You may also like
Page 2 of 5
من ثمرات الإيمان القلبية والفردية والجماعية
انطلاقا من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَۖ اَ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ﴾ [الأنفال: 4-2].
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
أما بعد فيا أيها السادة الأئمة الأفاضل.
حديثي معكم اليوم سيكون عن ثمرات الإيمان من الناحية القلبية والفردية والجماعية وذلك انطلاقا من قول ربنا سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: ﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَۖ اَ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ﴾ [الأنفال: 2-4].
يتحدث ربنا سبحانه في هذه الآيات الكريمات عن مجموعة من الثمرات العظيمات والتي يمكن تقسيمها إلى ثمرات دنيوية وثمرات أخروية.
وحين نمعن النظر في تلكم الثمرات الدنيوية فإننا نلاحظ أنها تنقسم إلى ثمرات باطنية قلبية، وثمرات ظاهرية، هذه الأخيرة تنقسم بدورها إلى قسمين: ثمراتِ يجنيها الفرد وحده، وثمرات يجنيها المؤمن مع الجماعة.
وتلكم الثمرات المباركات بأصنافها الثلاثة هي التي سنتناولها بالحديث في هذه الورقات، لكننا نجملها كاملة في العناصر الآتية:
1- أول هذه الثمرات هي الذكر:
نستفيد هذه الثمرة من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ﴾ أي: أن المؤمنين يكونون في مجالس الذكر لا في غيرها.
فالمؤمن يقوده إيمانه إلى مجالس الذكر ولا يجالس إلا الصالحين الذاكرين، كيف لا والحق سبحانه يخاطب المؤمنين آمرا لهم بذكره قائلا سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۟ذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ ذِكْراٗ كَثِيراٗ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةٗ وَأَصِيلاًۖ﴾ [الأحزاب: 41-42].
كيف لا يذكر المؤمن ربه وهو يعلم أنه إذا ذكرَ ربه ذكره ربه في ملأ خير منهم، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِےٓ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِے وَلَا تَكْفُرُونِۖ﴾ [البقرة: 151].
وقال النبي ﷺ في الحديث القدسي: «يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً[1]» رواه البخاري.
2- الثمَرة الثانية التي يجنيها المؤمن هي الخشوع:
ونستفيدها من قوله تعالى: ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾. يقول الإمام القرطبي: “وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره. وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه. ونظير هذه الآية قوله سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ اِ۬لْمُخْبِتِينَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: 32-33]، وقوله سبحانه: ﴿اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اِ۬للَّهِۖ﴾ [الرعد: 29][2]” انتهى كلامه.
فالخشوع من أعظم الثمرات التي يجنيها المؤمن من إيمانه القوي بالله. روى الترمذي في سننه من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – ﷺ -قال: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله[3]». وقد توعد الله تعالى من لا يخشع قلبه فقال: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اَ۬للَّهُ صَدْرَهُۥ لِلِاسْلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۖ فَوَيْلٞ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اِ۬للَّهِۖ أُوْلَٰٓئِكَ فِے ضَلَٰلٖ مُّبِينٍۖ﴾ [الزمر: 21].
3- الثمرة الثالثة التي يجنيها المؤمن هي الإنصات لآي الذكر الحكيم:
ونستفيدها من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ﴾؛ لأن المؤمن يلازم مجالس القرآن وأهل القرآن تأسيا بمن نزل عليه القرآن، الذي قال لعبد الله بن مسعود: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ. قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي[4]».
المؤمن يستمع وينصت بخشوع وتدبر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَإِذَا قُرِۓَ اَ۬لْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَۖ﴾ [الأعراف: 204].
4- الثمرة الرابعة التي يجنيها المؤمن هي زيادة إيمانه بالذكر وتلاوة القرآن وغيرها من الطاعات:
ونستفيد ذلك من قوله تعالى: ﴿زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ﴾. قال الإمام القرطبي: “قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ﴾ أي: تصديقا، فإن إيمان هذه الساعة زيادة على إيمان أمس؛ فمن صدق ثانيا وثالثا فهو زيادة تصديق بالنسبة إلى ما تقدم.[5]“.
وقد صرح الله تعالى بثمرة زيادة الإيمان في مواضع أخرى من القرآن الكريم كقوله: ﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٞ فَمِنْهُم مَّنْ يَّقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰناٗۖ فَأَمَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتْهُمُۥٓ إِيمَٰناٗ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَۖ﴾ [التوبة: 125]، وقوله سبحانه: ﴿هُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ اَ۬لسَّكِينَةَ فِے قُلُوبِ اِ۬لْمُومِنِينَ لِيَزْدَادُوٓاْ إِيمَٰناٗ مَّعَ إِيمَٰنِهِمْۖ وَلِلهِ جُنُودُ اُ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ عَلِيماً حَكِيماٗ﴾ [الفتح: 4]. فثبات الإيمان – أيها السادة الكرام – نعمة وأي نعمة وزيادته نعمة أخرى تستوجب الحمد بعد الحمد.
5- الثمرة الخامسة التي يجنيها المؤمن هي التوكل على الله:
ونستفيدها من قوله تعالى: ﴿وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَۖ﴾. أي: يفوضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره ولا يخافون سواه سبحانه. قال ابن كثير: “وعلى ربهم يتوكلون: أي لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان[6]“.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّتَّقِ اِ۬للَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجاٗ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُۖ وَمَنْ يَّتَوَكَّلْ عَلَى اَ۬للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ بَٰلِغٌ اَمْرَهُۥۖ قَدْ جَعَلَ اَ۬للَّهُ لِكُلِّ شَےْءٖ قَدْراٗۖ﴾ [الطلاق: 2-3].
6- الثمرة السادسة التي يجنيها المؤمن هي إقامة الصلاة:
ونستفيدها من قوله تعالى: ﴿اَ۬لذِينَ يُقِيمُونَ اَ۬لصَّلَوٰةَ﴾. قال قتادة: “إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها، وسجودها[7]“.
فأعظِم بها من ثمرة، فالمؤمن يقوده إيمانه إلى إقامة هذا الركن الركين من أركان الدين، وهو أول ما سيحاسب عليه يوم القيامة.
7- الثمرة السابعة التي يجنيها المؤمن هي الإنفاق:
ونستفيدها من قوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ﴾. ونشير إلى أن القرآن الكريم أشار في العنصرين السادس والسابع إلى ثمرة من أعظم الثمرات البدنية وهي الصلاة وإلى ثمرة من أجل الثمرات المالية وهي الإنفاق؛ ليلفت انتباهنا إلى أن المؤمن في الحقيقة يستفيد مجموعة من الثمرات الأخرى البدنية والمالية المتنوعة.
والمؤمن ينبغي أن يكون شاكرا لنعم الله ولن يكون ذلك باللسان فحسب، وليس بالقلب فقط، بل لا بد من شكر الجوارح.
وقد بيَّن لنا الله تعالى بعض مظاهر هذا الشكر الصادر عن الشَّاكرين فقال تعالى عنهم ربنا: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماٗ كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيراٗۖ وَيُطْعِمُونَ اَ۬لطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِيناٗ وَيَتِيماٗ وَأَسِيراً اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اِ۬للَّهِۖ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءٗ وَلَا شُكُوراًۖ﴾ [الإنسان: 7-9].
أيها الأئمة الأفاضل؛ أكد سبحانه أن من ذُكروا هم المؤمنون حقا فقال تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ﴾. فكل من يدعى الإيمان حقا وصدقا فالفيصل هو ما ذُكر سلفا.
أيها السادة الكرام؛ لقد ختم ربنا سبحانه تلك الثمرات السابقات المذكورات بثمَرات أخرى عظيمة وهي ثمرات الآخرة فقال عزوجل: ﴿لَّهُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٞ وَرِزْقٞ كَرِيمٞۖ﴾.
وفي هذا الإطار سألَ رجلُ الحسنَ البصري فقال: يا أبا سعيد؛ أمؤمن أنت؟ فقال له: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا به مؤمن. وإن كنت تسألني عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ اَ۬لذِينَ إِذَا ذُكِرَ اَ۬للَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُومِنُونَ حَقّاٗۖ﴾؛ فوالله ما أدري أنا منهم أم لا[8]؟
فاللهم اجعلنا من المؤمنين حقا، ومن المؤمنين قلبا وقالبا، ظاهرا وباطنا.
آمين والحمد لله رب العالمين.
[1]– صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: “ويحذركم الله نفسه” ، وقوله جل ذكره: “تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك” حديث رقم .6970
–[2] تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن»، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964م. (7/365).
[3]– سنن الترمذي»، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله، حديث رقم: 1734.
[4] – صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، حديث رقم: 4762.
[5]– تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن»، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964م. (7/365).
[6]– تفسير القرآن العظيم: تفسير بن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض – السعودية الطبعة: الثانية، 1420ه- 1999م، (12/4).
[7]– تفسير القرآن العظيم: تفسير بن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض – السعودية الطبعة: الثانية، 1420ه-ـ1999م، (168/1).
[8]– تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن»، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964م. (7/367).
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.