You may also like
Page 2 of 5
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها السادة الأئمة الفضلاء.
نلتقي معكم اليوم في رحاب مادة علمية جديدة هي مادة “أصول المذهب المالكي” ضمن البرامج التكوينية لخطة ميثاق العلماء في سياق التكامل المعرفي بين العلوم الشرعية التي تفيد إمام المسجد.
وإننا بحول الله تعالى سنشرع في هذه المادة مراعين خطوات منهجية تتسم بأمور منها:
أولا: معنى أصول الفقه إجمالا:
لديكم حصة خاصة في التعريف وباقي المبادئ، واليوم نشير إلى تصور عام فيما يلي:
تحدث علماؤنا عن هذا العلم بعبارات تختلف لاختلاف الاعتبارات فمنها قول القاضي أبي بكر الباقلاني – رحمه الله تعالى:
فأما أصول الفقه فهي: العلوم التي هي أصول العلم بأحكام أفعال المكلفين، وقد عُلم أن العلم بهذه الأحكام لا يحصل إلا عن نظر في أدلة قاطعة وأمارات يؤدي النظر فيها إلى حصول العلم بأحكام فعل المكلف، إما عن الدليل القاطع بغير توسط غلبة ظن لذلك، أو بتوسط غلبة الظن بحصول الحكم…[1]
وقول القاضي أبي بكر ابن العربي المعافري في محصوله: “أما الفقه فهو معرفة الأحكام الشرعية وأما أصوله فهي أدلته”[2]
ثانيا: موقع علم أصول الفقه:
قال ابن جزي رحمه الله تعالى: ” … إن العلوم على ثلاثة أضرب: علم عقلي، وعلم نقلي، وعلم يأخذ من العقل والنقل بطرف، فلِذلك أشرفَ في الشرف على أعلى شرف، وهو علم أصول الفقه الذي امتزج به المعقول بالمنقول، واشتد على النظر في الدليل والمدلول، وإنه لنعم العون على فهم كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وناهيك من علم يرتقي الناظر فيه عن حضيض رتبة المقلدين، إلى رفيع درجات المجتهدين، وأقل أحواله أن يعرف وجوه الترجيح فيفرق بين الراجح والمرجوح، ويميز بين السقيم والصحيح.”[3]
فهو ملتقى العلوم الشرعية وأساسها، ومنبعها وغراسها، تتلاقح فيه قواعدها وتتجلى فيه فوائدها وتجنى فيه فرائدها وثمارها، فهو فقه أدلة الأحكام، ومحجة شريعة سيد الأنام، ومنه تُنحت قواعد الإقناع لكل سائل، وتصاغ كجواهر القلائد للمسائل. فهو جليل القدر، سال به مداد دثر، وألّت في سمائه ضوابط المسائل، فأمطرت أنواؤها بكل بنائل.
وإن هذا العلم كما لا يخفى على كثير منكم علم يتصل بالخطاب الشرعي كتابا وسنة اتصالا وثيقا لاستنباط الأحكام وقواعدها.
ثالثا: أهمية تعلمه:
قال الإمام القرافي رحمه الله تعالى: – في فضيلة هذا العلم –
“… لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة قليل ولا كثير، فإن كل حكم شرعي لا بد له من سبب موضوع، ودليل يدل عليه وعلى سببه، فإذا ألغينا أصول الفقه ألغينا الأدلة، فلا يبقى لنا حكم ولا سبب، فإن إثبات الشرع بغير أدلته، وقواعدها بمجرد الهوى خلاف الإجماع، ولعلهم لا يعبئون بالإجماع، فإنه من جملة أصول الفقه، أو ما علموا أنه أول مراتب المجتهدين، فلو عدمه مجتهد لم يكن مجتهدا قطعا، غاية ما في الباب أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لم يكونوا يتخاطبون بهذه الاصطلاحات، أما المعاني فكانت عندهم قطعا.”[4]
لذا “فإن علم أصول الفقه مما يتعين على طالب العلوم الشرعية الاعتناء بالاشتغال به، فإن علم الفروع ثمرة له، ومن لم يحفظ الأصل كيف يتأتى له الانتفاع بالثمرة، لأن قوام الثمار بأصولها”.[5]
قال القرافي رحمه الله تعالى:
الله تعالى أوجب علينا تعلم أصول الفقه لنبني عليها الفقه، وتعلم ما يجب لله تعالى وما يستحيل عليه، وما يجوز وغير ذلك من أصول الدين.[6]
فأفضل ما اكتسبه الإنسان علمٌ يسعد به في عاجل معاشه، وآجل معاده، ومن أفضل ذلك علم أصول الفقه؛ لاشتماله على المعقول والمنقول، فهو جامع أشتات الفضائل، والواسطة في تحصيل لباب الرسائل، ليس هو من العلوم التي هي رواية صرفة لا حظ لشرف النفوس فيه، ولا من المعقول الصرف الذي لم يحض الشرع على معانيه، بل جمع بين الشرفين، واستولى على الطرفين، يحتاج فيه إلى الرواية والدراية، ويجتمع فيه معاقد النظر، ومسالك العبر، من جهله من الفقهاء فتحصيله أجاج، ومن سلب ضوابطه عدم عند دعاويه الحجاج، فهو جدير بأن ينافس فيه، وأن يشتغل بأفضل الكتب في تلخيصاته ومبانيه.[7]
وفي مرتقى الوصول لابن عاصم رحمه الله تعالى:
علم أصول الفقه علم نافع لقدر مستول عليه رافع[8]
وفي التقريب أيضا: باب البيان عن الأمر المطلوب علمه بالنظر في أدلة الفقه وأصوله.
اعلموا أن المطلوب بالنظر في أصول الفقه وأدلته إنما هو حكم فعل المكلف الشرعي دون العقلي…[9]
قال الإمام القرافي رحمه الله تعالى: – نقلا عن غيره -: لا يجوز التقليد في أصول الفقه، ولا يكون كل مجتهد فيه مصيبا، بل المصيب واحد بخلاف الفقه في الأمرين.[10]
قال: والمخطئ في أصول الفقه ملوم، بخلاف الفقه هو مأجور، فهذه ثلاث قواعد خالف فيها الفقه أصوله؛ لأن أصول الفقه ملحق بأصول الدين، وأصول الدين كذلك، ولم يحك في ذلك خلافا، غير أنك ينبغي أن تعلم أن من أصول الفقه مسائل ضعيفي المدارك كالإجماع السكوتي والإجماع على الحروب ونحو ذلك، فإن الخلاف فيها قوى، والمخالف فيها لم يخالف قاطعا بل ظنا، فلا ينبغي تأثيمه، كما أنا في أصول الدين لا نؤثم من يقول: العرض يبقى زمنين، أو ينفي الخلاء، وإثبات الملأ، وغير ذلك.[11]
ذلك أن فقهاءنا كانوا على دراية بالأدلة الشرعية ومعرفة بمنهج تنزيلها حسب المناطات المختلفة.
من فوائد علم أصول الفقه:
لأن الخطاب الشرعي له مذاق خاص وفق عدة قواعد وضوابط يعتبرها الفقهاء لاستخلاص مقصود الشرع من آية أو أثر، ومن لا يعرف أصول الفقه لا يقدر الأئمة حق قدرهم.
إذ ليس كل ما هو دليل شرعي صالحا للاحتجاج في جميع الأحوال، فقد يحتج بالدليل تارة ويقدح فيه تارة أخرى لاختلاف المناط أو لمعارض راجح في فرع خاص مثلا.
وهو معرفة الراجح من المرجوح في الأدلة الشرعية وما يقدم منها على غيره أو ما يمكن تسميته مراتب الأدلة.
بأصول الفقه نستطيع الإقناع بما عليه أئمتنا ورد ما قد يرد من شبهات عليه.
والله تعالى أعلى وأعلم وأكرم.
[1]– التقريب والإرشاد الصغير 1/172
[2]– المحصول في أصول الفقه لأبي بكر ابن العربي ص:21
[3]– تقريب الوصول إلى علم الأصول لابن جزي الغرناطي المالكي ص: 15 وأصل الكلام للإمام الغزالي في المستصفى 1/3
[5]– لباب المحصول في علم الأصول لابن رشيق 1/188
[6]– شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول للقرافي ص: 17
[7]– نفائس الأصول في شرح المحصول للإمام القرافي رحمه الله 1/14 ط: دار الكتب العلمية
[8]– مرقى الوصول إلى الضروري من الأصول لابن عاصم الغرناطي ص: 101
[9]– التقريب والإرشاد الصغير للباقلاني 1/274
[10] نفائس الأصول 1/46
[11]– نفائس الأصول في شرح المحصول 1/161
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.