You may also like
Page 2 of 6
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أيها السادة الأئمة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
مرحبا بكم في ساحة فن من الفنون ومادة من المواد المتصلة بالفقه وأصوله، إنها “القواعد الفقهية” وسنحاول افتتاحها بمقدمات ممهدات تتعلق بأهميتها، وما يحتاج إليه من الاصطلاحات.
تعد القواعد الفقهية فنا من فنون الفقه الإسلامي، ومنهجا لتجديد التحصيل الفقهي، فبعدما تكاثرت الفروع الفقهية المستنبطة من أدلة الفقه التفصيلية؛ احتيج إلى صيغ جديدة تجمع شتات الفروع ذوات التشابه، أو التقارب المقصدي، أو السببي، أو الحكمي، فصاغ الفقهاء الأحكام الجزئية؛ في قوالب كلية؛ بعدما وجدوا لذلك أصلا، وتمهيدا من بعض النصوص الشرعية؛ التي تُعَدّ قضايا كلية لكثير من الأحكام الشرعية؛ مثل حديث: “لا ضرر ولا ضرار” وحديث: “الخراج بالضمان” كما سنرى في قابل الأيام إن شاء الله.
ومن هنا نشأت القواعد، والأشباه، والنظائر الفقهية.
أهمية معرفة القواعد الفقهية:
معرفة القواعد الفقهية من أهم المعارف التي يحتاج إليها الفقيه؛ لجمع شتات الأحكام الشرعية، وتقريب العلاقات بينها؛ باختلاف الأبواب الفقهية، أو من خلال تلكم القضايا الكلية المتعلقة بباب واحد؛ ضمن ما يصطلح عليه بالضوابط الفقهية…
ومما يشير إلى أهمية معرفة هذه القواعد قول الإمام القرافي رحمه الله:
“أما بعد؛ فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا، اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
أحدهما المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ …
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه – وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال -، فبقي تفصيله لم يتحصل، وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء… ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات([1]). ويقول – رحمه الله تعالى -:”… إن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا، وذلك هو الباعث لي على وضع هذا الكتاب لأضبط تلك القواعد بحسب طاقتي …”([2])، وهو يقصد كتابه المشهور اختصارا باسم: “الفروق“.
ولعل ذلك مضمن في كلام العلامة الفقيه الكبير ابن رشد الجد إذ قال – رحمه الله تعالى، وهو يشير إلى كتابه “المقدمات الممهدات …” في خطبته لكتابه “البيان والتحصيل” -:
“فإذا تخلص بعون الله تعالى ونقل من مسودته إن شاء الله تعالى، وجمعه الطالب إلى هذا الكتاب، حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه، وعرف العلم من طريقه، وأخذه من بابه وسبيله، وأحكم رد الفرع إلى أصله …”([3]).
فالأصولي محتاج إلى زاد فقهي يكتسب به الخبرة، والتجربة، والقدرة على استنباط سليم للأحكام؛ من خلال صقل ملكته بجهود العلماء السابقين قبل الانتصاب للاجتهاد في النوازل المستجدة.
وقذ ذكر صاحب الديباج – وهو ابن فرحون رحمه الله – عند ترجمة ابن بشير ما نصه: “وكان – رحمه الله – يستنبط أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه، وعلى هذا مشى في كتابه: “التنبيه” وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على أنها غير مخلصة، والفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصلية.”([4])
ويمكن تشبيه الصلة بين الحكم الشرعي، والدليل، والقاعدة الأصولية، والقاعدة الفقهية، بالماء والبئر والدلو والحوض – على اللف والنشر المرتب.
فالحكم الشرعي كالماء، والدليل كالبئر، والقاعدة الأصولية كالدلو أو المضخة لاستخراج الماء، والقاعدة الفقهية كالحوض الخزان للمياه المستخرجة من الآبار.
وإنما أخذت هذا التشبيه من تسمية الشريعة بالشريعة أخذا من شريعة الماء؛ لتوقف حياة الأرواح على الشريعة كتوقف حياة الأبدان على الماء.
فإذن القواعد الفقهية مركب وصفي ينبغي الحديث عن جزئيه، وهما: “القواعد” و”الفقه” المنسوبة إليه القواعد.
فالقواعد على وزن فواعل جمع قاعدة، وهو من أمثلة جمع الكثرة، وهو مطرد في هذه الأنواع السبعة المشار إليها بقول ابن مالك رحمه الله:
فواعل لفوعل وفاعَل | وفاعلاء مع نحو كاهل |
وحائض وصاهل وفاعلة | وشذ في الفارس مع ما ماثله([5]) |
وزاد في الكافية فوعلة كصومعة صوامع… الخ.
فالقاعدة في اللغة – باختصار – يرجع معناها إلى جنس الثبات، والاستقرار، ومن ذلك إطلاقها بمعنى الأساس كأساس البيت، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ اُ۬لْقَوَاعِدَ مِنَ اَ۬لْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُۖ﴾ [البقرة: 126]. وقول الله تعالى: ﴿فَأَتَى اَ۬للَّهُ بُنْيَٰنَهُم مِّنَ اَ۬لْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: 26]. وهناك شواهد أخرى ذات صلة بأصل هذا المعنى.
من تعاريف القاعدة والقاعدة الفقهية:
وأما في الاصطلاح فالقاعدة من حيث هي من غير تقييد لها بفقهية أو غيرها؛ لها تعاريف منها:
“قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها.”([6])
“قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها.”([7])
ومنها أنها: “الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته.”([8])
ومنها أنها: “الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه.” ([9])
وأما القاعدة الفقهية فمن تعاريف المالكية قول الإمام المقري رحمه الله تعالى: “ونعني بالقاعدة كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود، وجملة الضوابط الفقهية الخاصة”([10]).
قال الفقيه المنجور رحمه الله: “يعني لا يقصد القواعد الأصولية العامة، ككون الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس حجة، وكحجية المفهوم، والعموم وخبر الواحد، وكون الأمر للوجوب والنهي للتحريم ونحو ذلك، ولا القواعد الفقهية الخاصة كقولنا: كل ماء ما لم يتغير أحد أوصافه طهور، وكل طير مباح الأكل، وكل عبادة بنية، ونحو ذلك، وإنما المراد ما توسط بين هذين مما هو أصل لأمهات([11]) مسائل الخلاف، فهو أخص من الأول، وأعم من الثاني…([12])
وفي الحصة المقبلة إن شاء الله تعالى نتمم توضيح بعض المصطلحات المذكورة هنا ونصل ذلك بلواحقه وما يليها إن شاء الله تعالى.
فاللهم اجمع الجوامع وامنع الموانع يا رب العالمين.
([1]) الفروق للإمام القرافي 1 /2-3 باختصار (ط: عالم الكتب).
([2]) الفروق للقرافي 2:/ 110 طبعة عالم الكتب.
([3]) البيان والتحصيل لابن رشد الجد 1/ 32.
([4]) الديباج المذهب لابن فرجون 1/266 ط: دار التراث تحقيق أبي النور وينظر: تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية لمحمد علي بن حسين المالكي 1/10
([5]) ألفية ابن مالك بشرح المرادي 1/ 1400
([7]) شرح مختصر ابن الحاجب للعضد الإيجي مع حواشيه 1/69
([8]) المصباح المنير مادة: (ق ع د)
([9]) الأشباه والنظائر للسبكي 1/11 طبعة دار الكتب العلمية.
([10]) قواعد الفقه للإمام المقري ص: 77 تحقيق د. الدردابي ط: دار ابن حزم ودار الأمان.
([11]) يقال أمات وأمهات، والخطب سهل.
([12]) شرح المنهج المنتخب للمنجور 1/109 تحقيق محمد الشيخ محمد الأمين ط: دار عبد الله الشنقيطي.
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.