الصناعة التحقيقية والفقهية في طبعة المجلس العلمي الأعلى للموطأ
د: رضوان القصباوي عضو المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات مولاي رشيد

كتاب الموطأ-القسم الأول

كتاب الموطأ-القسم اثاني
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وبعد؛
من البداهة بين المتخصصين، أن الاعتناء بالموطأ بدأ من حياة مالك إلى يومنا هذا بدون انقطاع، وقد سجّل التاريخ شهرة كتب في أزمان معينة ثمّ اختفاءَها لتبقى في الظل بين الخواص، كما سجّل شهرة كتب بعد موت أصحابها بوقت غير يسير، فضلا عن تعرّض كتب أخرى للتضييق إلى حدّ الإحراق، لتنبعث من جديد إن وجدت محاضنها.
أمّا مسار الموطأ فقد بدأ محفوفا – وما زال- بالاعتناء والاحتفاء، منذ أن ضرب العلماء أكباد الإبل للاستماع إليه من معدنه، مرورا بترشيحه ليعلّق في الكعبة، كي يكون مرجعا للأمة الإسلامية المترامية الأطراف، وما انفكّ الاعتناء مصاحبه رواية ودراية، شرحا وتعليقا، تفسيرا وتحقيقا…في كافة الأزمان، وفي شتى البقاع.
ومنذ أشرقت شمس الموطأ في المغرب عموما[1] والأقصى[2] منه خصوصا، توالت الرعاية والعناية به من كل الدول التي توالت على هذا القطر[3]، ورغم الاختلاف الفقهي والعقدي الذي سجّل عند بعضها[4] ، فقد اتفقت جميعها على مركزية الموطأ في مرجعيتها الحديثية والفقهية، بل وصل به الاهتمام عند الملوك العلويين أن ألفوا فيه بأنفسهم، كصنيع أبي الربيع مولاي سليمان[5] العلوي في تأليفه حاشية على الموطأ[6]. ثمّ توالت العناية والاهتمام، إلى أن اتخذا المنحى المؤسسي الذي نشاهده اليوم.
ولمّا كان قصد البحث إبراز “مظاهر الصناعة التحقيقية والفقهية في اعتناء المجلس العلمي الأعلى بالموطأ” طبعة 1434 هـ- 2013م كما يوحي بذلك عنوانه فسأصرف الجهد له، مكتفيا في هذه المقدمة بما ذكر، باعتباره مؤطِّرا للبحث سياقا ومنهجا.
وسيبرز البحث غايته من خلال دراسة دراسة المقدمة التي تضمنت الوسائل والأدوات التي توسّل بها الباحثون في إخراج هذ العمل، من نسخ خطية وطبعات سابقة.
وفي المتن سيبرز البحث الصناعة التحقيقية التي تضمنتها هذه الطبعة، من خلال مجموعة من المظاهر من بينها:
– تثمين جودة المتن انطلاقا من معايير صناعة التحقيق.
– خدمة الهامش للمتن من خلال اكتفاء لجنة التحقيق بما يخدم الكتاب الأصلي كالتنبيه على اختلاف النسخ، وشرح الغريب، والتراجم المختصرة…
– إظهار أهمية صناعة الفهرسة في التحقيق.
– جمالية الإخراج (اللون/الورق/الحجم/الغلاف…)
أما الصناعة الفقهية فسيتم تقريبها – فضلا عمّا تحمله المقدمة من مؤشرات- من خلال مجموعة من المظاهر أنبه على بعضها:
– استناد الطبعة إلى كمّ هائل من كتب الفقه سواء شروح الموطأ أو غيرها.
– الاهتمام بالكتب الفقهية داخل متن الموطأ بتمييزها في الكتابة والتنصيص عليها وإن لم ترد في الأصل مع الإشارة في الهامش لذلك.
– الاهتمام بالأبواب الفقهية من خلال تمييزها بالكتابة المضغوطة.
– التنويه بأهمية الفهرسة لفتاوى الصحابة والصحابيات، وفتاوى الإمام مالك، وفتاوى الفقهاء من شيوخه، ثم خاتمة.
أولا: الوسائل والأدوات التحقيقية في طبعة المجلس العلمي الأعلى (1434/2013):
اعتمدت اللجنة على مجموعة من الوسائل والأدوات التحقيقية لإخراج الموطأ في حلته التي هو عليها الآن، وأهمّها:
الطبعات السابقة للكتاب: واختارت اللجنة الطبعات التي قام بإخراجها كبار المتخصصين والمحققين وهي:
- طبعة محمد فؤاد عبد الباقي[7] المصرية سنة 1951، وقد صرّحوا بأنه اعتمد على ست طبعات، ونبّهوا على ما في طبعته من نقص الذي لا يخلو منه جهد بشري.
- طبعة بشار عواد معروف[8] 1996، المعروف بتخصصه المتين في تحقيق المخطوطات، وصرّحوا بعمدته في هذه الطبعة، وهي فرع من نسخة المحدث ابن مسدي ت 366هـ، ويرجع تاريخ النسخة إلى منتصف القرن الثامن 749هـ. وقد التمست له اللجنة العذر في وقوعه في أخطاء نتيجة عدم جمع قدر كاف من النسخ.
- طبعة مصطفى الأعظمي[9] 2001، وقد حظيت هذه النسخة بدراسة ومجموعة من الفهارس، ما أوصلها إلى ثمان مجلدات، وقد نبهت اللجنة عن وجود أخطاء في هذه الطبعة رغم تعدّد النسخ المعتمدة.
ولم يكتف المحققون بالكتب المطبوعة لإخراج الموطأ، بل رجعوا إلى ست نسخ مغربية منتخبة، وساروا في ذلك على نهج الحافظ ابن عبد البر، في اعتماده على رواية يحيى بن يحيى الليثي[10]، وصنيع القاضي عياض في تقديم طريق تلك الرواية[11] على غيرها لاشتهارها بالبلد، علما أنّ أهم النسخ الكاملة للموطأ هي الموجودة في المغرب، وهذا جرد للنسخ التي تمّ الاعتماد عليها من لجنة تحقيق الموطأ.
- صورة من نسخة الزاوية الحمزاوية بإقليم الراشيدية، انتسخ عام 487 هـ وهي نسخة نفيسة مقابلة بأصلين، وعليها حاشية وطرر نفيسة.
- نسخة أبي عبد الله بن الطلاع ت 497هـ، انتسخت أوائل القرن السابع الهجري، وقد وصفتها لجنة التحقيق بجمال الخط، والضبط اللغوي، وحسن المقابلة، مع انتقالها بين المحدثين في الغرب الإسلامي، وهي التي اختيرت لتكون أصلا في إخراج الموطأ، لذلك اعتنت اللجنة بإحصاء رموزها الأحادية والثنائية[12]
- نسخة المحدّث المقرئ اللغوي النحوي أبي محمد شريح بن محمد بن شريح الرعيني ت 539هـ ، ولا شك أنّ الأوصاف التي حلّوا بها صاحب هذه النسخة كانت مقصودة، ووصفوا هذه النسخة بالضبط والإتقان، مع نفاسة الحواشي والطرر، فضلا عن توارث وتداول النسخة بين المحققين الكبار[13].
وهذه النسخ تتميز بعلوّ الإسناد، إلى درجة وجود واسطة واحدة بين إحداها وبين يحيى بن يحيى الليثي، وهذا أعلى درجات علوّ سند النُّسَخ في هذا الوقت. وعليها كانت المقابلة، واستعانت اللجنة بثلاث نسخ أخر فيما أشكل في هذه، وهي:
- نسخة بخط عبد الله بن أحمد ابن اللباد، وهي مبتورة الأول والآخر، كتبت سنة 613 هـ.
- نسخة ج 787 صحيحة وزاخرة بالحواشي.
- نسخة أخرى من عصر ابن اللباد أيضا، تحت رقم: 3386 د
ومن مكملات التحقيق في طبعة المجلس العلمي الأعلى للموطأ، الاهتمام بطرق رواية يحيى بن يحيى، حيث بينوا في كل طبقة القعدد الذي تهوى إليه الأفئدة لنيل شرف السند العالي لرواية يحيى بن يحيى، فنصوا على أشهر الروايات إلى يحيى بن يحيى، وهي الرواية الوضاحية، والعبيدية والبازية، وأبرزوا مكانة كل من الجياني وابن عبد البر والقاضي عياض، في حفظ متانة هذه الطرق.
وفي نهاية المقدمة أعربت اللجنة عن خطتها في التحقيق، سواء في الجانب المنهجي المتعلق بكيفية العرض، والمقابلة، والضبط، والتنصيص على الاختلاف، أو في الجانب التقني المتعلق بعلامات الترقيم، والتنصيص، وترقيم الكتب والأبواب والأحاديث، وتخريج الأحاديث.
ثانيا: الصناعة التحقيقية في طبعة المجلس العلمي الأعلى.
يمكن مقاربة هذه النقطة من جانبين أساسيين، أولاهما: تثمين جودة المتن، وتتجلّى في بروز الخط ووضوحه، والشكل التّام المنضبط، وعلامات الترقيم الدالة على حسن فهم الكلام، والتنصيص على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم القولية دون غيرها تمييزا لها، وترقيم الكتب والأبواب والأحاديث، وهذه الخدمة لازمت الكتاب كله، بعكس ما يقع للكتب الجماعية من تنافر في كل ما ذكر.
وثانيهما: خدمة الهامش للمتن، فالهوامش رغم زخمها وغناها في طبعة المجلس العلمي الأعلى، كلّها خادمة للمتن، وليس فيها أي حشو أو استطراد، أو انزياح كما يقع عادة في الأعمال الجماعية، ويمكن حصر مهمّة الهامش في هذه الطبعة فيما يلي:
- التنبيه على اختلاف النسخ، كما في هذا المثال، هامش 1: (في ش: فقال)[14].
- التنبيه على اختلاف الطبعات، مثال، هامش 8: (وعند عبد الباقي وبشار: أنه قال)[15].
- شرح الغريب في المتن، مثال، هامش 6 (قال ابن حبيب في غريب الموطأ: الغلس والغبس والغبش واحد، كل ذلك من بقايا ظلمة الليل)[16].
- التراجم المختصرة للأعلام الواردة في المتن باستثناء الصحابة، مثال، هامش 3 (قال ابن الحذاء في التعريف: عفيف بن عمرو السهمي، روى مالك عن عفيف بن عمرو السهمي، عن رجل من بني أسد)[17].
- التنبيه على الرموز، مثال، هامش 9 (…وبهامش ب يمس وعليها “ع” و” ز”)[18].
- التنبيه على تعليقات وهوامش وطرر النسخ، مثال، هامش 5 (بهامش الأصل: مرسل، بينهما رجل وهو عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام)[19].
- إزالة الإشكال في الروايات، مثال، هامش11 (قال القاضي عياض في مشارق الأنوار: في الموطأ في حديث المستحاضة أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمان بن عوف، وكانت تستحاض، هكذا رواه يحيى وجل أصحاب مالك عنه، وخالفه الناس وقالوا: ذكر زينب وهم…)[20].
- التنبيه على الزيادات التي يقتضيها المقام لتكررها في أماكن متشابهة، كما في تسمية الكتب، مثال، هامش 1 (ما بين معقوفتين زيادة اقتضاها السياق)[21].
والخلاصة أن اللجنة وظفت الهامش لخدمة المتن، بنسبة عالية جدا، وتلك هي الوظيفة الأولى والأخيرة للهامش في التحقيق، خلافا لبعض الانزياحات التي ابتليت بها بعض الكتب المحققة، حيث تجد الهوامش مثقلة للكتاب الأصلي دون أن تقدّم له أي خدمة.
ثالثا: الصناعة الفقهية في طبعة المجلس العلمي الأعلى.
رغم أن القصد الأول من هذه الطبعة هو إخراج الموطأ في حلّة تليق به، وبناءً عليه أخذ الاهتمام بالصنعة التحقيقية الحظ الأوفر، إلا أن الصنعة الفقهية كانت حاضرة في العمل، وبرز ذلك في جانبين، الجانب الأول: الاهتمام بالكتب والأبواب الفقهية في متن الكتاب، وذلك بتمييزها بخط مضغوط، وإضافتها حيث يقتضيها السياق، فضلا عن الرجوع لكل شرّاح الموطأ شرحا فقهيا، كابن عبد البر، والباجي، وأبي بكر بن العربي، والزرقاني.
الجانب الثاني: فهرسة فتاوى الصحابة والصحابيات، وفتاوى فقهاء التابعين شيوخ مالك، وفتاوى الإمام مالك، وقد بلغ مجموعها: 1961 فتوى، وهو مجهود جبار، وخدمة فقهية جليلة تقدّم للموطأ، وجاء هذا العدد الضخم من الفتاوى مقسما بينهم كالآتي:
- فتاوى الصحابة: 492.
- فتاوى الصحابيات: 87.
- فتاوى فقهاء التابعين وشيوخ مالك: 300.
- فتاوى مالك: 1082.
وهذه الفهرسة تبرز بشكل واضح تجذّر الموطأ في الفقه منذ نشأته، ففتاوى الصحابة تتجاوز الربع من مجموع الفتاوى، ناهيك عن فتاوى الصحابيات التي تمثل نصف العشر تقريبا، وأهمّها في فقه النساء، أمّا فتاوى الفقهاء الذين يمثلون الوسائط الإسنادية – بالمعنى الفقهي- بين مالك والصحابة رضي اللهن عنهم، فتمثل السدس تقريبا، وهذا كله يبين طبيعة فقه مالك الجماعية، المعتمدة على ما عليه العمل بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهذا يرجح أن عمل أهل المدينة عند مالك لا يمثل مجرّد أصل من الأصول كسد الذرائع والمصالح المرسلة يعتمد عليه في تنزيل بعض الأحكام، بل هو منهج عام لعقلية مالك الفقهية، على أساسه وفي ضوئه تفهم بقية الأصول.
وإذا استحضرنا أن مجموع المرويات في موطأ مالك هو ألفان وثمانمائة وخمسة عشر (2815) ستظهر القيمة الفقهية للكتاب أكثر، ولعلّ من ذهب إلى أن موطأ مالك هو كتاب فقه مستدلٍّ له بالحديث غرّه هذا المنحى[22]، وإن كان الصواب أن الموطأ كتاب حديث لما فيه من الصنعة الحديثية البديعة، وكتاب فقه لما جمعه من ثروة فقهية تؤصل لفقه المدينة في القرون الثلاثة المفضلة.
وهذا مبيان موضح لنسبة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والفتاوى الفقهية في الموطأ.
تبلغ نسبة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الموطأ، ثمانمائة وأربعة وخمسين حديثا (854) وهي بهذا تمثل ما يقارب الثلث من جملة المرويات.
خامسا: صناعة الفهرسة التحقيقية وجمال الإخراج:
اهتمت لجنة تحقيق الموطأ بالفهرسة اهتماما بالغا، وجمعت فيه بين الفهارس التحقيقية، كفهرس الآيات القرآنية، وفهرس الأعلام، وفهرس الأماكن والبلدان، والفهارس الموضوعية، كفهرس كتب الموطأ، وفهرس أبوابه وموضوعاته، وهذا جرد لأنواع الفهارس التي حلّت به اللجنة كتاب الموطأ، مع بيان لمظاهر الصناعة التحقيقية فيها.
- فهرس الآيات القرآنية: وقد قسموه على السور، ورقموا فيه الآيات، ونسبوها إلى أرقام الفقرات.
- فهرس فتاوى الصحابة: يكتبون في الفهرس جزءا منها، يحقق لها التمييز عن غيرها، ورتبوها على أسماء الصحابة حسب حروف المعجم، وفصلوا بين الصحابة والصحابيات.
- فهرس فتاوى الإمام مالك، ولكثرتها وضعوها في جدول، ونسبوا كل واحدة للكتاب الفقهي، والباب الذي وردت فيه، مع الإحالة لأرقام الفقرات، على ترتيب الموطأ.
- فهرس فتاوى الفقهاء من التابعين وشيوخ مالك: أوردوها على أسمائهم حسب حروف المعجم، ويكتبون من كل فتوى جزءا يحقق لها التمييز عن غيرها، وإن كان يقتضي ذلك أكثر من سطر، وفي هذا تغليب للجانب المنهجي على الجانب التقني.
- فهرس أسماء الرجال: مرتب على حروف المعجم، وتورد فيه اسم الشهرة، سواء كان اسما، أو كنية، أو بنوّة، وتنسبه لرقم الفقرة، أو أرقام الفقرات، إن كان متعدّد الذكر في الكتاب، كابن شهاب الزهري المنسوب لما يفوق مائتين وخمسين فقرة (252).
- فهرس أسماء النساء: العمل فيه مثل سابقه.
- فهرس البلدان والأماكن: مرتب على حروف المعجم، ومنسوب لأرقام الفقرات.
- فهرس كتب الموطأ: حسب ترتيبها في الموطأ، مفهرسة حسب أرقام الصفحات.
- فهرس المصادر المعتمدة في التحقيق: قسّم إلى قسمين، المخطوطات والمطبوعات، نسبت المخطوطات إلى المكتبات التي توجد بها، مع التنبيه على رقمها، وأصلها، وبترها أو كمالها، وناسخها، وسنة النسخ، أما المطبوعات فقد صنفت حسب حروف المعجم بالتصنيف المشهور (اسم الكتاب، الكاتب، المحقق إن وجد، رقم الطبعة، الناشر).
- فهرس أجزاء الكتاب: وهو الأخير، وقد فصل الجزء الأول عن الثاني في الترقيم، وكانت فيه الفهرسة على الأبواب، ويشار إلى الكتب في أماكنها، محتفظا برقمها التسلسلي دون نسبتها للصفحات تفاديا للتكرار.
واتسمت فهارس الكتاب كلّه بالوضوح التام، مع الضبط الكبير سواء في النسبة إلى الفقرات أو الصفحات، بل بترقيم الفقرات، أفادنا المحققون بفهرسة ضمنية أخرى، وهي فهرسة الفقرات، كما عدّت بترقيم الفقرات عدد المرويات في الموطأ.
أمّا جمالية الإخراج فيمكن إجمالها في مجموعة من المظاهر، أهمّها:
- نفاسة الطباعة، وتتجلى في: النوع الفاخر من الورق السميك الأملس، من الحجم الكبير، ذي لون أصفر خافت، ممّا يجعل القراءة فيه مريحة، ويناسب كل أنواع الإضاءات الطبيعية والصناعية، مع الرقن الجيد، المعتمد على الكتابة السوداء الداكنة، المشكولة، الواضحة، مع التمييز الواضح بين الكتب، والأبواب، والمتن، والهامش، بشكل تنازلي في حجم الخط.
- مرونة الكتاب، وتبرز في: تقسيمه إلى جزأين، مما يجعل التعامل معه سهلا ميسرا، مع الخدمة الجيدة في اللصق، إذ أغلب الكتب المطبوعة بالغلاف سرعان ما تتفكّك، وطبعة الموطأ هذه جدّ متماسكة.
- الغشاء الخارجي: (غمد الكتاب) اختير له لون جالب للنظر، معاصر الذوق، مزيج مركّب من اللون الوردي واللون الرملي، وهو غشاء قوي ومتين، من نوع الورق المقوّى المشمّع، حيث يمنع الماء والرطوبة من الوصول إلى الكتاب.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــة
بعد هذه العشرة الشيقة[23] مع طبعة المجلس العلمي الأعلى للموطأ، أستخلص ما يلي:
- هذه الطبعة ليست مجرد طبعة زائدة في سوق الكتب، بل بذل فيها جهد مشكور، من أياد وعقول متعاونة ومتكاملة فيما بينها.
- هذه الطبعة تمثل نموذجا عمليا لما ينبغي أن يصرف فيه المحقق جهده في تحقيق الكتاب، سواء في التعامل مع النسخ، أو تحرير المتن، أو تهميش الهوامش، أو صناعة الفهارس، فكلُّ أولئك في هذه الطبعة كان خادما للهدف الأصلي، وهو إخراج الموطأ مقاربا لما سطّره وأملاه الإمام مالك.
- هذه الطبعة تمثل التفرّد المغربي في الاهتمام بالموطأ، فهي مغْرَبَةٌ للموطأ بحق، أمرا: صدر أمر الطبع عن ملك المغرب، أمير المؤمنين، محمد السادس أعزه الله، ورواية: رواية يحيى بن يحيى الليثي، المصمودي المغربي، ونسخا: النسخ كلها مغربية، أصولا، ومكتبات، وإشرافا: لجنة التحقيق والبحثة المتعاونون كلّهم مغاربة، وطباعة: طبع في مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، ونشرا: نشره المجلس العلمي الأعلى، بدولة المغرب.
- هذه الطبعة بصيغتها، وصورتها، وإخراجها الحالي، طبعة ملوكية، تتشرّف بها المكتبات التي توضع على رفوفها.
أمّا آفاق خدمة الموطأ التي يرى البحث لها أولوية، تكمّل الجهد الطيّب الذي بذل في هذه الطبعة، فيمكن إجماله في هذه النقط.
- تعميم هذه الطبعة على علماء المغرب، وجامعاته، ومكتباته العامّة، وتمكين كل الباحثين والمهتمين منها، لتكون مرجعا في التوثيق والإحالة، اقتداء بتعميم المصحف المحمّدي.
- العمل على إخراج الشروح المشهورة للموطأ، بمثل هذا التحقيق الجماعي المتخصّص، وبمدإ المغربة، فكلّما اشتهرت مرويات الموطأ انطلاقا من هذه الطبعة، احتاج الأمر لاشتهار النصوص الشارحة، حتى ينجو الموطأ، من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
- العمل على إخراج سيرة ذاتية للإمام مالك، مغربية العقول والأيادي، تجمع بين أصالة الفكر، وعمق الإحالة إلى المصادر، وتحليل النصوص التراثية، مع مراعاة قواعد البحث الأكاديمي، لتكون مرجعا سهلا لعموم الطلبة والباحثين، وتزوّد بها المكتبات والمدارس والمعاهد.
- تسويق طبعة للموطأ بنفس المعايير الموجودة في هذه الطبعة – باعتبار أن منشورات المجلس العلمي الأعلى لا تباع- ليستفيد منها المهتمون في كل مكان.
فهذا ما تيسّر تحريره في هذا البحث، وقد منعه من الاتساع طبيعة ما اشتغل عليه من الوصف لطبعة محدّدة، وهو نفس السبب المانع له من اتساع مصادره ومراجعه.
و الحمد لله بدءا وختاما.
الباحث: د رضوان القصباوي
عضو المجلس العلمي المحلي لعمالة مقاطعات مولاي رشيد
مسرد المصادر والمراجع
- محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، عمر الجيدي، منشورات عكاظ، الطبعة الأولى، 1987.
- المعجب في تلخيص أخبار المغرب، عبد الواحد المراكشي، تحقيق محمد سعيد العريان، مكتب إحياء التراث الإسلامي، بدون تاريخ.
- مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي عياض، تقديم: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بدون تاريخ.
- الموطأ، مالك بن أنس اليحصبي، منشورات المجلس العلمي الأعلى، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2013.
- الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، المكتبة العصرية، اعتناء هيثم خليفة، 2012.
- سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، محمد بن جعفر الكتاني، تحقيق: محمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، 2004.
- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن محمد بن عمر قاسم مخلوف، تحقيق عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2003.
[1] أول من أدخل الموطأ إلى القيروان علي بن زياد التونسي صاحب الرواية المشهورة، وأول من أدخله إلى الأندلس، الغازي بن قيس. محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، ص 160.
[2] أول من أدخل الموطأ إلى المغرب الأقصى، القاضي عامر بن محمد القيسي، وكان قد سمع من مالك والثوري، وتمّ ذلك في عهد المولى إدريس، وبانتشار الموطأ في المغرب انتقل الناس من المذهب الحنفي إلى المذهب المالكي. محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، ص 160.
[3] اهتم كل من الأدارسة والمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين والعلويين بالموطأ، يراجع: عناية ملوك المغرب بالحديث النبوي الشريف، د عز الدين المعيار.
[4] كالموحدين مثلا الذين أحرقوا كتب الفروع، فقد نقل المراكشي أن المنصور “أمر بإحراق كتب المذهب، بعد أن يجرد ما فيها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، ففعل ذلك، فأحرق منها جملة في سائر البلاد، كمدونة سحنون، وكتاب ابن يونس، ونوادر ابن أبي زيد ومختصره، وكتاب التهذيب للبراذعي، وواضحة ابن حبيب، وما جانس هذه الكتب ونحا نحوها” المعجب، ص 356.
[5] هو أبو الربيع سليمان بن محمد (1760 – 1822) كان سلطاناً مغربياً من سلالة العلويين. وهو ابن السلطان محمد الثالث بن عبد الله. حكم منذ عام 1792 حتى 1822. سلوة الأنفاس 4/ 3. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 2/ 624.
[6] شجرة النور الزكية، ص 381.
[7] محمد فؤاد عبد الباقي (1882- 1967) باحث ومؤلف متخصص في الحديث النبوي فألف في تحقيق كتبه وتخريجها وفهرستها ووضع فهارس مفردات القرآن الكريم ومترجم باللغتين الفرنسية والإنجليزية لكتب المستشرقين في معاجم الحديث والقرآن. وهو صاحب كتاب اللؤلؤ والمرجان في ما اتفق عليه الشيخان.
[8] بشار عواد معروف، مفكر ومؤرخ وكاتب عراقي ومتخصص في تحقيق المخطوطات، له عشرات التحقيقات، فضلا عن كتب ومقالات في الصناعة الحديثية والتحقيقية.
[9] محمد مصطفى الأعظمي، له دراسات مركَزة على السُنَّة النبوية؛ اكتشافاً لبعض المخطوطات فيها وتحقيقاً لها، وبياناً لمنهج المحدِّثين في نقدهم، ورداً على المستشرقين، توفي يوم الأربعاء 20 دجنبر 2017م.
[10] معللا ذلك بشهرته ومعرفته بين أهل البلد قائلا: “لموضعه عند أهل بلدنا من الثقة والدين والفضل والعلم والفهم” التمهيد 1/ 10.
[11] علّل القاضي عياض أخذه الموطأ من طريق رواية يحيى بن يحيى الليثي، بقوله بعد بيان نسب صاحب الرواية: “التي قصدناها من جملة روايات الموطأ، لاعتماد أهل أفقنا عليها غالبا دون غيرها، إلا المكثرين ممن اتسعت روايته وكثر سماعه” مشارق الأنوار 1/ 8.
[12] مقدمة التحقيق من الصفحة 59 إلى الصفحة: 81.
[13] نسبت لجنة التحقيق كل النسخ إلى المكتبات التي أخذت منها ووثقتها بأرقامها في فهرس المصادر.
[14] الموطأ 1/ 99.
[15] الموطأ 1/ 101.
[16] الموطأ 1/ 99.
[17] الموطأ 1/ 171.
[18] الموطأ 1/ 210.
[19] الموطأ 1/ 211.
[20] الموطأ 1/ 145.
[21] الموطأ 1/ 236.
[22] كان هذا رأي المستشرق المعروف، بروكلمان. محاضرات في تاريخ المذهب المالكي، ص 151.
[23] للباحث مشروع كتاب: “موارد عمل أهل المدينة في موطأ مالك” معتمدا في استقراء هذه الموارد على نسخة المجلس العلمي الأعلى، ممّا حقّق له بسطة اطلاع عليها.