You may also like
Page 2 of 5
تقديم:
يقصد بثقافة الإمام بصفة عامة: كل ما يساعده وينور وعيه لأداء المهام المنوطة به.
فمفهوم الإمامة كما حدّه العلماء: “صفة حكمية توجب لموصوفها كونَه متبوعا لا تابعا”[1].
ذلك أن الإمام يعتبر الفاعل الأساس في التأطير الديني المباشر، إذا تم تأهيله بما يكفي. ولذلك ينبغي أن يتوفر على قدر كاف من الثقافة والوعي للإسهام إيجابا في “خطة تسديد التبليغ”. وذلك بالتعليم والوعظ وتحفيظ كتاب الله العزيز، وغير ذلك من الأوجه التي يحصل التأثير الإيجابي في جماعة المسجد، لغاية نبيلة هي “الإسهام في تتميم مكارم أخلاق الناس”.
إن وعي الإمام بما يجري في محيطه في الزمن الحاضر، وما يتبع ذلك من التحديات والمتغيرات يجعله يفقه واقعه ويتمكن من معرفة أحوال الناس، واحتياجاتهم الضرورية، حسب الأولويات.
والإمامة مهمة نبيلة وشريفة تجعل صاحبها يحظى بالتقدير والاحترام من لدن الجماعة إذا التزم بشروطها، وقام بوظيفتها، فهي مهمة الأنبياء، وكانت من أسمى ما يرجون من الله عز وجل تحقيقه. قال جل شأنه في معرض الحديث عن صفات عباد الرحمن: ﴿وَالذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنَ اَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٖ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماًۖ﴾ [الفرقان: 74]، جاء في تفسير القرطبي قول الإمام القشيري: “الْإِمَامَةُ بِالدُّعَاءِ لَا بِالدَّعْوَى، يَعْنِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ وَمِنَّتِهِ”[2].
وورد في صحيح البخاري تعليقا، في قول الله جل شأنه وعز ثناؤه: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماًۖ﴾: أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا[3]. قال العلماء في معناه: أئمة في التقوى حتى نأتم بمن قبلنا. وأئمة في الهدى ليأتم بنا من بعدنا. وورد عنهم أيضا: اجعلني رِضًا فَإِذَا قُلْتُ صَدَّقُونِي وَقَبِلُوا مِنِّي[4]. فإذا أشار الإمام على الناس بالقول، سواء كان التماسا أو أمرا أو نهيا أو إرشادا، وقبل الناس إشاراته، واتبعوها ورضوا بها فإنه يكون قد تبوأ المنزلة المعتبرة له شرعا وعرفا وهي: القدوة الحسنة، وتلك من مقاصد مهامه الشريفة.
مكانة الإمامة وفضلها
إن الإمامة مهمة جسيمة ورسالة عظيمة، يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب من اصطفاهم من عباده الأخيار، ولا شك أن من قام بالإمامة يكون له أجر من صلى وراءه، لأنه يكون أعان على البر والتقوى، فهو من قادات الناس في الصلاة، وغيرها، أمر الشرع بالاقتداء به ونهى عن مخالفته، وجعله في محل القيادة والريادة، ولم يجعله في وسط الناس أو في آخر صفوفهم، بل في مقدمتهم، وصدر مجلسهم ليعلّم الجاهلين، وينبّه الغافلين، ويأخذ بيد الضعفاء، ويوجّه الحائرين، ويرشد التّائهين؛ ولذلك فإنه جدير بالاطلاع على ثقافة متنوعة تؤهله لتصريف وظائفه الدينية، والتعليمية، والاجتماعية، وغيرها.
مقتبسين ذلك من قول الرسول ﷺ: “إنما جعل الإمام ليؤتم به فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ إنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ“[5] .
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: “إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتَمَّ به، فإذا كبّر فكبّروا، ولا تُكبّروا حتَّى يُكبّر، وإذا ركعَ فاركعوا، ولا تركعوا حتَّى يركعَ، وإذا قال: سمعَ اللهُ لمن حَمِدَه، فقولوا: اللهمَّ ربنا لك الحمدُ -قال مسلم: ولك الحمدُ-، وإذا سجدَ فاسجُدوا، ولا تسجدوا حتَّى يسجُدَ، وإذا صلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلَّى قاعداً فصلُّوا قُعوداً أجمعين“.[6]
يكفي الإمامة شرفا وفضلا أنها وظيفة الأنبياء والمرسلين، خاتمتهم رسول الله ﷺ، كما أنها نيابة عن الإمام الأعظم أمير المؤمنين الذي ينوب في تدبير شؤون الأمة عن رسول الله ﷺ. قال الإمام القرافي رحمه الله: “اعلم أن رسول الله ﷺ هو الإمام الأعظم، والقاضي الأحكم، والمفتي الأعلم، فهو ﷺ إمام الأئمة، وقاضي القضاة، وعالم العلماء، فجميع المناصب الدينية فوضها الله تعالى إليه في رسالته، وهو أعظم من كل من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة”.[7]
وإضافة إلى تمكنك – أخي الإمام – من تلك المعارف الشرعية وقناعتك بأن الإمامة الصغرى منزلتها عظيمة فإنك مطالب بإغناء ثقافتك وتوسيع معارفك بجملة من المسائل والقضايا التربوية والاجتماعية والقانونية، تساعدك على مهامك لتواكب عصرك وزمانك وأحوال أهله بقصد حسن تنزيل مكتسباتك ومؤهلاتك بشكل أفضل وبأسلوب أمثل.
ونظرا لتطور مفهوم الحياة وتشعب مسالكها وتغير نظرة المجتمع لمتطلباتها فإن الإمام في حاجة إلى ثقافة تساعده على فهم واقعه ومحيطه، ومن ذلك:
الثقافة القانونية، ليكون على وعي بعلاقة القانون بالشريعة، فهما متكاملان لا متضادان، حتى إذا سئل عن مسألة حول قضايا مجتمعية، فإن الجواب يكون موافقا لروح الشريعة ومقاصدها. ولذلك يجدر بك – أخي الإمام – الاطلاع على جواب الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى عن سؤال مولانا أمير المؤمنين حول “المصلحة المرسلة” وكون القانون المنظم لشؤون الناس لا يخرج عنها، ومن المفيد التذكير بأهم الوثائق التي تسهم في وعي الإمام:
جملة من الظهائر الملكية الشريفة المتعلقة بتنظيم الشأن الديني، ومنها:
الظهير الشريف رقم 1.03.300 الصادر في 22 أبريل 2004، والذي تم تغييره وتتميمه، المتعلق بإعادة تنظيم المجالس العلمية المحلية ودورها في تأطير الحقل الديني، الذي ينص على ما يلي:
– تناط بالمجالس العلمية مهمة تأهيل الأئمة ومواكبتهم في مهامهم.
– اختيار واختبار القيمين الدينيين …
وكذلك الفصل 41 من الدستور الذي يحدد اختصاصات أمير المؤمنين بصفته “الساهر على حماية الدين وضمان ممارسة الشعائر الدينية وفق اختيارات الأمة”.
الظهير الشريف رقم 1.15.85 الصادر في 20 يوليو 2015:
المتعلق بتدبير المساجد وتنظيمها، المحدد لشروط العمل بها، بما في ذلك مسؤوليات الأئمة والخطباء.
– خطابات مولانا أمير المؤمنين المتعلقة بتوجيه الشأن الديني، وتُعد مرجعًا أساسيا في هذا الباب، وتبرز أهمية التزام الأئمة بثوابت الأمة.
– وثيقة تتعلق بالوعي العلمي والتربوي:
ويتعلق الأمر بجملة من الكتب التي تؤطر تدين المغاربة وفق المذهب المالكي، ووفق ما لبلادنا من الخصوصيات العرفية التي جرى بها العمل.
– دليل الإمام والخطيب والواعظ.
هذا الدليل يعتبر وثيقة مهمة لكونه يبين معالم طريق الإمام العلمية والعرفية، وما جرى به العمل فيما يخص مهمة الإمامة. كما يقدم توجيهات تفصيلية حول أداء الأئمة والخطباء لمهامهم، وإدارة المساجد، والتواصل مع المصلين، لذلك حينما يكون الإمام واعيا بمقتضيات هذه الوثيقة فإنه يؤدي مهامه على أحسن وجه.
– دروس التأطير من خلال برنامج ميثاق العلماء:
إن برنامج ميثاق العلماء الذي أعطى انطلاقته مولانا أمير المؤمنين أعز الله أمره سنة 2009 بتطوان يُعد مرجعًا أخلاقيًا ومهنيًا للقيمين الدينيين في أداء مهامهم الهادفة إلى تأطير عملهم في إطار ثوابت الأمة المغربية. وهو من الوثائق التي تنجزها الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى بتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وخلال المدة المنصرمة تكونت لدى الإمام معلومات مهمة من خلال الدروس التي تنوعت مواضيعها وتعددت مشاربها استفاد منها وتشبع بها حتى تكوَّن لديه رصيد معرفي مهم.
– قرار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المتعلق بتحديد شروط التعيين للقيام ببعض المهام الدينية (2006).
الوعي بأهم المؤسسات الدستورية، ومنها:
– المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الجهوية والمحلية. والإلمام باختصاصاتها.
– وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمندوبيات الجهوية والإقليمية للشؤون الإسلامية. والإلمام باختصاصاتها، وعلاقتها بالمجالس العلمية.
وستأتي بحول الله وتوفيقه تفصيلات للمضامين التي تسهم في تكوين ثقافة الإمام، سائلين الله تعالى التوفيق والسداد والإخلاص في القول والعمل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[1]– الفواكه الدواني: 1 / 205.
[2]– الجامع لأحكام القرآن: 13 / 82.
[3] – فتح الباري: 13/ 251، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[4] – نفسه.
[5] – المنتقى: (1/ 171)، للإمام الباجي. مطبعة السعادة.1332 هـ.
[6] – سنن أبي داود، باب الإمام يصلي من قعود.
[7] – الفروق: 1/205، للإمام القرافي. ط. عالم الكتب.
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.