جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

طريقة الإمام مالك في التعامل مع السنة

طريقة الإمام مالك في التعامل مع السنة

ذ: مصطفى بن حمزة

الفقه المالكي وارتباطه بالكتاب والسنة

قد يكون غريبا بل ومزعجا أيضا أن يطرح التساؤل عن صلة الفقه المالكي بالكتاب والسنة وعن انبنائه عليهما لدى جميع الذين خبروا هذا الفقه أصولا واستدلالا ومسائل.

لكن ما لا يمكن التغاضي عنه أو إهماله هو أن الواقع يشهد تكرر وتنامي دعوة عارمة إلى نبذ الكثير من مقررات الفقه المالكي على الخصوص، على اعتبار أنه لا يمثل إلا آراء الفقهاء واجتهاداتهم التي قد تجافي السنة وتنأى عنها في بعض الأحكام، وقد أصبح الخلاف حول بعض الممارسات في المساجد شأنا يوميا كثيرا ما ينتهي بخصومات حادة.

 إني أرى أن القول بانفصال الفقه الإسلامي عموما عن الكتاب والسنة ليس إلا ترديدا أصم لدعوى أطلقها  المستشرق المجرى أجناس جولدزيهر 1921 والمستشرق الألماني شاخت 1969 الذي ألقى في الأكاديمية الإيطالية سنة 1956 بحثا زعم فيه أن المذاهب الفقهية قد تشكلت من مجرد أقوال كثيرة للفقهاء وقد حاولت أن تكمل القصور الواقع في الكتاب والسنة، بعد أن جدت حوادث لا يستوعبها هذان المصدران[1].

ولا أرى أن هناك فرقا بين قول جولدزيهر وشاخت، وقول من يزعم أن أحكام المذهب المالكي أو غيره إنما هي آراء شخصية لا صلة لها بالكتاب والسنة.

لهذا وجب تحقيق القول في صلة المذهب المالكي بالكتاب والسنة لا دفاعا عن المذهب المالكي وحده، وإنما دفاعا عن الفقه الإسلامي في عمومه باعتباره قمة ما يمكن أن يبذل من جهد من أجل وصل الواقع المعيش بالشريعة عن طريق الاستنباط من النصوص، وعن طريق إعمال الأصول والأسس التي قام عليها الفقه حفاظا على العلاقة العضوية القائمة بين تلك الأصول وبين الشريعة نصا وروحا.

 ولعل الإلحاح على تأكيد انفصال الفقه عن الكتاب والسنة ليس في غايته ومآله إلا محاولة لتفريغ الساحة الفكرية منه ليخلو المجال لمن أراد أن تكون الحياة غير منضبطة بأحكام الشرع ليوجهها فكر وضعي ويسيرها في الاتجاهات التي يشاء. لذا صح أن نعتبر محاولة إقصاء الفقه وتغيبه تمهيدا للاستفراد بالحياة.

ومن أجل تجلية متانة الصلة بين المذهب المالكي والكتاب والسنة، فإنه لا بد من استعراض القضايا التالية:

  1. شخصية مالك الحريصة على الالتزام بالكتاب والسنة.
  2. اندراج فقه مالك ضمن اتجاه فقهي أشمل هو فقه أهل المدينة.
  3. توفر المذهب المالكي على أصول استنباطية تبعية تساعد على إيجاد الأحكام الشرعية.

1. شخصية مالك الحريصة على الالتزام بالكتاب والسنة

لا شك أن التركيز على الصفات والمزايا الخلقية لشخص من الأشخاص يفيد كثيرا في معرفة إمكان التزامه أو تفريطه في المبادئ والقيم التي يجري الحديث عن علاقة الفقه بها، وحينما يتعلق الأمر بشخص الإمام مالك فإنه يعرف عنه أنه كان شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وافر الأدب معه، كثير الاعتناء بحديثه، قوي التمسك بهديه.

فأما عن توقير مالك لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يرى حرمته ميتا كحرمته حيا، فلذلك أخذ مالك على أبي جعفر المنصور وهو يناظره رفع صوته في المسجد النبوي، وقال له: يا أمير المومنين: لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب أقواما فقال: ] لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيء[ [الحجرات 2 ] ومدح أقواما فقال: ] إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم[ [ الحجرات 3]. وذم قوما فقال: ] إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون[[الحجرات4].

وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان إليها أبو جعفر، وقال يا أبا عبد الله: استقبل القبلة وادعوا أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة، بل استقبله واستشفع به، قال الله تعالى: ] ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول  لوجدوا الله توابا رحيما[ [ النساء 64 ][2].

وقد بلغ من أدب مالك مع شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يركب دابة في المدينة المنورة توقيرا لجسده الشريف[3].

وكان من عادته إذا صلى بمحراب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ينفتل بعد الصلاة عن يمينه حتى لا يولي قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره، وإنما كان ينقلب عن يساره، أما عن تأدبه مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبته في روايته، فله شواهد عديدة منها، أنه قال: أدركت سبعين تابعيا في هذا المسجد ما أخذت العلم إلا عن الثقات المأمونين[4].

وكان يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت سبعين ممن يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عند هذه الأساطين فما أخذت عنهم شيئا، وكان أحدهم لو أؤتمن على بيت مال لكان أمينا إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن[5]. ومن ذلك أنه مر على ابن أبي حازم وهو يحدث فجازه، فسئل عن ذلك فقال: لم أجد موضعا، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم[6].

ويأتي في قمة توقيره لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشدده في قبول المروي منها إلا ما ثبت لديه أنه صحيح بلا امتراء، وقد ذكر عنه أنه أدرك عائشة ابنة طلحة بن عبيد الله وهي تابعية ولو أنه أخذ عنها لكان بينه وبين عائشة أم المومنين راو واحد، لكن ذلك لم يغره بالرواية عنها فلما سئل عن ذلك قال رأيت فيها ضعفا[7].

ولقد كان مالك قد وضع الموطأ من عشرة آلاف حديث اصطفاها من مائة ألف حديث كان قد جمعها، وما زال يخبـر أحاديث الموطأ ويعرضها على الآثار حتى رجعت إلى خمسمائة حديث وهو احتياط لم يتفق لأحد مثله[8].

ولقد كان مالك حريصا أشد ما يكون الحرص على التزام الوارد من الكتاب والسنة، ومن ذلك أنه قد سئل عن الرجل يدعو فيقول خطابا لله تعالى: يا سيدي، فقال: يعجبني أن يدعو بدعاء الأنبياء ربنا ربنا[9].

وعلى الإجمال، فالأخبار الدالة على توقير مالك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى تمسكه بسنته كثيرة، تجعل تصور مخالفته للسنة أمرا مستبعدا ذهنيا على نحو ما هو مستبعد واقعيا.

إذا قيل إن الانحراف عن السنة إنما تم من قبل الفقهاء المالكية لا من مالك نفسه، فإن هذا أيضا لا يثبت لأن المالكية ليسوا رجلا واحدا أو رجالا معدودين وإنما هم أفواج متلاحقة من العلماء الأثبات الذين يستحيل أن يتواطؤوا على مخالفة السنة تماما كما لا يمكن أن يتفق الأفراد المكونون للتواتر على الكذب عقلا.

2. اندراج فقه مالك ضمن اتجاه فقهي أشمل هو فقه أهل المدينة.

كثيرا ما يحاول  البعض تصوير المذهب المالكي على أنه لا يمثل الكتاب والسنة إلا تمثيلا جزئيا، كما يحاول هذا البعض  أن يوهم أن المذهب المالكي هو جملة اجتهادات وفهوم انتهى إليها مالك فصارت مذهبا له، وكثيرا ما يتمدد هذا القول في أذهان الناس فيحدث موقفا نفسيا ضد مذهب مالك.

إن الحقيقة هي أن مذهب مالك ليس إلا صيغة متكاملة وإخراجا نهائيا لمذهب اعتمل في جو المدينة المنورة وقام على صياغته علماء المدينة ابتداء من طبقة الصحابة مرورا بطبقة كبار التابعين ومنهم الفقهاء السبعة وانتهاء بعد ذلك إلى شيوخ مالك من التابعين.

لقد غلبت التسمية باسم المذهب المالكي على التسمية بمذهب أهل المدينة، وذلك بسبب اهتمام مالك بتأصيل المسائل الفقهية تأصيلا يحدد طرائق استنباطها من أدلتها الكلية، وبسبب توفر عدد هائل من طلاب العلم الذين أخذوا عن مالك علمه وجمعوه في كتب حفظت المذهب.

إن مذهب أهل المدينة لا يعود في نشأته إلى زمن مالك، وإنما هو فقه موغل في الزمن بدأ تشكل منذ زمن الصحابة الذين عاشوا بالمدينة المنورة، فقد عاش أكثرهم في المدينة، ثم تفرق بعضهم في الآفاق، لكن عمر استبقى منهم أكثر من مائة وخمسين من مشاهيرهم، ويكفي أن يكون من الصحابة الذين صاغوا مذهب أهل المدينة أصحاب الفتوى، ومنهم: أبو بكر وعمر وعلي وعائشة وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري، وقد كان لبعض هؤلاء أقوال فقهية عديدة، يمكن أن تجمع في سفر ضخم كما يقول ابن حزم[10]. وقد حدث ما توقعه ابن حزم فقد جمع د. رويعي بن راجح الرحيلي فقه عمر في الحدود، والجنايات ودية وأرش ما دون النفس فجاءت في ثلاثة أجزاء[11].

 وبعد انتهاء فترة الصحابة المدنيين، برز بالمدينة فقهاء التابعين الذين ورثوا علم الصحابة، وقد تجاوز عددهم بالمدينة المائة وسبعين تابعيا من أهل العلم، وهذا العدد الوفير يعطي انطباعا عن تمكنهم من استجماع قدر كبير من علم السنة النبوية.

وقد تركز علم علماء التابعين المدنيين عند سبعة منهم:

  1. سعيد بن المسيب رواية علم عمر وأحفظ الناس لقضائه[12].
  2. عروة بن الزبير بن العوام[13].
  3. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق[14].
  4. خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري[15].
  5. سليمان بن يسار[16].
  6. عبيد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي[17].
  7. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث[18].

ويضاف إلى هؤلاء علماء آخرون بالمدينة لم يبلغوا مبلغ السبعة ولم يشتهروا اشتهارهم  أمثال أبان بن عثمان، وسالم ونافع وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعلي بن الحسين وغيرهم[19].

وقد قدر لمالك أن يأخذ عن فئة من علماء التابعين يشكلون طبقة أخرى وقد كانوا جامعين حافظين للعلم الموروث بالمدينة، ومن أبرز هؤلاء الذين كانوا مشيخة مالك الذين أخذ عنهم العلم والتأدب بالسنة أخذا علميا وعمليا.       

    1.ابن شهاب الزهري[21].

  1. ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي[21].
  2. نافع بن سرجس[22].
  3. زيد بن أسلم[23].
  4. يحيى بن سعيد الأنصاري[24].

ولقد كان كل واحد من هؤلاء عالما ثبتا جمع بين رواية الحديث وتطبيق السنة تطبيقا فيه وعي بما هو سنة نهائية مات عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وله تشبث صارم  بما استقر أنه سنة ولقد قال عمر بن عبد العزيز عن أحد هؤلاء الأعلام وهو ابن شهاب الزهري: لا أعلم أحدا أعلم بسنة ماضية منه.

3. توفر المذهب المالكي على أصول استنباطية عديدة تساعد على استمداد الأحكام الشرعية.

إن الذي يؤهل أقوال مجتهد من المجتهدين لأن تصير مذهبا فقهيا متميزا هو أن تخضع عملية استنباط ذلك المجتهد لمنهج محدد يعتمد أصولا استنباطية ويستبعد أخرى لا يراها تشريعية، ويتشكل ذلك المذهب حينما تتضافر جهود تلامذة ذلك المجتهد وأتباعه على خدمته فيفرعون على تلك الأصول مسائل فقهية عديدة.

ومذهب مالك هو في الحقيقة طريقته في الاستنباط اعتمادا على أصوله التي ارتضاها، وميزته هي وفرة الأصول التي قام عليها وتفرد بها عن مذاهب أخرى.

يرى القرافي أن الأصول التي اشتركت فيها المذاهب هي تسعة عشر أصلا بالاستقراء وهي: الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والاستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد والاستقراء وسد الذرائع والاستدلال والاستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العترة وإجماع الخلفاء الأربعة[25].

إن هذه الأصول التي هي إمكانات اجتهادية قد أخذ منها المذهب المالكي بأوفر حظ، إذ بلغت أصوله ستة عشر أو سبعة عشر أصلا، حسبما ذكره التسولي في البهجة نقلا عن الفقيه راشد رواية منه لقول شيخه أبي محمد صالح الذي نص على أن الأدلة التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر هي: نص الكتاب وظاهره وهو العموم، ودليل الكتاب وهو مفهوم المخالفة، ومفهوم الكتاب، وهو باب آخر، وتنبيه الكتاب وهو التنبيه على العلة، ومن السنة أيضا مثل هذه الخمسة فهذه عشرة والحادي عشر الإجماع، الثاني عشر عمل أهل المدينة، والرابع عشر قول الصحابي، الخامس عشر الاستحسان، والسادس عشر الحكم بسد الذرائع، واختلف قوله في السابع عشر وهو مراعاة الخلاف، فمرة يراعيه ومرة لا يراعيه أبو الحسن، ومن ذلك الاستصحاب[26].

إن هذه الأصول الكثيرة قد منحت المذهب المالكي إمكانات استنباطية عديدة وأكسبته مرونة وقدرة فائقة على تأطير الحياة وعلى إيجاد الحلول الشرعية لمعضلاتها.

وأعتقد أن كل تساؤل عن صلة المذهب المالكي بالكتاب والسنة إنما يجب أن ينصب أساسا على نوعية الأصول التي اعتمدها مالك وعلى طريقته في الموازنة والترجيح بين الأدلة النصية، فإذا هو رجح نصا لموجب أصولي على غيره، فإن من الخطإ ومن التحامل البين أن يدعي مدع أن مالكا أو وغيره  قد أهمل السنة لما عمل بدليل وترك مقابله الذي يرى أنه مرجوح لا يثبت أمام الدليل القوي، إني أرى أنه لا يمكن إيضاح منهج مالك في التعامل مع السنة إلا من خلال دراسة الجوانب التالية:

  1. الترجيح بين الأحاديث بعمل أهل المدينة.
  2. تخصيص عموم القرآن بالحديث المسنود بعمل أهل المدينة.
  3. موقف مالك من تخصيص القرآن بالحديث الآحادي.
  4. عمل أهل المدينة وتعبيره عن السنة النبوية.

1. الترجيح بين الأحاديث بعمل أهل المدينة.

 إن من أمثلة صنيع مالك في ترجيح النصوص متى امتنع الجمع بينهما أنه كان إذا تعارض لديه حديثان أحاديان وأحدهما يدعمه عمل أهل المدينة، فإنه يأخذ بالحديث المؤيد بعمل أهل المدينة، ومن ذلك أنه قد روي عن أنس بن مالك أنه قال: أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وورد في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة صفة الأذان أنه: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمدا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله اكبر لا إله إلا الله[27].

وقد وردت أحاديث فيها تربيع التكبير في الأذان، ومن ذلك حديث عبد الله بن زيد الأنصاري الذي ورد في بعض رواياته أن التكبير أربع مرات [28]. وترجيحا  لإحدى الروايات قال مالك بتثنية الأذان وبالترجيع، يقول القرطبي: مذهب مالك رحمه الله تثنية الأذان كله غير أنه يرجع، وهو نقل أهل المدينة المتواتر عن أذان بلال وهو آخر أذانه وإلى أن توفي عليه النبي صلى الله عليه وسلم[29].

ولقد كان مالك على علم بورود حديث تربيع التكبير وقد سأله عن صحته رجل من أهل العراق فقال مالك: نعم، فقال له السائل فمالك لا تأخذ به، قال له مالك: ما أدري ما أذان يوم وليلة، هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن فيه من زمانه إلى زماننا هذا خمس مرات في اليوم والليلة فلم يذكر عن أحد من الصحابة ولا من التابعين إنكار هذا الأذان[30].

لقد عبر مالك عن مذهبه في الأذان لما سئل عن تثنية الأذان والإقامة، فقال: لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت عليه الناس، فأما الإقامة فإنها لا تثنى، وذلك لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا[31].

وقد ذكر ابن عبد البر، أن صفة الأذان، كما ذهب إليه مالك، وهي التكبيرة في أوله مرتين، قد رويت من وجوه صحاح في أذان أبي محذورة وفي أذان عبد الله بن زيد، ثم قال: والعمل عندهم بالمدينة وذلك في آل سعد القرظ[32].

وقال القاضي عبد الوهاب عن صيغة لأذان بالتثنية: إن ذلك مروي من حديث أبي محذورة وبلال وسعد القرظ وبأنه إجماع أهل المدينة[33].

3.  تخصيص عموم القرآن بالحديث الآحادي المسنود بعمل أهل المدينة.

من القضايا الأصولية التي انبنت عليها آثار فقهية كثيرة قضية تناول اللفظ العام لكل أفراده ودلالته عليها دلالة قطعية أو ظنية، فلقد رأى الأحناف أن اللفظ العام يدل على جميع الأفراد المندرجة تحت مفهومه دلالة قطعية، ما دام العموم لازما لذلك اللفظ، ولا سبيل إلى سلبه عنه إلا بدليل، يقول السرخسي الحنفي مقررا هذه الحنفية: إن المذهب عندنا أن العام موجب للحكم فيما يتناوله بمنزلة الخاص موجب للحكم فيما تناوله[34].

لكن المالكية ومعهم غيرهم من بعض علماء المذاهب رأوا أن دلالة اللفظ العام على الفرد الواحد هي دلالة قطعية وهي دالة على باقي الأفراد دلالة ظنية احتمالية.

وتأسيسا على هذين الرأيين فإن الأحناف منعوا تخصيص الكتاب بخبر الآحاد أو بالقياس لأنهما ظنيان، يقول السرخسي: إن أكثر مشايخنا رحمهم الله يقولون أيضا: إن العام الذي لم يثبت خصوصه بدليل لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد ولا بالقياس[35].

لكن المالكية وكل من رأى أن دلالة العام على أفراده هي دلالة ظنية قد أجازوا تخصيص القرآن والسنة بمخصصات عديدة ذكر القرافي أنها تبلغ خمسة عشر مخصصا[36].

وقد نص الأصوليون المالكية على أنه يجوز تخصيص القرآن والسنة ببعضهما، فيخصص الكتاب بالكتاب وبالسنة، وتخصص السنة بالكتاب وبالسنة[37]. وإذا استشكل البعض كيف يقوى الآحادي من الأحاديث وهو ظني، على أن يخصص القرآن وهو قطعي، فإن الأصوليين يجيبونه بأن دلالة العموم في القرآن على جميع أفراده هي دلالة ظنية، فلا تمتنع أن تخصص بالحديث الآحادي[38]، وقد خصص المسلمون القرآن فعلا بأحاديث أحادية مثلما فعلوا لما خصصوا قول الله تعالى: ] فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [   [ النساء 3 ] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها[39].

 وكما خصصوا قول الله تعالى: ]يوصيكم الله في أولادكم[ [ النساء 11] يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم )[40].

وخص أبو بكر وعمر الآية أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث[41].

3. موقف مالك من تخصيص القرآن بالحديث الآحادي.

إن الواقع من فعل مالك أنه لا يرى أن دلالة العام على جميع الأفراد المنضوية تحت مفهومه قطعية، فمن ثم جوز  تخصيص عموم القرآن بالحديث الأحادي من حيث المبدإ.

لكن مالكا ربما خصص القرآن بالحديث، وربما أبقى القرآن على عمومه ولم يأخذ بما جاء به الحديث من تخصيص.

ولقد أثار هذا العمل تساؤلات عن حقيقة موقف مالك من التخصيص بالأحادي، وقد تبين بعد البحث والتقصي أن مالكا كان يخصص بالحديث الأحادي إذا تقوى لديه بأن سانده عمل أهل المدينة، أو قياس، أو إجماع، وحينذاك يخصص به، وإذا كان عاريا عن كل مساندة لم يخصص به، وبهذا يتبين أن موقف مالك موقف وسط بين موقف أبي حنيفة الذي يتشدد في التخصيص بالأحادي وموقف عامة الذين يخصصون به إذا صح.

ومن أمثلة التخصيص بالحديث الأحادي وعدم التخصيص به أن مالكا أبقى العموم في قول الله تعالى: ] قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس [ [الأنعام 145 ] ولم يخصصه بما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهى عن كل ذي مخلب من الطير[42]، لقد أبقى مالك على ما ورد في الآية من أن المحرم هو الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، ولم يقل بحرمة كل ذي مخلب من الطير لأنه وجد أهل العلم بالمدينة لا يقولون بتحريمه فلم يتقو الحديث بما يجعله صالحا لتخصيص الآية.

يقول الباجي في المنتقى أجاز مالك أكل الطير كله ما كان له مخلب وما لم يكن له، قال مالك: لا بأس أن يأكل الصرد والهدهد ولا أعلم شيئا من الطير يكره أكله واختلف قول مالك في الخطاف[43]. وقال مالك: لم أسمع أحدا من أهل العلم قديما وحديثا بأرضنا نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير [44]. ورأى المالكية أن سباع الطير كالعُقاب والشاهين والغراب محرمة دون باقي ذوات المخلب[45].

 ومن أمثلة تمسك مالك بالعموم في القرآن ما رآه من كراهة أكل لحوم الخيل، وقد وجد مالك في الموضوع نصوصا تفيد حلية أكل لحوم الخيل، ومنها حديث جابر الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل[46]. وقول أسماء نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه[47]. وقد ذكر عياض الحديث الذي خرجه النسائي وأبو داود عن خالد بن الوليد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، وقال النسائي يشبه إن كان صحيحا أن يكون منسوخا.

وأمام هذه الآثار فقد تمسك مالك بعموم القرآن ولم يخصصه بالأحاديث التي تفيد إباحة أكل الخيل، قال مالك في الموطإ: إن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير أنها لا تؤكل لأن الله تبارك وتعالى قال: ] والخيل والبغال والحمير لتركبوها[ [النحل 8]وقال تبارك وتعالى عن الأنعام:  ]لتركبوا منها ومنها تاكلون [ [ غافر 78 ] وقال تعالى: ] ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر[ [48].[ الحج 36 ].

لقد عرض أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي حجة مالك في القول بكراهة أكل لحوم الخيل فذكر أن الله تعالى ذكر الأنعام التي هي البقر والإبل والغنم في صدر الآية وعدد جميع ما ينتفع به منها ومن جملتها الأكل، ثم ذكر الخيل والبغال والحمير وذكر منافعها ولم يذكر منها الأكل فلو كان الأكل جائزا لكان مذكورا فيها، لأن مقصود الآية التذكير بالنعم وتعديد ما أنعم الله به علينا في هذه الحيوانات من الفوائد، ثم إن الأكل من أهم الفوائد، فلو كان مشروعا فيها لما أغفله مع القصد إلى تعديدها.

ثم إن الله قد سوى بين الخيل والبغال والحمير في العطف والنسق، والبغال والحمير لا تؤكل، ثم اعتذر القائلون بالكراهة عن الحديث بأن ذلك كان في حال مجاعة وشدة حاجة[49].

وعلى النقيض من عدم مالك تخصيص العموم في قول الله تعالى: ] قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه[ [ الأنعام 145 ] بحديث النهي عن أكل كل ذي مخلب من الطير ومنعه تخصيص العموم في قول الله تعالى: ] والخيل والبغال والحمير لتركبوها [ [ النحل 8 ] بما ورد من جواز أكل لحوم الخيل فأنه على النقيض من ذلك، فإن مالكا لم ير مانعا من تخصيص قول الله تعالى: ] قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه [ [ الأنعام 145 ] بنهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع حسبما وردت به الأحاديث، وقد كان مالك يرى تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وبهذا ترجم في الموطأ فقال: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع[50]. وساق حديث أبي ثعلبة الخشني وحديث أبي هريرة، ونصهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وعلق مالك على الحديثين قائلا وهو الأمر عندنا، ومعنى هذا أن الواقع العملي بالمدينة يشهد بصحة الحديث وباستمرار العمل به إلى آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن منهج مالك في هذه القضايا الفقهية وأخذه بعموم القرآن تارة مع وجود الحديث المخصص، وتخصيصه بالحديث الأحادي تارة أخرى، هو جوهر علمية الاجتهاد التي تقوم فيما تقوم عليه على الترجيح بين الأدلة وفق تصور أصولي مسبق، وإذا كان المجتهد قد رجح نصا على آخر، وأهمل نصا وألغى آخر، فليس في ذلك شيء مما يمكن أن يقال عنه إنه إهمال للسنة، وإنما الأمر توثيق وعمل بترجيح الأقوى لا غير.

 

عمل أهل المدينة وتعبيره عن السنة

 

 أ‌- حجية العمل في استنباط الأحكام الشرعية.

لقد كان لأبي إسحاق الشاطبي رؤية عميقة أعطت بعدا جديدا لقضية عمل أهل المدينة لما رأى فيه حكاية جماعية للعمل النبوي المستمر.

لقد قرر الشاطبي أن ما تنقل به السنة النبوية إما أن يكون سندا قوليا، وإما أن يكون سندا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كانت أقواله صلى الله عليه وسلم التي نقلتها الأحاديث المروية عنه مبينة لسنته، فإنها مع ذلك لا تقوى قوة النصوص التي تفيد عمله بشيء واستمراره عليه، لأن ذلك الحديث المروي يحتمل أن يكون  قد نسخ أو قيل في معرض واقعة خاصة، أو اعتراه ما يجعله ضعيفا بسبب اختلال بعض شروط الصحة في نقله، وقد يحتمل غير ذلك من الاحتمالات، أما النقل نقلا جماعيا لاستمرار العمل النبوي فإنه لا يحتمل إلا احتمالا واحدا هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم واستمراره على ذلك إلى حين وفاته.

لقد تناول الشاطبي هذا الموضوع بدقة متناهية في الموافقات، وذكر أن كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به في السلف المتقدمين دائما أو أكثريا، أو لا يكون معمولا به إلا قليلا، أو في وقت ما، أو لا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام[51].

فإذا كان القول النبوي قد اقترن بعمله صلى الله عليه وسلم فلا إشكال، ومن ذلك فعله عليه السلام في الطهارات والصلوات والطلاق والبيوع.

أما إذا كان القول النبوي لم يصطحب بالعمل منه عليه السلام ومن الأئمة بعده إلا قليلا فإنه يجب التثبت من سبب تركهم العمل به، فهذا الترك إما أن يكون لمعنى شرعي أو لغير معنى شرعي، وباطل أن يكون لغير معنى شرعي، فبقي أنهم لم يتركوه إلا لملحظ شرعي.

إن الشاطبي يرى أنه إذا اختلف القول عما كثر عمل السلف به، فإن ما عمل به السلف هو السنة في حقيقتها، فإذا كان القول يقتضي فعلا ما، وكان عمل الناس على خلافه فإن مقتضاه أن يكون القول مرشدا إلى الإباحة، لكن استمرار الفعل يرشد إلى أن خلاف القول هو المندوب في الأمر، ومن ذلك مثلا أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)[52]. ومدلوله تأخير الصلاة إلى آخر وقتها، لكن عمله صلى الله عليه وسلم كان على خلاف هذا، إذ ورد في حديث عائشة أنه عليه السلام كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، ولأجل ذلك عاتب الصحابة من أخر الصلاة عن أول وقتها، ففي هذه الحالة كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة أرجح من حديث الإسفار الذي فيه تأخير الصلاة إلى آخر وقتها.

وعملا بهذا الترجيح بين قول لم يصاحبه عمل أو قل العمل به وعمل استمر عليه الناس، فقد كان مالك يرى تقديم العمل المستمر الذي وجد عليه التابعون، وكان يرى أنه لم يكن مستمرا فيهم إلا وهو مستمر في الصحابة، وأنه لم يكن مستمرا في الصحابة إلا وهو مستمر في عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم[53]

لقد ساق الشاطبي نصا عن العتبية وفيه أن مالكا سئل عن الرجل يأتي إليه الأمر يحبه فيسجد لله شكرا فقال لا يفعل، ليس مما مضى من أمر الناس. قيل له: إن أبا بكر فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله، أفسمعت ذلك؟ قال: ما سمعت ذلك، وأرى أن كذبوا على أبي بكر، وهذا من الضلال أ ن يسمع المرء الشيء فيقول هذا شيء لم نسمع له خلافا، ثم قال: قد فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحدا منهم سجد؟ إذا جاءك مثل هذا مما كان في الناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك، فإنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحدا منهم سجد؟ فهذا إجماع. إذا جاءك الأمر لا تعرفه فدعه[54].

لقد أيد الشاطبي قوة حجية العمل إذا خالفت الحديث بما روى من حديث الصيام عن الميت، الذي فيه إجازة ذلك، وما روى عن عائشة وابن عباس وقد رويا الحديث، لكنهما خالفاه، إذ روي أن عائشة سئلت عن امرأة ماتت أعليها صوم قالت: أطعموا عنها، كما أن ابن عباس سئل فقال: لا يصوم أحد عن أحد. قال مالك: لم أسمع أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من التابعين بالمدينة أمروا أحدا أن يصوم عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد[55].

إن قصد الشاطبي أن يؤصل قوة العمل المستمر إذا واجه حديثا أحاديا يظن به أنه منسوخ أو خاص، وقد جر ى عمل الأمة قديما على أنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث  من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ما أخذوا به ناسخا لما تركوه، وقد ذكر أن ابن شهاب قال: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه، وكان مالك لما قدم العمل وترك ما سواه انضبط له الناسخ من المنسوخ[56].

وقد بحث الأصوليون حالة تعارض القول والفعل وتصوروا لها صورا هي:

  1. أن يكون القول عاما للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة.
  2. أن يكون خاصا به دون الأمة.
  3. أن يكون متعلقا بالأمة دونه.

وإذا كان القول عاما شاملا للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة فعمل به النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى العموم، ثم خالفه بعد ذلك فليس هناك مجال لاحتمال دعوى الخصوصية للأمة ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد دخل معها لما عمل بمقتضى العموم، ولا يبقى بعد ذلك إلا احتمال واحد هو نسخ القول السابق بالفعل اللاحق[57]. وللعمل النبوي حالات أخرى ضمن معارضة الفعل للقول تؤدى إلى القول بالخصوصية أو النسخ أو تلجئ إلى التوقف إذا جهل المتقدم والمتأخر[58]، حسبما هو مفصل في كتب الأصول[59].

ب-  عمل أهل المدينة في سياقه التاريخي

من الأوهام الشائعة التي وقعت فيها غالبية الكاتبين والباحثين في تاريخ الفقه الإسلامي، اعتقادهم أن اعتماد عمل أهل المدينة هو خصيصة أصولية تفرد بها المذهب المالكي حتى أوشكت أن تصير عنوانا عليه، فمن ثم راح بعض هؤلاء يفوقون سهام النقد للمذهب المالكي، مستبعدين من أذهانهم أن يكون هذا النقد موجها أصالة إلى سلف الأمة ممن اعتمد عمل أهل المدينة كما يتوجه إلى مذهب مالك بالتبع والامتداد.

 لقد كان الذين قالوا بحجية عمل أهل المدينة كثرة كاثرة رأت فيه أنه استمرار عملي للسنة النبوية، وحسبي هنا أن أشير إلى نصوص تعبر عن تقديم بعض علماء الأمة لعمل أهل المدينة.

يروى عياض أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر أحرج بالله عز وجل على رجل روى حديثا العمل على خلافه[60]، ومعلوم أن عمر يقصد بموضع العمل المدينة التي كان يعيش بها، وقد جاء في بعض الروايات التنصيص على العمل بالمدينة[61].

 قال زيد بن ثابت إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه السنة[62].

كان ابن مسعود يسأل بالعراق عن شيء فيقول فيه، ثم يقدم المدينة فيسأل فيجد الأمر على غير ما قال، فإذا رجع لم يحط رحاله ولم يدخل بيته حتى يرجع إلى ذلك الرجل فيخبره[63].

قال ابن أبي حازم: كان أبو الدرداء يسأل فيجيب، فيقال له: إنه بلغنا كذا وكذا، بخلاف ما قال، فيقول: وأنا قد سمعته، ولكنه أدركت العمل على غير ذلك[64].

قال أبو الزناد: كان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء ويسألهم عن السنن والأقضية التي يعمل بها فيثبتها، وما كان لا يعمل بها الناس ألقاه وإن كان مخرجه ثقة[65].

قال مالك: ما استوحش سعيد بن المسيب ولا غيره من أهل المدينة لقول قائل، ولولا أن عمر ابن عبد العزيز أخذ العلم بالمدينة لشككه كثير من الناس[66].

وقال ربيعة الرأي وهو شيخ مالك: ألف عن ألف أحب إلي من واحد عن واحد[67].

وقال مالك: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض مغازيه في كذا وكذا ألفا من الصحابة مات منهم بالمدينة نحو عشرة آلاف وتفرق باقيهم في البلدان، فأيهما أحق وأحرى أن يتبعوا ويؤخذ بقولهم ويعمل بعملهم من مات عندهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ذكرتهم أو من مات عندهم واحد واثنان من أصحابه[68].

وقال الشافعي: إذا وجدت معتمدا من أهل المدينة فلا يكن في قلبك منه شيء.

وقال في أصول أهل المدينة فليس فيها حيلة من صحتها[69].

ج-  قيمة فقه أهل المدينة في نظر ابن تيمية.

لقد كان أحمد بن تيمية من ابرز من عرف لفقه المدينة قيمته في تمثيل السنة في صورتها النهائية التي مات عنها رسول اله صلى الله عليه وسلم، وقد ساق ابن تيمية في كتابه صحة أصول مذهب أهل المدينة كثيرا من الأدلة على تميز علم أهل المدينة واختصاصه بأولويات في صحة النقل.

يقول ابن تيمية: كان أهل المدينة فيما يعملون إما أن يكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يرجعوا إلى قضايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويقال إن مالكا أخذ الموطأ عن ربيعة وربيعة عن سعيد بن المسيب وسعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وعمر محدَّث. في الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمم قبلكم محدَّثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر[70].

ويقول: إن سائر أمصار المسلمين غير الكوفة كانوا منقادين لعلم أهل المدينة لا يعدون أنفسهم أكفاءهم في العلم كأهل الشام ومصر مثل الأوزاعي ومن قبله وبعده من الشاميين، ومثل الليث ابن سعد ومن قبل ومن بعد من المصريين، وإن تعظيمهم لعمل أهل المدينة واتباعهم لمذاهبهم القديمة ظاهر بين، وكذلك علماء أهل البصرة كأيوب وحماد بن زيد وعبد الرحمن بن مهدي[71].

ويقول ابن تيمية:

ومما يوضح الأمر في ذلك أن العلم إما رواية وإما رأي، وأهل المدينة أصح أهل المدن رواية ورأيا، وأما حديثهم فأصح الأحاديث، وقد اتفق أهل العلم بالحديث، أن أصح الأحاديث أحاديث أهل المدينة، ثم أحاديث أهل البصرة، أما أحاديث أهل الشام فهي دون ذلك[72].

ويقول عن فضل مالك: لا ريب عند أحد أن مالكا رضي الله عنه أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا، فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه، كان له من المكانة عند أهل الإسلام[73].

وقال عن حديث مالك:

هذه كتب الصحيح التي أجل ما فيها البخاري أول ما يستفتح الباب بحديث مالك، وإن كان في الباب شيء من حديث مالك لا يقدم على حديثه غيره[74].

هذه نصوص  تجلى رأي ابن تيمية في علم أهل المدينة عموما وفي علم مالك خصوصا، وهي تنطبق أصالة على ما أثر عن مالك من الفقه الذي قال به ولم يلتبس بأقوال غيره من المالكية الذين جاؤوا بعده وفرعوا على أصوله في صيغها القولية لإبداء ما يتميز به المذهب من التزام بالسنة في صيغها القولية التي تناقلها الناس أو في صيغها العملية التي طبقها مجتمع المدينة.

اعتماد مالك عمل أهل المدينة في الاستنباط.

ولقد أفصح مالك عن اعتماده على عمل أهل المدينة وهو بصدد الترجيع بين الآثار أو تخصيصها.

لقد عبر مالك في رسالته إلى الليث بن سعد عن اعتداده بعمل أهل المدينة الذي كان يرى فيه أنه الصيغة النهائية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي مات عنها وعمل بها أهل المدينة الذين يستحيل أن يجمعوا على تغيير واقع عملي ورثوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما كانوا عليه من شدة حرص على الالتزام بالسنة.

يقول مالك في خطابه إلى الليث: إعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا ببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلهم إليك واعتمادهم على ما جاء منك حقيق أن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه فإن الله تعالى يقول: ] والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار[ [ التوبة 100] وقال: ] فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه [ [الزمر 18 ]  فإنما الناس تبع لأهل المدينة إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن وأحل الحلال وحرم الحرام إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه ويبين لهم فيتبعونه حتى توفاه الله واختار له ما عنده، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به لم أر لأحد خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها[75].

لقد طبق مالك أصله فكان شديد الاعتناء بعمل أهل المدينة، وكان يعبر عنه بتعابير عديدة منها قوله: الأمر الذي أدركت عليه الناس، والأمر المجتمع عليه عندنا، أو ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس، السنة عندنا، ليس على هذا العمل عندنا، السنة التي لا خلاف فيها عندنا، وليس على هذا العمل عندنا، إلى غير ذلك من التعابير التي تدل على فشو العمل بين أهل المدينة.

وقد اختلف المالكية في تفسير عبارات مالك، وكان من رأى القاضي عياض أن مالكا إذا قال الأمر المجتمع عليه فهو ما اجتمع عليه من قول أهل الفقه والعلم ولم يختلفوا فيه، وإذا قال الأمر عندنا فمراده ما عمل به الناس وجرت به الأحكام وعرفه الجاهل والعالم.

وإذا قال ببلدنا أو قال بعض أهل العلم فهو شيء يستحسنه من قول أهل العلم بالمدينة[76].

وقد ذكر الباجي مثل ما ذكره عياض في المدارك [77].

لقد ذكر د. أحمد سيف في كتابه: ” عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وأراء الأصوليين”[78]. وأيده د. محمد المدني بوساق في كتابه المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة[79]، إن قول مالك الأمر المجتمع عليه لا اختلاف فيه، يراد به إجماع أهل المدينة القديم والحديث، كما أن قوله الأمر المجتمع عليه، دال على الأكثر من أهل المدينة.

ولقد تتبع د. عمر الجيدي عبارات مالك الدالة على عمل أهل المدينة في الموطأ فانتهى إلى أنها وردت مائتين وثلاثا وثلاثين مرة[80].

وإضافة إلى من سبق  إيراد أسمائهم من العلماء القائلين بحجية عمل أهل المدينة ابتداء من زمن الصحابة إلى زمن مالك والشافعي، فإن عمل أهل المدينة قد اعتمده علماء من التابعين ثم من بعدهم، ومنهم سعيد بن المسيب، ويحيى  بن سعيد الأنصاري، وأبو جعفر محمد بن علي الباقر، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن أبي بكر بن حزم وأبو الزناد، وجعفر الصادق وابن أبي حازم[81].

مدلول عمل أهل المدينة.

لقد كان عمل أهل المدينة أصلا أخذ به الفقه المالكي وأعمله في كثير من المباحث الفقهية حتى عرف به.

ولقد بعث هذا الاعتماد على عمل أهل المدينة بعض المخالفين لمالك على محاولة توهين هذا الأصل بادعاء كونه قولا بإجماع أهل المدينة دون سواهم، مع أن الإجماع لا يتحقق إلا باتفاق جمهور علماء الأمة في فترة من الفترات، وليس علماء أهل المدينة إلا جزءا يسيرا من علماء الأمة فلا يمكن أن ينعقد بهم إجماع وحدهم. لقد قال بكون عمل أهل المدينة دعوى إجماع أصوليون فتحدثوا عن هذا الأصل وهم يدرسون قضايا الإجماع، ومن هؤلاء أبو الحسين البصري الذي يقول: وحكي عن مالك أنه قال: إجماع أهل المدينة وحدهم حجة[82].

ومنهم عبد المالك الجو يني الذي قال: نقل أصحاب المقالات عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى اتفاق أهل المدينة يعني علماءها حجة، وهذا مشهور عنه، والظن بمالك رحمه الله لعلو درجته أنه لا يقول بما نقل الناقلون[83]،وقال الغزالي صار مالك رضي الله عنه إلى أن الإجماع يحصل بقول الفقهاء السبعة، وهم فقهاء المدينة، ولا نبالي بخلاف غيرهم [84]. وليس بالوسع تتبع مثل هذه الأقوال، فهي كثيرة في كتب الأصوليين، لكن الملاحظ أن تلك الأقوال تشكك في أن يكون مذهب مالك يرى أن عمل أهل المدينة إجماع خاص.

ومن أجل استبعاد أن يكون مالك قد حصر الإجماع في أهل المدينة فقد تصدى عياض لتصحيح هذا الخطإ فقال: وكثر تحريف المخالف فيما نقل عن مالك من ذلك سوى ما قدمنا فحكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي أن مالكا يقول لا يعتبر إلا إجماع أهل المدينة دون غيرهم وهذا ما لا يقوله مالك ولا أحد من أصحابه[85].

وقد كان الباجي أكثر تحديدا لما بين أن المالكية لا يقولون بإجماع أهل المدينة إلا إذا ما انصب على نقل تواتر من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى زمن مالك.

يقول الباجي ذلك أن مالكا إنما عول على أقوال أهل المدينة وجعلها حجة في ما طريقه النقل كمسألة الأذان وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ومسألة الصاع وترك إخراج الزكاة من الخضراوات وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله ونقل نقلا يحج ويقطع العذر[86].

إن هذا النوع من الإجماع على نقل خبر أو فعل أو تقرير، هو أمر اختص به أهل المدينة، بسبب معايشتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذهم عنه بلا واسطة، وبقائهم على ذلك العمل بصورة جماعية، وهذا النوع من الإجماع النقلي، ليس مما يصدق عليه اسم الإجماع في بابه من كتب  الأصول، لأن الإجماع  إنما هو اتفاق المجتهدين على حكم انتهوا إليه بعد أن توفرت لهم شروط الاجتهاد وأدواته.

إن إجماع أهل المدينة يحتاج إلى توضيح يعرِّف مستوياته ويبين ما يصلح لأن يكون حجة وأصلا استنباطيا وما لا يصلح.

لقد قسم عياض إجماع أهل المدينة إلى فرعين كبيرين:

  1. إجماع على اجتهاد اجتهدوه.
    • . إجماع على نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الإجماع الاجتهادي لأهل المدينة.

فأما إجماعهم على اجتهاد فإن عامة المالكية لا يرونه أكثر من اجتهاد يستوي مع اجتهادات عامة علماء المسلمين، فما كان دليله قويا أخذ به وما افتقر إلى دليل ترك ورد.

يقول عياض عن إجماع أهل المدينة على أمر اجتهادي: هذا النوع اختلف فيه أصحابنا، فذهب معظمهم إلى أنه ليس بحجة ولا فيه ترجيح، وهو قول كبراء البغداديين، ومنهم ابن بكير، وأبو يعقوب الرازي، والحسن بن المنتاب وأبو العباس الطيالسي، وأبو الفرج القاضي، وأبو بكر الأبهري، وأبو التمام، وأبو الحسن ابن القصار، قالوا: لأنهم بعض الأمة، والحجة إنما هي بمجموعها، وإلى هذا  ذهب أبو بكر ابن الطيب وأنكر هؤلاء أن يكون مالك يقول هذا، وأن يكون هذا مذهبه ولا أئمة أصحابه[87].

ويقول الباجي: ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد فهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة وعلماء غيرهم في أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح، ولذلك خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة. هذا مذهب مالك في هذه المسألة وبه قال محققو أصحابنا كأبي بكر الأبهري وغيره، وقال به أبو بكر  وابن القصار وأبو تمام، وهو الصحيح، وقد ذهب جماعة ممن ينتحل مذهب مالك ممن لم يمعن النظر في هذا الباب إلى أن إجماع أهل المدينة حجة فيما طريقه الاجتهاد[88].

ويمكن التوسع في دراسة هذه القضية بالرجوع إلى كتب الأصول المالكية منها كتاب الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة لحسن المشاط[89].

إجماع المدنيين على نقل الآثار.

إن إجماع أهل المدينة إذا ذكر فإنما يراد به إجماعهم على نقل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توارثها أهل المدينة عمليا وقد قامت كثرة العاملين بها أو الحافظين لها مقام التواتر الذي يستحيل عقلا أن يتواطأ ناقلوه على الكذب.

لقد فصل عياض القول في أنواع الإجماع المدني وأرجعه إلى أربعة أنواع:

1.   نقل شرع من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  1. نقل شرع من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  2. نقل إقرار منه عليه السلام لفعل وقع بمحضره أو انتهى إليه العلم به.
  3. نقل تركه لأمور لم يلزم الصحابة بها مع علمه بتركهم لها[90].

لقد جمع عياض هذه الأنواع من النقل المجمع عليه في نص جامع قال فيه: أما نقل الشرع من جهة النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل كالصاع والمد، وأنه عليه السلام كان يأخذ منهم بذلك صدقاتهم وفطرتهم وكالأذان والإقامة، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وكالوقوف والأحباس، فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله، كنقلهم موضع قبره ومسجده ومنبره ومدينته وغير ذلك مما علم ضرورة من أحواله وسيره وصفة صلاته من عدد ركعاتها وسجداتها وأشباه هذا، أو نقل إقراره عليه الصلاة والسلام لما شاهده منهم ولم ينقل عنه إنكاره كنقل عهدة الرقيق وشبه ذلك، أو نقل لتركه لأمور وأحكام لم يلزمهم إياها مع شهرتها لديهم وظهورها فيهم كتركة أخذ الزكاة من الخضراوات مع علمه عليه السلام بكونها عندهم كثيرة[91].

لقد تداول كثير من أصوليي المالكية قبل عياض وبعده إجماع أهل المدينة فرأوا أن ما لا يختلف فيه هو إجماعهم على النقل، وأما إجماعهم الاجتهادي فهو محكوم بقوة الدليل وقد يكون العمل مرجحا في حال تكافؤ الأدلة.

يقول القاضي عبد الوهاب المالكي ( ت 422 ) قبل عياض: إجماع أهل المدينة نقلا حجة تحرم مخالفته، ومن طريق الاجتهاد مختلف في كونه حجة والصحيح عندنا أنه يرجح به على غيره، ولا يحرم الذهاب إلى خلافه، وأما إجماعهم من طريق النقل أو ما في معناه فإنه ينقسم إلى:  نقل قول، ونقل فعل، ونقل إقرار، ونقل ترك، وعليه أصحابنا الكلام في كثير من مسائلهم واحتجوا به على مخالفهم وتركوا له أخبار الآحاد والمقايس، وهو مثل الأذان والإقامة وتقديم الأذان للفجر قبل وقتها والصاع والمد وترك الزكاة من الخضراوات وإثبات الأحباس والوقوف. ودليلنا على كونه حجة اتصال نقله على الشرط المراعى في التواتر من تساوي أطرافه وامتناع الكذب والتواطؤ والتواصل والتشاعر وهذه صفة ما يحج نقله[92].

ولقد انتصر ابن تيمية لهذا الموقف فقال: إن عمل أهل المدينة الذي يجرى مجرى النقل حجة باتفاق المسلمين، كما قال مالك لأبي يوسف لما سأله عن الصاع والمد، وأمر أهل المدينة بإحضار صيعانهم وذكروا له أتم إسنادها عن أسلافهم، قال: أترى هؤلاء يا أبا يوسف يكذبون؟ قال: لا والله ما يكذبون، قال: إني حررت هذه الصيعان فوجدتها خمسة أرطال، وثلث بأرطالكم، يا أهل العراق، قال: رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت[93].

واقتناعا بحجية عمل أهل المدينة، فقد خالف أبو يوسف، ومحمد بن الحسن مذهب أبي حنيفة فقالا: بسقوط الزكاة فيما دون خمسة أوسق، وقالا: بلزوم الوقف، ولقد خالفا أبا حنيفة في ثلث مذهبه أو أكثر[94].

وتسليما من كثير من العلماء بقوة حجة الفقه المدني المؤسس على الإجماع على النقل، فقد صرح غير واحد منهم بأن ذلك في الذروة من الصحة والقبول.

يقول الإمام أحمد: إن أهل المدينة إذا رأوا حديثا ثم عملوا به فهو أصح ما يكون[95].

وتحدث أبو الخطاب الكلواذي من أصوليي الحنابلة عن مرجحات الحديث فذهب إلى أن منها عمل أهل المدينة متى عارضه حديث آخر، فقال عن هذا الترجيح: قال شيخنا لا يرجح، وقال أصحاب الشافعي: يرجح، وهو أقوى عندي، لأن الظاهر بقاؤهم على ما كان أسلافهم عليه، وهم الصحابة، فرجح بذلك[96].

وقد أشار شمس الدين ابن مفلح المقدسي من الحنابلة إلى أن ابن عقيل اقر في كتابه النظريات الكبار بأن إجماع المدنيين على النقل حجة، وقال: إنه أراد بذلك المنقولات المستمرة كأذان وإقامة[97].

وبعد:

 فلعل العرض الذي قدمته أن يكون قد توصل إلى بلورة تصور عن شخصية المذهب المالكي وما أدى للمغرب من خدمات جلى حققت الانسجام المجتمعي، وحمت الإجماع الفكري والائتلاف المجتمعي، ويسرت تطبيق أحكام الشريعة بقدرة فائقة على إقرار ثوابت الإسلام، وعلى رعاية المصالح وتطوير الحياة تطويرا متزنا يمتح من الإسلام وينسجم معه نصا ومقاصد.

وإذا كان للفقه المالكي هذه الأهمية فإنه يجب التنبه إلى وجود التعامل معه باعتباره مقوما من مقومات الشخصية المغربية، وهذا ما يحتم طبعا إيلاءه ما هو جدير به من العناية والاهتمام.

ويمكن الوفاء بهذا المبتغى عن طريق تبني الخطوات التالية:

  1. تقريب الفقه المالكي إلى الإنسان المغربي، وتلقينه للأجيال الناشئة وبثه في أوساط المثقفين وطلاب العلم، والمتصدين للإفتاء والتوجيه.

ويتحقق هذا بتطعيم المواد الدراسية في كل مستويات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي بحصص من الفقه المالكي في مجالات العبادات وحقوق الإنسان، وأحكام البيئة من ماء وهواء ونبات وحيوان، حسبما هو مؤصل في كتب الفقه المالكي في أبواب إحياء الموات وحريم الماء والشجر وأحكام الصيد والبناء وغيرها من الأحكام الراجعة إلى المحافظة على مكونات البيئة.

  1. احترام مقررات الفقه المالكي في ما تقدم عليه الدولة من خطوات عملية للفقه المالكي فيها حكم معروف وذلك كدعوتها إلى إقامة صلاة الغائب في بعض المناسبات.

ويتعين في هذا المجال خصوصا احترام مقررات الفقه المالكي في ما تقدم عليه الدولة من سن مدونة جديدة للأسرة، حتى لا يفاجأ المجتمع بنصوص لا يجد لها سندا في ما يعرفه من الفقه المالكي، وحتى لا يتحول إعراض المدونة عن الفقه المالكي إلى ذريعة قوية للانصراف العام عن المذهب.

  1. إحداث مؤسسة للدراسات الفقهية المالكية على مستوى وزارة الأوقاف، تقوم بجمع المطبوع من مصادر الفقه المالكي، وتشجع على تحقيق المصادر المخطوطة، وعلى إنجاز دراسات وبحوث للنوازل المعاصرة في ضوء معطيات الفقه المالكي، كما أن هذه المؤسسة يجب أن تنسق مع نظيراتها من المؤسسات المهتمة بالفقه المالكي في العالم الإسلامي.
  2. عقد دورات دراسية، وندوات علمية، للتعريف بالفقه المالكي، وبالشخصيات العلمية التي أسهمت في خدمته، مع التركيز على الشخصيات المغربية التي أضافت إلى هذا الفقه إضافات قيمة.
  3. طبع وإعادة نشر وتوزيع المصادر المالكية التي قدمت الفقه المالكي معززا بأدلته، وذلك مثل:

-كتب القاضي عبد الوهاب البغدادي وخصوصا كتاب الإشراف الذي طبع أخيرا مجردا ومذيلا بكتاب الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف.

– الجامع لمسائل المدونة والمختلطة لمحمد بن عبد الله بن يونس

– طراز المجالس لسند بن عنان وهو شرح للمدونة

– المقدمات الممهدات لابن رشد الجد

  – كتابا التمهيد والاستذكار لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر

  • تهذيب المسالك في نصرة مذهب الإمام مالك على منهج العدل والإنصاف ليوسف بن دوناس الفندلاوي.

هذه خطوات تأكدت الحاجة إليها حاليا، وهي ليست كل ما يجب تبنيه من الخطوات حينما نقصد إلى إحلال الفقه المالكي مكانته اللائقة به عسى أن نتوصل بذلك إلى تعميم ثقافة فقهية يجب أن تكون قاسما مشتركا بين جميع المغاربة، لئلا يظل التفرق والتشتت في الآراء محذورا ينذر بأوخم العواقب في عالم ليس فيه للمتخالفين والمتقاطعين مكان أو موقع قدم أمام زحف العولمة الثقافية الكاسح.

لائحة المصادر والمراجع

  1. إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي. تحقيق د. عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي ط: 2. 1995.
  2. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. تحقيق أحمد شاكر. مطبعة العاصمة القاهرة.
  3. أصول الفقه. محمد بن مفلح المقدسي. تحقيق د: فهد السدحان. مكتبة العبيكان الرياض. 1999.
  4. أصول السرخسي أحمد بن سهل. دار المعرفة بيروت 1973.
  5. الإشراف للقاضي عبد الوهاب مع الإتحاف بتخريج أحاديث الأشراف د. بدوي صالح. دار البحوث الإسلامية الإمارات 1999.
  6. أليس الصبح بقريب. محمد الطاهر ابن عاشور. الدار التونسية للنشر. 1967.
  7. إكمال المعلم بفوائد مسلم. للقاضي عياض بن موسى. تحقيق د: يحيى إسماعيل. ط: دار الوفاء المنصورة مصر 1998.
  8. أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية.د: محمد سليمان الأشقر. مؤسسة الرسالة بيروت.ط: 2. 1998.
  9. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية. تحقيق: عصام الدين، دار الحديث القاهرة 1997.
  10. انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك. محمد بن محمد الراعي الأندلسي. تحقيق: محمد أبو الأجفان. دار الغرب الإسلامي بيروت. 1981.
  11. أوجز المسالك إلى موطإ مالك لمحمد زكرياء الكاندهلاوي ط: 1980. دار الفكر – بيروت.
  12. البحر المحيط بدر الدين الزركشي. د. سليمان الأشقر , وعبد الستار أبو غدة.
  13. البرهان في أصول الفقه للجويني. تحقيق: عبد العظيم الديب. ط: 2. 1400هـ. دار الأنصار القاهرة.
  14. بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس. أحمد بن عميرة الضبي.تحقيق: د. روحية السويني.دار الكتب العلمية بيروت. 1997.
  15. البهجة في شرح التحفة. علي بن عبد السلام التسولي.دار الفكر بيروت.
  16. البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة. لأبي الوليد بن رشد. تحقيق محمد العرائشي، أحمد الشرقاوي.دار الغرب الإسلامي ط: 2. 1988.
  17. البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري. تحقيق: ليفي بروفنصال. الدار العربية للكتاب.
  18. التبصير في الدين لأبي المظفر الإسفرايني. تحقيق كمال يوسف الحوت. عالم الكتب ط: 1. 1983.
  19. ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض السبتي. تحقيق: د. محمد بن شريفة. طبع: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب.
  20. تطور المذهب المالكي في الغرب الإسلامي حتى نهاية العصر المرابطين. محمد شرحبيلي.ط: وزارة الأوقاف المغرب 2000.
  21. التمهيد في أصول الفقه. محفوظ بن أحمد الكلوادي. تحقيق: د. مفيد أبو عمشة. ط: مركز البحث العلمي جامعة أم القرى السعودية 1985.
  22. تهذيب الكمال في أسماء الرجال. يوسف المزي. تحقيق د: بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة بيروت.ط: 2. 1992.
  23. التهذيب في أصول الفقه. محفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوادي. تحقيق د: محمد بن علي إبراهيم.ط: جامعة أم القرى مكة المكرمة.ط: 1. 1985.
  24. جامع بيان العلم وفضله. يوسف بن عبد البر. دار الكتب العلمية بيروت.
  25. الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة. حسن بن محمد المشاط. تحقيق عبد الوهاب أبو سلمان. ط: دار الغرب الإسلامي ط: 2. 1990.
  26. حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي. ط: دار إحياء الكتب العربية.
  27. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني. ط: 4. 1985. دار الكتاب العربي بيروت.
  28. خبر الواحد إذا خالف عمل أهل المدينة. د: حسان فلبمان. ط: مركز البحوث للدراسات الإسلامية – الإمارات العربية- ط: 2000.
  29. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون. تحقيق د: محمد الأحمدي أبو النور.دار التراث القاهرة.
  30. الذخيرة لشهاب الدين القرافي، تحقيق: محمد بوخبزة. ط: 1. 1994. دار الغرب الإسلامي بيروت.
  31. رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية. عبد الله بن محمد المالكي. تحقيق بشير البكوش. دار الغرب الإسلامي – بيروت- 1981.
  32. الإسلام وتقنين الأحكام د: عبد الرحمن عبد العزيز القاسم. مطبعة السعادة بمصر. 1973.
  33. الاستذكار، الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار يوسف بن عبد الله ببن عبد البر النمري. تحقيق عبد المعطي قلعجي. مؤسسة الرسالة 1993.
  34. الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. أحمد بن خالد الناصري. دار الكتب – الدار البيضاء-1956.
  35. سير أعلام النبلاء شمس الدين الذهبي. تحقيق شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة ط: 3. 1985.
  36. سنن أبي داود. سليمان بن إسحاق الأزدي السجستاني. مطبعة: مصطفى البابي الحلبي مصر ط: 1. 1952.
  37. سنن النسائي. أبي عبد الرحمن بن بحر النسائي. دار الحديث القاهرة. 1987.
  38. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية. محمد مخلوف. دار الفكر بيروت.
  39. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. تحقيق طه عبد الرحمن يعد. ط: مكتبة الكليات الأزهرية مصر. ط: 1. 1973.
  40. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى. تحقيق محمد قرة علي – أسامة الرافعي.دار الوفاء دمشق.
  41. شرح الورقات للشريف التلمساني مع مثارات الغلط. تحقيق: محمد علي فركوس. مؤسسة الريان بيروت 1998.
  42. شرح جلال الدين المحلى مع حاشية البناني. ط: دار إحياء التراث القاهرة.
  43. صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ط: 1980. دار الفكر بيروت.
  44. صحيح الترمذي. أبو عيسى محمد بن سورة. تحقيق: أحمد محمد شاكر. دار الحديث القاهرة.
  45. صحة أصول مذهب أهل المدينة. لأحمد بن تيمية. تحقيق: د. أحمد حجازي السقا. مكتبة الثقافة الدينية القاهرة. ط: 1. 1988.
  46. طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي. تحقيق خليل الميس. دار العلم بيروت.
  47. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي. أبو بكر بن العربي. دار الكتب العلمية.ط:
  48. العرف والعمل في المذهب المالكي.د: عمر الجيدي. مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب.
  49. عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وأراء الأصوليين. د: أحمد محمد نور سيف. دار البحوث للدراسات الإسلامية- الإمارات العربية- ط: 2. 2000.
  50. العقد المنظوم في الخصوص والعموم. أحمد بن إدريس القرافي. تحقيق: محمد علوي بنصر وزارة الأوقاف المغرب.
  51. فتح الودود على مراقي السعود. محمد يحيى الولاتي،. تحقيق: بابا محمد الولاتي. عالم الكتب- الرياض- 1992.
  52. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. محمد بن الحسن الحجوي. مكتبة دار التراث القاهرة.ط: 1396.
  53. فقه عمر بن الخطاب. د: رويعي بن راجح الرحيلي. مطبوعات مركز البحوث جامعة أم القرى- مكة المكرمة.
  54. كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطإ. محمد الطاهر بن عاشور. الدار التونسية للنشر. 1976
  55. كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي. عبد العزيز البخاري. ضبط وتخريج: محمد المعتصم بالله البغدادي. دار الكتاب العربي – بيروت- 1991.
  56. مالك. محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي القاهرة.
  57. المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة. د: محمد المدني بوساق. دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث- دولة الإمارات العربية المتحدة- ط: 1. 2000.
  58. المسودة في أصول الفقه. أبو العباس. تحقيق: محمد محيي الدين عبد المجيد. دار الكتاب العربي – بيروت.
  59. المعونة على مذهب عالم المدينة. القاضي عبد الوهاب بن علي نصر المالكي. تحقيق: محمد حسن محمد حسن. دار الكتب العلمية – بيروت- ط: 1. 1998.
  60. مسند الإمام أحمد. دار الكتب العلمية بيروت.
  61. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم. احمد بن عمر القرطبي. تحقيق: محيي الدين ديب.دار ابن كثير – دمشق – ط: 2. 1999.
  62. مفهوم الفقه الإسلامي. نظام الدين عبد الحميد. مؤسسة الرسالة 1984.
  63. المعيار المعرب والجامع المغرب. أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي.نشر وزارة الأوقاف المغرب1981.
  64. منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر. علي بن سلطان القاري. دار البشائر الإسلامية بيروت. 1998.
  65. المنخول من تعليقات الأصول. أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. تحقيق: د. محمد حسن هيتو. دار الفكر – دمشق –1980.
  66. مناقب الأئمة الأربعة. محمد بن عبد الهادي المقدسي. تحقيق: سليمان الحرشي. مؤسسة الرسالة – بيروت – 1416.
  67. المنتقى شرح الموطإ. أبو الوليد الباجي. مطبعة السعادة – مصر.
  68. الموطأ. مالك بن أنس. رواية يحيى بن يحيى الليثي. دار النفائس بيروت.ط: 4. 1980.
  69. الموافقات للشاطبي. نسخة: عبد الله دراز. مكتبة التجارية الكبرى بمصر.
  70. النبوغ المغربي في الأدب العربي. عبد الله كنون. دار الكتاب اللبناني بيروت ط: 2. 1961.
  71. الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء. أبو عمر يوسف بن عبد البر. تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة.مكتب المطبوعات الإسلامية حلب 1997.
  72. نشر البنود على مراقي السعود. عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي. ط: وزارة الأوقاف المغرب.
  73. نثر الورود على مراقي السعود. محمد الأمين الشنقيطي. تحقيق: د. محمد ولد سيدي. دار المنارة – جدة – 1999.

[1]  مفهوم الفقه الإسلامي نظام الدين عبد الحميد ص: 93 مؤسسة الرسالة 1984.

[2]  الشفا للقاضي عياض 2/ 92.

[3]  ترتيب المدارك 1/ 126، انتصار الفقير السالك 153.

[4]  حلية الأولياء 6/323.

[5]  ترتيب المدارك 1/ 136.

[6]  انتصار الفقير السالك 173.

[7]  كشف المغطى لابن عاشور 15.

[8]  كشف المغطى  من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ محمد الطاهر بن عاشور 15.

[9]  حلية الأولياء 6/ 320.

[10]  الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 5/ 665.

[11]   فقه عمر بن الخطاب موازنا بفقه أشهر المجتهدين الكتاب الحادي والثلاثون من مطبوعات جامعة أم القرى مكة المكرمة.

[12]  تهذيب الكمال للمزي 11/66 سير أعلام النبلاء للذهبي 5/53 طبقات الفقهاء للشيرازي 39.

[13]   تهذيب الكمال للمزي 1.  سير أعلام النبلاء للذهبي 4/421 طبقات الفقهاء للشيرازي 40.

[14]  تهذيب الكمال للمزي 23/427 سير أعلام النبلاء للذهبي 5/53 طبقات الفقهاء للشيرازي 41.

[15]  تهذيب الكمال للمزي 8/8 سير أعلام النبلاء للذهبي 4/437 طبقات الفقهاء للشيرازي 42.

[16]  تهذيب الكمال للمزي 12/100 سير أعلام النبلاء للذهبي 4/444 طبقات الفقهاء للشيرازي 43.

[17]  تهذيب الكمال للمزي 19/73 سير أعلام النبلاء للذهبي 4/475 طبقات الفقهاء للشيرازي 42.

[18]  تهذيب الكمال للمزي 33/112 سير أعلام النبلاء للذهبي 4/416 طبقات الفقهاء للشيرازي 42.

[19]  إعلام الموقعين 1/31

[20]  تهذيب الكمال للمزي 4/142 سير أعلام النبلاء للذهبي 5/95 طبقات الفقهاء للشيرازي 46.

[21]  تهذيب الكمال للمزي 11/66 سير أعلام النبلاء للذهبي 5/53 طبقات الفقهاء للشيرازي 50. شجرة النور 46.

[22]   سير أعلام النبلاء 5/95. شجرة النور الزكية 48.

[23]  سير أعلام البلاء 5/316 طبقات الفقهاء 48 شجرة النور 46.

[24]  سير أعلام النبلاء 5/ 468. طبقات الفقهاء 51.

[25]  شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول شهاب الدين القرافي ص: 445.

[26]  البهجة شرح التحفة 2/ 133. ترتيب المدارك 1/ 87 الفكر السامي 1/ 384.. مالك  لمحمد أبو زهرة 215. تطور المذهب المالكي في الغرب الإسلامي 136.

[27]  صحيح مسلم كتاب الصلاة باب الأمر بشفع الآذان إكمال المعلم 2/245 المفهم 2/ 8.

[28]  صحيح مسلم كتاب الصلاة باب الأمر بشفع الآذان إكمال المعلم 2/245 المفهم 2/ 8.

[29]  المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم أحمد بن عمر القرطبي 2/8.

[30]  ترتيب المدارك 1/50. انتصار الفقير السالك.274.

[31]  الموطأ، ما جاء في النداء للصلاة.

[32]  الاستذكار 4/ 12.

[33]  الإشراف للقاضي عبد الوهاب مع الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف 1/ 335.

[34]  أصول السرخسي 1/132.

[35]  نثر الورود على مراقي السعود محمد الأمين الشنقييطي 1/249 وفتح الودود على مراقي السعود محمد الولاتي 78.

[36]  شرح تنقيح الفصول للقرافي. 202.

[37]  نشر البنود على مراقي السعود للشنقيطي 1/210 نشر الورود على مراقي السعود محمد الأمين الشنقيطي 1/249 وفتح الودود على مراقي السعود محمد الولاتي 78.

[38]  نشر البنود على مراقي السعود 1/ 256.

[39]  نشر البنود على مراقي السعود 1/ 257. شرح تنقيح الفصول للقرافي. 209. حديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب النكاح ” باب: لا تنكح المرأة على عمتها.

[40]   نثر الورود على مراقي السعود 1/ 305. حديث أخرجه الإمام البخاري في كتاب الفرائض. باب: لا يرث المسلم الكافر.

[41]  نثر الورود على مراقي السعود 1/305 حديث أخرجه الإمام البخاري باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة..

[42]  مسلم كتاب الصيد باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. الترمذي كتاب الصيد. سنن أبي داود كتاب الأطعمة. النسائي كتاب الصيد. سنن أبي داود كتاب الأضاحي ز مسند أحمد بن حنبل 2/147.

[43]  المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي 3/ 132 أوجز المسالك محمد زكرياء الكاندهلوي 9/ 180.

[44]  الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار لابن عبد البر 13/ 322.

[45]  المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن عمر القرطبي 5/217.

[46]  صحيح مسلم كتاب الصيد باب في أكل لحوم الخيل.

[47]  صحيح مسلم كتاب الصيد باب في أكل لحوم الخيل.

[48]  الموطأ كتاب الصيد ما يكره من أكل الدواب. الاستذكار لابن عبد البر 15/331 المنتقى للباجي 3/ 132  والقبس لابن العربي 2/ 625.

[49]  المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن عمر القرطبي 5/228.

[50]  الموطأ كتاب الصيد تحريم أكل كل ذي ناب من السباع 404.

[51]  الموافقات للشاطبي 3/56.

[52]  صحيح الترمذي. باب ما جاء في الإسفار بالفجر. وعارضة الأحوذي يشرح صحيح الترمذي لابن العربي 1/211

[53]  الموافقات 3/ 66.

[54]  الموافقات 3/ 67.

[55]  الموافقات 3/ 69.

[56]  الموافقات 3/ 70.

[57]  حاشية البناني على جمع الجوامع 2 / 100.

[58]  أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية د. محمد سليمان الأشقر 2/ 193.

[59]  شرح جلال الدين المحلى على جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/ 99.

[60]  ترتيب المدارك 1/ 45.

[61]  انتصار الفقير السالك ص: 200

[62]  ترتيب المدارك 1/ 38. انتصار الفقير السلك ص: 206.

[63]  ترتيب المدارك 1/ 39 البيان والتحصيل لابن رشد 17/ 134.

[64]  ترتيب المدراك 1/46. انتصار الفقير السالك 206.

[65]  ترتيب المدارك 1/ 46.

[66]  ترتيب المدارك 1/ 39. انتصار الفقير السالك 201.

[67]  ترتيب المدارك 1/46.

[68]  ترتيب المدارك 1/ 45. انتصار الفقير السالك 205.

[69]  ترتيب المدارك 1/ 40.

[70]  صحة أصول مذهب أهل المدينة ص: 46.

[71]  صحة أصول مذهب أهل المدينة 48.

[72]  صحة أصول مذهب أهل المدينة 49.

[73]  صحة أصول مذهب أهل المدينة 53.

[74]  صحة أصول مذهب أهل المدينة 53.

[75]  ترتيب المدارك 1/42.

[76]  ترتيب المدارك 2/74.

[77]  أحكام الفصول 1/491.

[78]  عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وأراء الأصوليين ص: 411.

[79]  المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة 1/112.

[80]  العرف والعمل في المذهب المالكي د. عمر الجيدي ص: 325.

[81] المسائل التي بنى الإمام مالك على عمل أهل المدينة 1 / 64.

[82]  المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري 2/ 492.

[83]  البرهان في أصول الفقه للجويني 1/ 720.

[84]  المنخول من تعليقات الأصول لأبي حامد الغزالي ص: 314.

[85]  ترتيب المدارك 1/ 53.

[86]  أحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي 1/486.

[87]  ترتيب المدارك 1/ 50.

[88]  أحكام الفصول في أحكام الأصول 1/ 488.

[89]  الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة لحسن المشاط. 209.

[90]  ترتيب المدارك 1/ 48.

[91]  ترتيب المدارك 1/48.

[92]  المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب بن علي المالكي 2/ 607.

[93]  صحة أصول مذهب  أهل المدينة لابن تيمية ص: 39.

[94]  انتصار الفقير السالك 204.

[95]  المسودة في أصول الفقه شهاب الدين أبو العباس الحنبلي 3/3.

[96]  التمهيد في أصول الفقه لأبي الكلواذي 3/220. البحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين الزركشي 4/487.

[97]  أصول الفقه لابن مفلح المقدسي 2/ 410.

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)