدوان الذي شاع اليوم في بعض الأوساط، وخاصةً الشَّباب منهم: العنف الرَّقمي، وذلك بسوء استعمال الهاتف، بإرسال كلمات، أو عباراتٍ، أو صورٍ غير لائقةٍ إلى الغير، ولا سيما إلى النِّساء.
نفعني الله وإيَّاكم بالقرآن الكريم، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وأجارني وإيَّاكم من عذابه المهين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربٍّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حقَّ حمده، وما من نعمةٍ إلا من عنده، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فيا عباد الله: إنَّ الهدف الأسمى والمقصد الأكبر من «خطة تسديد التَّبليغ» أن يحيى النَّاس حياةً طيبةً، ينعمون فيها بالطُّمأنينة، والسَّكينة والأمن والأمان، والحدِّ من المشاكل الأسرية كالطَّلاق، والعنف الأسري وغيرهما، وغايةُ ديننا الحنيف تهذيب النَّفس، وضبط الجوارح، فإنَّ من الخطإ أن تنسب أخطاء المخطئين من المسلمين إلى الإسلام، بل إنَّ ممارساتهم فعلٌ بشريٌّ يَعْتَوِرُهُ الخطأ والصَّواب، فليست العلَّة في الإسلام، وإنَّما الآفة في سلوك العباد.
والإسلامُ جاء ليُشجِّع وليحُثَّ على الممارسات الفضلى، وليحارب الإذاية؛ وينفر من الإساءة إلى الإنسان، والحيوان، والبيئة عموماً، وليرتقي بتديُّن النَّاس، وليقويَّ إيمانهم بالله، ويغرس فيهم وازع الخوف منه سبحانه وتعالى، ومراقبته في السِّر والعلن، ويحثهم على الإحسان إلى الخلق وخصوصاً النِّساء.
ففي الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا روى عن اللهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ:
«يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا…»، الحديث ([7]).
ومن أبشع أنواع الظُّلم وأشنعه؛ ظلمُ المرأة والاعتداءُ عليها بأيِّ شكلِ من أشكال الإيذاء. فالعنف بكلِّ أشكاله جسدياً كان، أو لفظياً، أو غير ذلك، محرمٌ شرعاً. وقد صحَّ في الحديث أنَّ رسول الله ﷺ قال:
«لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنَّ ليس أولئك بخياركم» ([8]).
فنَفَى مولانا رسول الله ﷺ عن هذا الصِّنف من الرِّجال الخيرية، وأدَانَهم، ومقت تصرُّفهم، وكرِه عملهم.
ألا فاتَّقوا الله ـ عباد الله في النِّساء، واستوصوا بهنَّ خيراً، فإنَّه ما أكرمهنَّ إلا كريم، وما أهانهنَّ إلا لئيم.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على من أُمِرتُم بالصَّلاة عليه بقوله تعالى:
﴿اِنَّ اَ۬للَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَي اَ۬لنَّبِےٓءِۖ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماًۖ﴾[9]
اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما صلَّيت على سيِّدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمد، وعلى آل سيِّدنا محمد، كما باركت على سيِّدنا إبراهيم، وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً منهم الأنصار والمهاجرين، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، عبدَك الخاضعَ لجلالك وسلطانك، مولانا أميرَ المؤمنين صاحبَ الجلالة الملكَ محمداً السَّادس، نصراً تعزُّ به الدِّين، وتُعلي به راية الإسلام والمسلمين، اللهم احفظه بما حفظت به الذِّكر الحكيم، وبارك له في صحته وعافيته، وأقرَّ عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشدَّ أزر جلالته بشقيقه السَّعيد، صاحب السُّمو الملكي الأمير مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.
وارحم اللهم الملكين المجاهدين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما خير ما جزيت محسناً عن إحسانه، واجعلهما في مقعد صدقٍ عندك، مع الذين أنعمت عليهم من النَّبيئين والصِّديقين والشهداء والصَّالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وعاف مبتلانا ومبتلى المسلمين، آمين.
اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنَّا يا ربَّ العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
ربَّنا هب لنا من أزواجنا وذريَّتنا قرَّة أعينٍ، واجعلنا للمتَّقين إماماً.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً، وهيء لنا من أمرنا رشداً، ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين،
والحمد لله ربِّ العالمين.