جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع: «أسرار الحج في مقاصده وآدابه» ليوم 04 ذو القعدة 1446 هـ الموافق ل02 ماي 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع: «أسرار الحج في مقاصده وآدابه»
ليوم الجمعة 04 ذو القعدة 1446 هـ الموافق ل02 ماي 2025م

الحمد لله جعل المشاعر العظام لإقامة ذكره، وشرع فيها من المناسك ما يكون سببا في استدامة شكره، نحمده سبحانه وتعالى على أن هدانا لسنن الأنبياء والمرسلين، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة إيمان ويقين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبلغ بالحق عن الحق، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاما دائمين بدوام ملك الله، وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحابته الغر الميامين الأبرار، وعلى التابعين لهم ما تتابع الليلُ والنهارُ.

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:

وَأَذِّن فِے اِ۬لنَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاٗ وَعَلَيٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ (25) لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اُ۪سْمَ اَ۬للَّهِ فِےٓ أَيَّامٖ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَيٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ اِ۬لَانْعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ اُ۬لْبَآئِسَ اَ۬لْفَقِيرَۖ[1].

عباد الله، في هاتين الآيتين الكريمتين لخص الحق سبحانه مقاصد الحج وغاياته، التي تثمر ما يرمي إليه من الإخلاص والتوحيد، وحسن المعاملة والسلوك الحسن، واعتبر ذلك منافع للناس.

وجاءت كلمة منافع بصيغة النكرة لتشمل جميع المنافع المستفادة من الحج والعمرة، نذكر منها:

أولها: إقامة ذكر الله تعالى وإخلاص العبادة له، لقول النبي ﷺ:

“إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله”[2].

ثانيها: التجرد من الهوى وشهوات النفس ونزغات الشيطان، فذلك ما يرمز إليه الإحرام والتجرد من المخيط والمحيط، خروجا من المألوف وتأديبا للنفس على نكران الذات والتحلي بالإيثار.

ثالثها: التحلي بالأخلاق الفاضلة في زمن فاضل ومكان فاضل حتى يتسم المؤمن بمكارم الأخلاق، مصداقا لقول الله تعالى:

اِ۬لْحَجُّ أَشْهُرٞ مَّعْلُومَٰتٞۖ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ اَ۬لْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِے اِ۬لْحَجِّۖ[3]

إخوة الإسلام، علينا أن نتنبه إلى ما في هذه الآية من أخلاق، وكيف جعلها، جل جلاله، لُبَّ شعيرة الحج وشعاره، ولم يذكر بدلها فرائض الحج ولا سننه ولا محظوراته على أهميتها؛ وذلك من أجل أن يبين الغاية والمقصد الأساس من الحج.

وأكد علينا النبي ﷺ في هذا المعنى فقال:

“من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”[4].

رابعها: تعظيم شعائر الله، لقول الله تعالى:

  وَمَنْ يُّعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ اَ۬للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَي اَ۬لْقُلُوبِۖ [5]

فتعظيم شعائر الله من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها، من أسباب تنمية التقوى وترسيخها في القلوب، وحينئذ ينتج عنها أسرار الحج وحكمه البالغة التي يستفيدها الحاج والمعتمر في هذه الرحلة الربانية. إذ التقوى هي الغاية من الحج، كما هي الغاية من الصيام والصلاة وغيرهما.

خامسها: شهود المنافع التي أشار إليها القرآن الكريم، والمؤمنُ المخلصُ في عبادته المتصفُ بالأخلاق الحميدة والسلوك الحسن، لا شك أنه سيستفيد منافعَ تعبديةً في زيادة منسوب الإيمان في قلبه، ومنافع دنيويةً في هذا الحشد من المؤمنين من كل جهات العالم مما يفيده اجتماعيا واقتصاديا وتعارفا وشعورا فياضا بانتمائه لدين الإسلام، ويتحقق قول الله تعالى:

وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞۖ[6]

ألا فاتقوا الله، عباد الله، واحرصوا على اكتساب ثمرات الطاعات في العبادات والمعاملات والسلوك، واسألوا الله من فضله، فإنه يحب الملحين في الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي المن والعطاء، له الفضل وعظيم الثناء، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن على نهجهم اقتفى.

عباد الله، إن من أهداف وغايات خطة تسديد التبليغ استجلاءَ أسرار العبادات وحكمِها، وإبرازَ ثمراتها المرجوةِ في حياة الناس أفرادا وجماعات، وإن من أسرار مقاصد الحج المذكورة توحيدَ الله تعالى ذكرا وشكرا، وتحريرَ العباد من عبادة الأهواء ونزغات الشيطان، واكتسابَ ملكة التقوى الدافعةِ إلى الطاعة والمانعةِ من المعصية، والتدربَ على الصبر والتحمل والتسامح مع الناس جميعا مع الإيثار والتفاني في خدمة الغير، مصداقا لقول النبي ﷺ:

“أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولَأن أمشيَ مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكفَ في هذا المسجد -مسجد المدينة- شهرا”[7] .

وهذه الأسرار، عباد الله، ليست قاصرة على الحجاج وحدهم، وإنما هي متاحة لكل مسلم، فمن لم يتيسر له الحج، ولم تتوفر له الاستطاعة، فله بدائل أخرى في عبادات أخرى، تعوضه بما قد يصل به إلى درجة الحج والعمرة وغيرهما.

فالذكر وشكر النعم واكتساب التقوى وحب الخير للغير متاح في الحياة كلها، كل في موقعه، فتعليم الناس عبادة عظيمة، ومعالجتهم، وحراسة أمنهم وتوفير المواد الغذائية لهم، وتسهيل قضاء حوائجهم عبادة عظيمة، وحفظ الأمانات، والوفاء بالعهود، وكل خير يقدمه المسلم لغيره، فهو له صدقة وعبادة، قد يدرك بها ما لا يدرك غيره من الأجر والثواب عند الله تعالى مع ما يشعر به من لذة الطاعة وعزها في قرارة نفسه. ويعيش به حياة طيبة ملؤها المحبة والسخاء.

اتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على سيدنا محمد هادي الأمة، وكاشف الغمة، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بحفظ كتابك، قرير العين بولي عهده المشمول بعنايتك، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأدم علينا نعمة الطاعة والعبودية لك، وجنبنا اتباع الهوى وسبل الشيطان،

اللهم ارحمنا وارحم والدينا وارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

[1] – الحج 25-26.

[2] – صحيح ابن خزيمة كتاب المناسك باب الذكر عند رمي الجمار 4/279. وسنن أبي داود كتاب المناسك باب في الرمل، 2/118. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف 7040.

[3] – البقرة 196.

[4] – صحيح البخاري كتاب الحج باب فضل الحج المبرور، 2،133. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف 2161.

[5] – الحج 30.

[6] – الحجرات 13.

[7] – الطبراني في المعجم الكبير 12/453. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف 11184.

شاهد أيضا

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)