جارٍ تحميل التاريخ...

حفل توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية (دورة1446هـ) على صعيد المجالس العلمية المحلية بجهة الشرق

حفل توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية (دورة1446هـ) على صعيد المجالس العلمية المحلية بجهة الشرق

نظم يوم الثلاثاء 30ربيع الأول1447هـ الموافق لـ 23 شتنبر2025م بمقر المجلس العلمي المحلي لوجدة حفل توزيع الجوائز على الفائزين بجائزة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية (دورة1446هـ) على صعيد المجالس العلمية المحلية بجهة الشرق، حيث تم تكريم ثمانية خطباء، متميزين وقع الاختيار عليهم وفق الشروط المنصوص عليها في المرسوم المنظم للجائزة. وقد ألقى فضيلة الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى كلمة بالمناسبة وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

بمناسبة هذا اللقاء التواصلي التكريمي للسادة الخطباء الفائزين، وكل الخطباء فائزون في الواقع، بالنظر إلى شرف مهمة التبليغ والتأطير التي يضطلعون بها؛ يسرني التذكير بجملة قضايا لا شك أن السادة الخطباء والحضور الكريم على علم بها، لكنني أذكرها فقط من باب توسيع وتنويع النظر إلى جوانبها المختلفة.

على رأس هذه القضايا وجوبُ تَذَكُّرِ أن جوهرَ وروحَ الدين أخلاقٌ وتخلُّق، وأن فلسفتَه ومقاصدَه العليا الأخلاقُ والتخليقُ؛ بل إن طبيعة “استصلاح الإنسان لهذه الحياة“، حسب عبارة الأصفهاني رحمه الله في: ” تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين”، تَمَيُّزُهُ بهذا التركيب المزدوَج من قبضة الطين التي يخالط بها المخلوقات الأرضية، ومن نفخة الروح التي يسمو بها إلى مشاركة المخلوقات العلوية؛ وهو في سموه وتعلقه بالمعاني، أو في دنوه وتعلقه بالمباني، إنما يفعل ذلك بمجاهدة نفسه في التخلق والتحقق، وفي حملها على المكارم والفضائل.  وإذا كانت الفطرة دينا، وكان الدين أخلاقا، فإن الفطرةَ أخلاقٌ من غير شك.

ففي الآية الكريمة نقرأ قوله تعالى:فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون“(سورة الروم/الآية:30).

 وورد في الحديث النبوي الشريف: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِدَانه أو يُنصِرَانِه أو يُمَجسانه” (متفق عليه).

وورد أيضا: “إني خلقت عبادي حنفاءَ فاجتالتهم الشياطين ” (مسلم).

ومثل ذلك أيضا في قوله تعالى: “ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها“(سورة الشمس/ الآيات 08 إلى 10)؛ حيث إن الفجور والتقوى، والتزكية والتدسية، ومثيلاتها في الخير والشر، والمعروف والمنكر، والصلاح والفساد، والحسن والقبح…، كل ذلك هو رهانُ ابتلاءِ الإنسان وتمحيصِه في هذه الحياة، ليحوز الفلاح أو ليجني الخسران.

 والأحاديثُ تترى في بيان عُلو وشرف التَخَلُّق، ففي الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ما من شيء أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة، من حسن الخلق” (رواه المنذري).

وفيه” إن من أحبِكم إلي وأقربِكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا” (رواه الترمذي).

وفيه” أكمل المؤمنين إيمانا، أحسنهم أخلاقا” (رواه أبو داوود والترمذي)، وجماع ذلك أن يثني الله تعالى على نبيه الكريم بالخلق العظيم، حيث قال تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم” (سورة القلم/الآية 4).

إذا تقرر عندنا هذا الأصل، أي أن الدين أخلاق. وجب أن يتقرر لازمه كذلك؛ وهو لزوم الأخلاق للإنسان حيث كان، باعتبار شمول الدين والتدين لكل مناحي الحياة والمناشط التي يزاولها الناس، وحيث ينبغي التحرر هنا من كثير من صور التدين والتمثل الخاطئة التي تعتبر الدين طقوسا تؤدى في محلات العبادة، وأما خارجها فتُستباح كثير من الآثام والذنوب، دون استشعار أنها مخلةٌ بأصل التدين الذي هو الإيمان بالله تعالى، وأن صلاح الأعمال من شرط كمال هذا الإيمان. فهي وإن لم تكن مبطلةً لأصله أو ناقلةً منه، فإنها مخلةٌ بكماله وذلك نقصه. قال الإمام النووي في شرحه لحديث “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشريها وهو مؤمن“؛ القول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: “لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الايمان، وهذا من الالفاظ التي تطلق على الشيء ويراد نفي كماله”. وترجم الامام مسلم في صحيحه لهذا الباب من “كتاب الإيمان” فقال: “بابُ بيانِ نقصان الايمان بالمعاصي ونفيهِ عن المتبلس بالمعصية على إدارة نفي كماله”.

إن هذه الصورة التي أضحى عليها عمل بعض المسلمين اليوم للأسف، هي أشبه بالتدين اللاهوتي لدى بعض الديانات التي تجيز هذا الفصل بين الإيمان والعمل، بل وأشبه في تاريخنا الإسلامي بفصل المرجئة بينهما، في قولهم بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان ما وقر في القلب وإن لم يصدقه العمل. والحق أن الله تعالى الذي نؤمن به ونتعبد له، هو الآمر بالفعل والترك، والحِل والحِرمة، والندب والكراهة. ومن ثم ضرورةُ استصحاب أصل الإيمان في سائر الأفعال والأقوال تسديدا لها وتقويما.

يتأكد هذا الاعتبار الأخلاقي في الدين، في زمننا الراهن أكثر من أي وقت مضى، زمن التجرد من كل خلق وفضيلة، والاتجاه إلى الانغماس في كل قبح ورذيلة؛ بحيث تسود العالم اليوم اختلالاتٌ كبرى وانزياحاتٌ خطِرة، تسحب الإنسان خارج كينونته الإنسانية، لتزج به في عالم أناني استهلاكي صراعي وصدامي، فلم يعد لحياته معنى غير تلبية الشهوات والغرائز، ونزعات التملك، والهيمنة والتوسع؛ مما جعل كثيرا    من النقاد وعقلاء العالم يدقون نواقيس الخطر حول الوجهة المجهولة التي تقاد إليها البشرية اليوم، من خلال هذا النموذج الحضاري المهيمن المفتقر إلى قيم وهدايات الوحي والدين في تبصير الإنسان بحقيقة وجوده ومصيره.

ولهذا فإن كان ثمة زمنٌ مناسبٌ للتعريف بأخلاق الإسلام فهو هذا الزمن. حتى إن بعض الباحثين سماه “الزمن الأخلاقي للإسلام“. ولكننا للأسف نرى أن ثمة انشغالا من كثير من المتدينين بالأحداث والجزئيات أكثر من القيم والأخلاق الضابطة لها، معتقدين بذلك أنهم يهتمون بالواقع أكثر من النظر.

ولربما فاتهم أن معالجة قضايا السلم والأمن، وحفظ الأنفس والحقوق، والعقول والأموال والأعراض، وحفظ الأمانات والعهود والمواثيق، والبر والإحسان والوفاء، والصدق والتزكية والاستقامة…، وغيرها من أخلاق الدين التي تنصلح بها أحوال الأفراد والجماعات، لهي من صميم الارتباط بالواقع ومعالجة آفاته.

فحينما يتم بناء القيم والأخلاق في النفوس، فإنها تمنع من انتشار الآفات واستفحالها في الواقع. والناسُ هم مفتاح الصلاح أو الفساد، فبصلاحهم تنصلح الأحوال وبفسادهم تفسد، وتغيير ما بالنفس مقدم على غيره لقول الله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (سورة الرعد /الآية:11)، فلا يكفي في درء الآفات بيانُ مفاسدِها وسوءِ عاقبتها، مالم يقترن ذلك بالتمكين لأضدادها من قيم الصلاح والاستقامة في الأنفس حتى تنعكس في الواقع. فلَعْنُ الكذب والخيانة مثلا، لا يفيد في شيء مالم يقترن بنشر الصدق والأمانة والتمكين لها في النفوس والأحوال.

بناء على هذا كله، يمكننا الحديث عن عدة وظائف أساسية لخطبة الجمعة يمكن للخطيب تَحَريها ومراعاتها ما أمكنه ذلك: أذكر منها تلاثَ وظائفَ مجملة:

ـ أولا، الوظيفةُ التبليغية البيانية للدين، في حقائقه الوجودية وأحكامه التكليفية، بما ينير عقول الناس أكثر وينشر الوعي والمعرفة بالدين أكثر، ويحررهم من الارتهان لعادات أو أقاويل لا علاقة لها بالدين وقد تكون مخالفة له أحيانا.

ـ ثانيا، الوظيفةُ التعليمية التخليقية، حيث يمكن للمنبر أن يكون مدرسةً للاستنارة والتزود بالهدايات في الدنيا والدين معا، وفرصةً للتقويم الأخلاقي والسلوكي في الأحوال الخاصة والعامة على حد سواء؛ فالنفس المزكاة في الأحوال الخاصة لا يمكنها إلا أن تكون مستقيمة في الأحوال العامة.

وتعلم الدين، في الحقيقة، هو تعلم لحسن التخلق ارتقاء من الأدنى إلى الأعلى، تحققا بكمالات الدين وهداياته في الحياة. ولهذا ورد في الحديث أن” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” (رواه البخاري)، أي أن الإسلام يجعل المسلم محلا للسلم إذا أحسن التمثل. ومثل ذلك المؤمن محلا للأمن والطمأنينة في تشبعه بحقيقة الإيمان. فـ “المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم” (رواه الامام أحمد)، و”لا إيمان لمن لا أمانة له” (رواه الامام أحمد)؛ ومثل ذلك الصدق الذي يهدي الى البر، والبر الذي يهدي الى الجنة، وأن الرجل لا يزال يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا؛ أو نقيض ذلك الكذب الذي يهدي الى الفجور، والفجور الذي يهدي الى النار، وأن الرجل لايزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، (الحديث في البخاري ومسلم).  وهكذا تشكل قيم وأخلاق الإسلام نسقا متعاضدا من المعاني، يأخذ بعضها بزمام بعض حتى تنتهي الى الصلاح والفلاح؛ كما تشكل ذميم الأخلاق وسيؤها، نسقا متعاضدا كذلك، يأخذ بعضها بزمام بعض حتى تنتهي الى الفساد والخسران.

 

ـ ثالثا، وظيفةُ حفظ الوحدة الدينية والوطنية، وتحصين الاختيارات رفعا لكل تشويش عليها، ووقايةً من كل فتنة أو غلو أو تشدد، وابتعادا بالمنبر عن كل جدال وسجال سياسي أو جمعوي أو حزبي؛ فالمنبر الجامع يستند إلى جوامع الكلم وكليات الدين المستوعبة لكل المسلمين.

وعلى العموم، فإن الخطبة تستهدف إصلاح الأحوال من خلال إصلاح الإنسان، ففساد الأحوال من فساد الانسان، ومدخل إصلاح الإنسان تخليقه ظاهرا وباطنا؛ فإذا صَلُح أصلح كل شيء حوله، وأدى بحق كل الأمانات التي يحملها اتجاه نفسه واتجاه الناس واتجاه خالقه، لكننا حين نخطئ هذا المعنى، فنتجه إلى الأحوال دون الإنسان القائم بها، تكون مسافة الصلاحِ والإصلاح أبعد.

 وإننا لنحمد الله تعالى في بلدنا المغرب، أن جعل إمارة المؤمنين حامية للملة والدين؛ فها هو مولانا أمير المؤمنين حفظه الله، يراسل المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه، موجها إياه الى العناية بالسيرة النبوية والشمائل والأخلاق المحمدية، وأن يجعل من ذلك برنامجا سنويا لاستعادة مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال في الحياة الخاصة والعامة؛ وما أحوجنا كمسلمين وأحوج البشرية جمعاء، الى الاستهداء بهداية النبوة، والتأسي بأخلاق من كَمُلت الأخلاق فيه، من بعثه الله تعالى للناس أجمعين ورحمة للعالمين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

وحفظ الله مولانا أمير المؤمنين بما حفظ به الذكر الحكيم، ومتعه بموفور الصحة والعافية، قرير العين بولي العهد سمو الأمير مولاي الحسن، مشدود الأزر بصنوه الرشيد مولاي رشيد.

       

  والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل

  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)