You may also like
Page 6 of 6
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.
أما بعد فيا أيها السادة الأئمة الأفاضل.
حديثنا اليوم سيكون عن دور الايمان في محاسبة النفس وذلك انطلاقا من قول الله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٞ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٖۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ وَلَا تَكُونُواْ كَالذِينَ نَسُواْ اُ۬للَّهَ فَأَنس۪يٰهُمُۥٓ أَنفُسَهُمُۥٓۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَۖ لَا يَسْتَوِےٓ أَصْحَٰبُ اُ۬لنّ۪ارِ وَأَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِۖ أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِ هُمُ اُ۬لْفَآئِزُونَۖ﴾ [الحشر: 18-20].
1- الهداية الأولى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ﴾.
فيه أمر بتقوى الله تعالى، وتشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر.
قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ﴾ أي: في أوامره ونواهيه، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
قال الإمام ابن عاشر متحدثا عن التقوى:
وَحاصِـلُ التَّقْوى اجتنابُ وامتثالْ في ظـاهِرٍ وبـاطِنٍ بِذَا تُنــالْ.
ففي الآية انْتِقَالٌ مِنْ الِامْتِنَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا يَسَّرَ اللَّهُ مِنْ فَتْحِ وخيرِ في الآيات السابقة إِلَى الْأَمْرِ بِتَقْوَى اللَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا مَنَحَ وَمَا وَعَدَ مِنْ صَادِقِ الْوَعْد.
2- الهداية الثانية: ﴿وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ﴾.
قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ اُ۪تَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٞ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٖۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ﴾.
أعاد هذا تكريرا، كقولك: أسرع أسرع..
وقيل: التقوى الأولى التوبة فيما مضى من الذنوب، والثانية اتقاء المعاصي في المستقبل. قال ابن عاشور: “وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اتَّقُوا اللَّهَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا مُرَادًا بِهِ التَّقْوَى بِمَعْنَى الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَهِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ أَرْدَفَ بِقَوْلِهِ: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ. وَيَكُونُ اتَّقُوا اللَّهَ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا مُرَادًا بِهِ الدَّوَامُ عَلَى التَّقْوَى الْأُولَى: أَيْ وَدُومُوا عَلَى التَّقْوَى عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ﴾ [النساء: 135] ([1]).
3- الهداية الثالثة: ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٞ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٖۖ﴾.
وهذا المقطع القرآني هو المقصد الأساسي المنشود بيانه.
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد؛ أَيْ: لِتَتَأَمَّلْ كُلُّ نَفْسٍ فِيمَا قَدَّمَتْهُ لِلْآخِرَةِ.
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد؛ أَيْ: لِتَتَأَمَّلْ كُلُّ نَفْسٍ فِيمَا قَدَّمَتْهُ لِلْآخِرَةِ. أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.
قال الطاهر ابن عاشور:” وَتَنْكِيرُ ﴿نَفْسٞ﴾ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ، أَيْ لِتَنْظُرْ كُلُّ نَفْسٍ، فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالدُّعَاءَ وَنَحْوَهُمَا كَالشَّرْطِ تَكُونُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهَا مِثْلَ مَا هِيَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَ اَحَدٞ مِّنَ اَ۬لْمُشْرِكِينَ اَ۪سْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ [التَّوْبَة: 6]، وَكَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ: يَا أَهْلَ ذَا الْمَغْنَى وُقِيتُمْ ضُرًّا (أَيْ كُلَّ ضُرٍّ)، وَأَطْلَقَ «غَدٍ» عَلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَجَازًا لِتَقْرِيبِ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الْبَعِيدِ لِمُلَازَمَةِ اقْتِرَابِ الزَّمَنِ لِمَفْهُومِ الْغَدِ، لِأَنَّ الْغَدَ هُوَ الْيَوْمَ الْمُوَالِيَ لِلْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ الْمُتَكَلِّم فَهُوَ أَقْرَبُ أَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ قُرَادُ بْنُ أَجْدَعَ:
فَإِنْ يَكُ صَدْرُ هَذَا الْيَوْمَ وَلَّى فَإِنَّ غَدًا لِنَاظِرِهِ قَرِيبُ
وَهَذَا الْمَجَازُ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي لَفْظِ (غَدٍ) وَأَخَوَاتِهِ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
يُرِيدُ بِالْيَوْمِ الزَّمَنَ الْحَاضِرَ، وَبِالْأَمْسِ الزَّمَنَ الْمَاضِي، وَبِالْغَدِ الزَّمَنَ الْمُسْتَقْبَل ([2]).
أيها السادة الكرام،
محاسبة النفس قد تكون قبل القيام بالعمل، سواءً أكان العمل صالحاً أم معصيةً.
وربما تكون المحاسبة بعد القيام بالعمل.
– محاسبة النفس قبل القيام بالعمل:
بأن يقف المسلم إذا همّ بعمل فينظر إن كان موافقاً لأمر الله، ومخالفاً لنهيه، فإن كان كذلك أقدم على فعله، أو أحجم.
– محاسبة النفس بعد القيام بالعمل:
وله أحوال ثلاثة:
أ- محاسبة النفس على فعل طاعةٍ قصّر في فعلها، وهي من حقوق الله تعالى، فلم يقم بفعلها على الوجه الصحيح الذي عليه أن يقوم بها لتكون تامةً.
ب- محاسبة النفس على فعل معصية قام بها. بالعزم على ألّا يعود إليه.
ث- محاسبة النفس على كلّ أمرٍ وفعلٍ مباحٍ قام به، أو كلّ فعلٍ محرم لم يقم به، وكان سبب الفعل أو الترك هو الرياء وعدم ابتغاء وجه الله في ذلك، فيحاسب نفسه على ذلك.
4- الهداية الرابعة: ﴿إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ﴾.
أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير.
فأعمالنا يعلم ما عملنا منها نبتغي بها وجهه، وما عملناه منها نبتغي وجه الناس ومدحهم وثناءهم.
وقد حدد الشرع الحنيف الفيصل بين الأمرين:
»روى مسلم عن أبي ذر قيل: يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن» ([3]).
بمعنى إذا عمل العبد عملا ليثني عليه الناس فهذا رياء.
5- الهداية الخامسة: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَالذِينَ نَسُواْ اُ۬للَّهَ فَأَنس۪يٰهُمُۥٓ أَنفُسَهُمُۥٓۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَۖ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَالذِينَ نَسُواْ اُ۬للَّهَ﴾؛ أي: الذين تركوا أمره.
﴿فَأَنس۪يٰهُمُۥٓ أَنفُسَهُمُۥٓۖ﴾ أن يعملوا لها خيرا؛ قاله ابن حبان. وقيل: نسوا حق الله فأنساهم الله حق أنفسهم؛ قاله سفيان. وقيل: نسوا الله بترك شكره وتعظيمه.
وقال سهل بن عبد الله: نسوا الله عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة ([4]).
6- الهداية السادسة: ﴿لَا يَسْتَوِےٓ أَصْحَٰبُ اُ۬لنّ۪ارِ وَأَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِۖ أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِ هُمُ اُ۬لْفَآئِزُونَۖ﴾.
هذه الهداية هي خاتمة هذه الهدايات وخلاصتها.
قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِےٓ أَصْحَٰبُ اُ۬لنّ۪ارِ وَأَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِۖ﴾ أي: في الفضل والرتبة.
﴿أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِ هُمُ اُ۬لْفَآئِزُونَۖ﴾ أي: المقربون المكرمون. وقيل: الناجون من النار. وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في” المائدة “عند قوله تعالى: ﴿قُل لَّا يَسْتَوِے اِ۬لْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ﴾ [المائدة: 102]، وفي سورة” السجدة “عند قوله تعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُومِناٗ كَمَن كَانَ فَاسِقاٗۖ لَّا يَسْتَوُۥنَۖ﴾ [السجدة: 18]، وقوله سبحانه: ﴿أَمْ نَجْعَلُ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِے اِ۬لَارْضِۖ أَمْ نَجْعَلُ اُ۬لْمُتَّقِينَ كَالْفُجّ۪ارِۖ﴾ [ص: 27].
وخلاصة الكلام أن ﴿أَصْحَٰبُ اُ۬لْجَنَّةِ هُمُ اُ۬لْفَآئِزُونَۖ﴾ أي: الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل.
فاللهم اجعلنا من الفائزين، واجعلنا من الحامدين الشاكرين الذاكرين المخلصين.
آمين والحمد لله رب العالمين.
([1]) التحرير والتنوير لابن عاشور، الدار التونسية للنشر – تونس: 1984 هـ – تفسير سورة الحشر، الآية 18؛ (28/ 112).
([2]) التحرير والتنوير لابن عاشور، الدار التونسية للنشر – تونس: 1984 هـ – تفسير سورة الحشر، الآية 18؛ (28/ 111).
([3]) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثنى على الصالح فهي بشرى ولا تضره، حديث رقم 2642.
([4]) «تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن»، أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة الثانية: 1384 هـ – 1964 م، (18/ 43).
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.