جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع: «من أمارات قَبول الصيام الخلقُ الحسنُ وكفُّ الأذى عن الناس»

بسم الله الرحمن الرحيم 
خطبة منبرية في موضوع: «من أمارات قَبول الصيام الخلقُ الحسنُ وكفُّ الأذى عن الناس»
ليوم 27 رمضان 1446هـ / 28 مارس 2025م


الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، نحمده سبحانه وتعالى إذ أنزل علينا خيرَ كتبه، وأرسل إلينا خير رسله، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، ونشكره، جل وعلا، على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، ومصطفاهُ وخليلهُ، أصدقُ الناس لهجةً وألينُهم عريكةً وأحسنُهم خُلقا وأكثرُهم توبةً واستغفارا، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، من الأنصار والمهاجرين، ومن تبعهم وسلك نهجهم القويم إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، فها هي أيام رمضانَ المعدودات على وشْك الانتهاءِ والانصِرام، بكل لياليها وأيامِها المباركات، وهدوءِها وسكينتِها وتلاواتِ القرآن في الخلواتِ والجلوات، وبذلِ الأعطياتِ ورعايةِ الفقراء والمساكين من ذوي الحاجات، والتحلي بالإيثار والتداوي بالصدقات، تاركةً وراءها آثارَها الإيجابية في الأنفس والأبدان والأرواح والمجتمعات. فما أحسنَ صيامَه وقيامَه، وما أسرعَ ليَاليَه وأيَّامَه.

والمأمول للمؤمنين والمؤمنات أن يترك هذا الشهر في نفوسهم آثارَه التي تزيدهم على الدوام قوةً في الإيمان وإقبالا على اغتنام المكرمات بحزم واحتسابٍ وإيقان.

عباد الله، إن شهرَ الصيام مدرسةٌ خُلُقِيَّةٌ له غايات جاء من أجل ترسيخها، وله رسائلُ أودعَها صدورَ العباد، تَحمِلُهم على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، وتجنبهم الوقوعَ في المخالفات في حق الله تعالى وحق العباد. نلخصها فيما يلي:

أولا: ترسيخُ الأخلاقِ الفاضلة: إن الغاية من الصيام هي توحيدُ الله تعالى والتسليمُ له وإخلاصُ العبادةِ لهُ، ثم التَّحَلِّي بالأخلاقِ الفاضلةِ من الصِّدْقِ والصَّبْرِ والوفاء لله وللعباد، وغَضِّ البَصر وكفِّ الأذى ونشرِ الكلمةِ الطيبةِ والمودةِ بين النَّاس، والعفةِ عن المحارمِ والبُعْدِ عن الفِتَن، كل ذلك وغيرُهُ يستفاد من معنى الصِّيام الذي هو الإمْساكُ عمَّا حرَّم الله تعالى. وهو أعلى أنواعِ العبادات، كما قال النبي ﷺ:

"اتق المحارم تكن أعبد الناس..."[1].

فتقوى الله تعالى هي الثمرة الكبرى والجامعة لكل معاني الصيام.

ثانيا: اجْتِنابُ المعاصي والفِتَن، فمن أهدافِ الصِّيامِ تَجْنِيبُ المسلم مواطن الفتن والمعاصي، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

قال الله، تعالى: كلُّ عَملِ ابن آدم لهُ، إلاَّ الصيامَ، فإنهُ لي وأنا أجْزِي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يَوْمُ صومِ أحدكم، فلا يرفُث ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قَاتَلَهُ، فليقُلْ إنِّي امرؤٌ صائم "[2].

فالمراد من هذا التوجيهِ النَّبوي هو اجتنابُ الفِتنِ وأهلِها، وحمايةُ النَّفْسِ من رُدود الأفعالِ السَّيئةِ والقبيحة، والأمرُ بالدَّفْع بالتي هي أحسن.

ثالثا: الحِرصُ على قبولِ العملِ عند الله تعالى، وذلك بمُلازمةِ مجموعةٍ من الأمورِ، فالقبولُ سِرٌّ من أسرار الله، لا يعرفُه أحدٌ ولا يحكم به أحدٌ على أحد، وإنَّما يَرْصُدُ المسلمُ أَمَارَاتِهِ لتساعدَه على التزام الإنابة وباب التوبة، ومن أمارَاتِهِ تقوى الله تعالى لقوله سبحانه:

إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اُ۬للَّهُ مِنَ اَ۬لْمُتَّقِينَۖ[3].

  • فالتقوى أمارةٌ كبيرةٌ من أمارَاتِ القبولِ وهي ثمرةٌ كبرى من ثِمارِ الصِّيام.
  • ومنها ( أي أمَارَات القَبول): استِصغارُ العملِ وعدمُ العُجْبِ به، فالمؤمنُ دائماً يَنْظُرُ إلى عمله مهما كان على أنه قليلٌ، يرجو معه رحمةَ الله ويخافُ عذابَه، ولا يُصِيبُه الغُرُورُ والإعْجَابُ، فهما من أكبرِ معاولِ إفسادِ الأعمال.
  • ومنها: الثباتُ على الطاعة ودَوامُها، فإذا عمل المؤمنُ عملا صالحا وداومَ عليه، وأتْبَع الحسنةَ حسناتٍ، فذلك من علاماتِ القَبُولِ. وقد "كان النبي ﷺ،

إذا عَمِلَ عَمَلاً أثْبَتَهُ"[4]

أي داوم عليه،

"وإنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ"[5].

  • ومنها: حُبُّ العبادة وتَمَنِّي دوامَها، فالمؤمن يتمنى لو كان العامُ كلُّه رمضان؛ لما وَجَدَ فيها من لذَّة الطَّاعة وَقُرةُ عَيْنِ العِبادة.
  • ومنها: العزمُ على ترك المعصية، وصحةُ التوبة وكثرةُ الاستغفار، فإذا تغيَّر حالُ المؤمن من سيءٍ إلى حسن، أو من حسنٍ إلى أحسن، فتلك علامةٌ من علامات القَبول، ودليلٌ على أن الباب قد فُتِح له، فَلْيُدَاوِمْ على الاستغفار مِمَّا قدَّم أو أخَّر، كما كان النبي ﷺ يفعل؛ إذ يُكثر من قوله، وهو المعصوم من الذنوب:

"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"[6].

ألا فاتقوا الله عباد الله، واستغفروه يغفر لكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله وليُّ الصالحين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبادَ الله، إن من علامات القَبول الحرصَ على اغتنام ما تبقى من أيام وساعات رمضان بالطاعات والمَبَرَّات، ومن أهمها ما شَرعَه الله تعالى ورسولُه من زكاة الفطر التي تُكَمِّلُ الصيامَ، وتُطَهِّر الصائمَ مما قد يَصْدُرُ منه من المخالفات، لما روى أبو داود عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال:

"فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زكاةَ الفطر طُهْرَةً للصائم من اللغو والرَّفَث وطُعْمَةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقةٌ من الصدقات"[7].

وهي كذلك زكاة الأبدان لما روى الإمام مالك عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،

"فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تَمْرٍ أو صاعا من شعير على كل حُرٍّ أو عبدٍ ذكرٍ أو أنثى من المسلمين"[8].

ويجوز إخراجُهَا نَقْداً ومقدارُها - كما ورد في إعلان المجلس العلمي الأعلى لهذه السنة – هو 23 درهما. ويجوز إخراجُها قبل العيد بيومٍ أو يومين، ليستفيد منها الفقراء والمساكين يوم العيد.

ومن تمام النِّعمة الموجبة لشكر الله تعالى إقامةُ ذكرِ الله وصلاةِ العيد بآدابها، لقول الله تعالى:

وَلِتُكْمِلُواْ اُ۬لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيٰ مَا هَد۪يٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَۖ[9].

اتقوا الله، عباد الله، وأكثروا من الصلاة والتسليم على الهادي الأمين، سيدنا محمد ﷺ، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد بما هو أهله وصل وسلم على سيدنا محمد كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة أجمعين، الأنصار منهم والمهاجرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. اللهم احفظه بحفظ كتابك، وأَعِدْ عليه أمثال هذه الأيام المباركات، في تمام الصحة وجميل العافية، وأقِرَّ عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشُدَّ أزر جلالته بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وتغمد اللهم بواسع رحمتك وجميل عفوك الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم أَعِدْ علينا رمضان مَرَّاتٍ عديدة وكَرَّاتٍ مديدة، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام، واحشرنا في زمرة خير الأنام، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

[1] - سنن الترمذي أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس، رقم الحديث: 2305.

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 10186.

[2] - صحيح البخاري كتاب الصيام باب هل يقول: إني صائم إذا شتم، رقم الحديث: 1805.

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 1739.

[3] - سورة المائدة، الآية: 29.

[4] - صحيح مسلم كِتَاب صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا باب جامع صلاة الليل، وَمَنْ نَامَ عَنْهُ أَوْ مَرِضَ رقم الحديث: 746.

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 1062

[5] - سنن أبي داود، كتاب الصلاة - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة رقم الحديث: 1368

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 4768

[6] - صحيح البخاري، كتاب الأذان باب التسبيح والدعاء في السجود، رقم الحديث: 817.

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 661

[7] - سنن أبي داود كتاب الزكاة باب زكاة الفطر، رقم الحديث: 1609

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 6821

[8] - الموطأ كتاب الزكاة باب مكيلة زكاة الفطر، رقم الحديث: 52

رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 1459

[9] - سورة البقرة، الآية: 184.

شاهد أيضا

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)