جارٍ تحميل التاريخ...

جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة سبيلنا إلى الحياة الطيبة

الخطبة الأولى:


**الحمد لله** الذي جعل الإيمان نوراً، والعمل الصَّالح برهاناً، فهما عمدة السَّالكين، وقصد العارفين.
ونشهد أنَّه الله الواحد الأحد، الفرد الصَّمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، بعثَه الله رحمةً للعالمين، وهدايةً للسَّالكين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرا إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
**عباد الله؛**
إنَّ من المقاصد الكبرى التي جاءت الشَّريعة الإسلامية لتحقيقها، وتضافرت النُّصوص الشَّرعية على تأكيدها بناءَ مجتمع متماسك متآلف، وقِوامُ هذا التماسك والتآلف الإيمان وما يقتضيه من يقين، والعمل الصالح بمختلف مراتبه وما يثمره من بذل وعطاء، فهما السبيل إلى سعادة الدُّنيا والآخرة.
ولقد جاء البَيان القُرآني مبرزا على هذا المعنى في مواطن عديدة حتى لا تبقى التَّكاليف الشَّرعية مجرَّد أشباح بلا أرواح، ورسُوم فاقدة للمعنى، وذلك في قوله تعالى:
﴿لَيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلْكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ وَٱلصَّـٰبِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ ۗ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا۟ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة: 177].

وكذلك جاء البيان النبوي مؤكدا لهذا المعنى، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبي ﷺ قال: «ما آمن بي من بات شبعاناً، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به». (رواه الطبراني).

فاجتمع للنَّاس ببركة هذه التَّوجيهات القرآنية والوصايا النَّبوية فضلان عظيمان: فضل الامتثالِ لأحكام الشَّريعة والإذعَانِ لها، وفضلُ بناء المجتمع على أسسٍ إيمانيةٍ كفيلة بأن تثمر سلوكاً اجتماعيا راقياً، فيسعد بها الفردُ والمجتمع، ويتحقق لهم جميعاً وعدُ الحَّق سبحانه في قوله:
> ﴿مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةًۭ طَيِّبَةًۭ ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ﴾ [سورة النحل: 97].

**عباد الله:**
لقد اتَّفق الحُكماء بمختلف مشاربهم على أنَّ من أهم وسائل سعادة الإنسان إسعادَه لأخيه الإنسان، ومجتمعُ المؤمنين هو الأَوْلى بتحقيق هذا المعنى بما حبا الله أهله من إيمان يدعو للإحسان للآخرين، وصُنع المعروف لهم، وعدَّ ذلك من أرقى أنواع العمل الصَّالح، وأزكى ثمرات العبادة، فيتكامل للعبد بذلك، ويجتمع له فضل الوقوف بين يدي الله في محاريب المساجد، وفضل الوقوف بين يديه جلَّ وعلا في محاريب خدمة النَّاس ونفعهم، وإدخال السُّرور على قلوبهم؛ وهو ما يجسد حقيقة الإيمان، مصداقاً لقول نبينا ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، (رواه البخاري ومسلم)، وقوله أيضاً: «أحبُّ النَّاس إلى الله أنفعهم للنَّاس». (رواه الطبراني).

فكلُّ هذه الأعمال عباداتٌ يتقرب بها العبد إلى مولاه، لقول الله تعالى:
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱرْكَعُوا۟ وَٱسْجُدُوا۟ وَٱعْبُدُوا۟ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُوا۟ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [سورة الحج: 77].

فعلى قدر ما نعيشُ حياتَنا على هذا الفهم، ونجتهدُ في حُسن تمثُّل معانيه، على قدر ما نسعدُ ونهنأُ بحياة طيبة أساسها طمأنينةُ القلب، وسكينةُ النَّفس، وراحةُ البَال، وهو معنى ذَكَرَهُ غيرُ واحدٍ من أهل التَّفسير في قول الله تعالى:
 ﴿مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌۭ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةًۭ طَيِّبَةًۭ ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ﴾ [سورة النحل: 97].

**عباد الله:**

لقد جاء في خطبة الجمعة قبل الماضية؛ أنَّ من تدبَّر آيات الله المجلية لوعدِه للمؤمنين بالحياة الطيبة، إن هم استجابوا لله ولرسوله، فآمنوا وعملوا صالحاً. ومن تأمل أيضاً في واقع النَّاس، وما فيه من غياب علامات كمال الحياة الطيبة، يؤلمه ما يعانيه الكثيرُ من المواطنين والمواطنات من العَنت، والشِّدة، والضَّنك، ولا يجد له مخرجاً إلاَّ أن ينهضَ العلماء بما حمَّلهم الله من أمانة التَّبليغ والبيان فيعملُوا على إزالة هذا التَّناقض بين وعد الله وحال بعض النَّاس، ويؤكدوا لهم أنَّ هذه الحال هي بسبب عدم الاستجابة الكاملة حسب الجهد لأحد الشَّرطين: شرط الإيمان وشرط العمل الصَّالح أو لكليهما، أي: أنَّ الخلل حاصلٌ إمَّا من جهة قلَّة التَّحلي بأحوال الإيمان، أو من جهة قلَّة الإقبال على العمل الصَّالح.
ومن ثَم، فإنَّ جوهر المبادرة التي أطلقها علماء الأمَّة، والتي سمَّوها بـ: « تسديد التَّبليغ »، قائمةٌ على بيان معاني التَّحلي بالإيمان، وعلى أسباب الإقبال على العمل الصَّالح، فهما معاً السبيل الموصلة لاستقامة الحياة وجلب السَّعادة للعباد.
وهذا لعمري هو منهج النُّبوة في التَّبليغ الذي يدعُو، فضلاً على تعليم النَّاس والحرص عليهم في باب الإلحاح بقصد الاتباع، إلى القُرب منهم رعايةً ونصحاً.
وهكذا يتعين علينا جميعاً أن نَعِيَ أنَّ هذا المنهج المستوحى من الهدي النبوي يقوم على شرح معاني الإيمان التي تَبْني شخصية المؤمن، وتصوغ هويته، وبيانِ مقتضياته في دنيا النَّ

اس؛ بما في ذلك من عناية بالفرد والجماعة، مع الحرص على توجيه النَّاس لكل خير يعينهم على الاستقامة، وقيام الجماعة المسلمة؛ التي يتماسك أفرادها من منطلق أخوة الإيمان.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌۭ﴾ [سورة الحجرات: 10].

ومما ينبغي في هذا المقام التنبيه إلى أنَّ بيان معاني الإيمان يُكْتَفى فيه بالدَّعوة الإجمالية، بقدر ما يتعين على العلماء والصَّالحين حثُّ النَّاس بِلِين وحكمة على العمل الصالح مع مراعاة مراتب الإيمان من حيث الإقبالُ على الله والتَّقرب إليه بفعل الطاعاتِ، وترك المحرمات.
**اللهمَّ**
اكتبنا في عبادك الصَّالحين، واجعلنا من ورثة جَنَّة النَّعيم، وارزقنا سعادة الدُّنيا ونعيم الآخرة.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرَّحيم.

 

الخطبة الثانية:


 

الحمد لله وليِّ الصَّالحين، ومجيب دعوة المضطرين، وقاضي حاجة السَّائلين، ومجيب دعوة المضطرين. أمَّا بعد:


**عباد الله:**
ما زال في الدِّين ما يشفي الصُّدور، ويرفع من قدر النُّفوس، ويضمن لها النُّهوض والتَّقدم، ويصل بها إلى سعادة الدُّنيا والآخرة. ففي هذه الدَّعوة المحمدية، تحقيق لمعاني الإيمان، وتعظيم شأن العمل الصَّالح بمختلف مراتبه، ودعوةٌ لكل خير يعين النَّاس على الاستقامة، والنَّفع المتعدي للآخرين، وما يحقق لهم ذلك، إلا بالإيمان والعمل الصَّالح.
> قال الله تعالى: ﴿فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًۭا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [سورة المائدة: 48].
و**في الختام:**


أسأل الله تعالى أن يعيننا على ما يرضيه، وأن يجعلنا من عباده الصالحين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحابة أجمعين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.