You may also like
Page 4 of 8
أيها السادة الفضلاء – تقدم لنا أن الإمام هو المقتدى به، لأن الجماعة تقدمه في أمور دينها، وأهمها: الصلاة، فلا جماعة بدونه، ولا إمام بدونها.
ولا شك أن الإمام – مطلقا: إماما للصلوات، أو خطيبا، – يتمتع بسلطة دينية منحها إياه الشرع الحنيف، وهي سلطة معنوية من شأنها أن تحدث هيبة ووقارا ونفوذا في نفوس الناس. مما يجعله – بهذه الصفة – مؤثرا في سلوكهم، مغيرا لأحوالهم من دائرة الشر إلى دائرة الخير. وذلك بجميل الصفات التي يتحلى بها؛ وهنا نستحضر قول معاذ بن جبل رضي الله عنه:
«بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يَزَلْ يُوصِينِي، حَتَّى آخِرَ مَا أَوْصَانِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ؛ فَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا أَحْسَنُهُمْ دِينًا»([1]). وفي رواية الإمام مالك: «أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»([2])
ولأجل ذلك ينبغي التذكير بأن الإمام يتميز بمؤهلات خاصة، فهو من أبرز المبلغين عن رب العالمين، وقد تبوأ مع العلماء منزلة أهلته ليكون من الأخيار الذين اختارهم الله لتبليغ رسالته.
لذلك كانت مهمة الإمامة من أنبل المهمات وأشرفها، لأنها رسالة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، لا يهتدي إليها كل الناس، بل يوفق الله للقيام بها على الوجه الأحسن نخبة متصفين بـ «المبلغين” يبلغون للناس أمور دينهم، ويكونون ممن يقتدى بهم.
لأن المجتمع بدون صلحاء يصير مآله إلى خراب.
وقد قال الشاعر([3]):
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُمُ سادوا
ومن أهم القضايا التي تجعل ثقافة الإمام متينة راسخة تمكنه – على الأقل – من العلوم الثلاثة المجتمعة في متن الإمام سيدي عبد الواحد ابن عاشر رحمه الله تعالى إذ قال: في عقد الأشعري البيت
فلا يتصور في سائر البلاد إمام غير متشبع بثقافة وهوية بلده، لأن هذه العلوم المصطلح عليها بـ «الثوابت” التي هي اختيارات الأمة؛ هي صمام الأمان لاستمرار الطمأنينة في المملكة المغربية الشريفة، فبلدنا – ولله الحمد – يتمتع بمظاهر الوحدة، منذ عهد المولى إدريس رضي الله عنه إلى يومنا هذا. وإلى ما شاء الله تعالى وهو محفوظ بحفظ الله تعالى وعنايته من مظاهر الفرقة والتشرذم، التي ابتليت بها عدد من البلدان الإسلامية، عجل الله لها بلطفه.
فنعمة الوحدة والاستقرار تستوجب مزيدا من الشكر لله تعالى على تمام فضله وجميل إحسانه.
إن هذا الموروث النفيس لا يقدره حق قدره إلا العقلاء الذين خبروا مجريات التاريخ، وما تفعله الفتن بسبب اتخاذ بعض الناس رؤوسا جهالا يستفتون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون. كما ورد في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»([4])
إن هذه الثوابت تعتبر بحق من ذخائر ميراث العلماء الذي لا ينبغي التفريط فيه بحال، لأنه نتاج فكري سديد، وفهم عميق ومتين للدين، أصوله من العقيدة الأشعرية، وفروعه من المذهب المالكي، وآدابه وسلوكه من التصوف السني على طريقة الجنيد، وتثبيت هذه القيم والثوابت إنما يتحقق في ظل إمارة المؤمنين، أدام الله عزها ونصرها.
فعلاقة الإمام بموضوع الثوابت علاقة وطيدة لأنها:
_ تجعل الإمام يستشعر طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقه وخطورتها من حيث إنه مؤتمن على الدين، ويقوم مقام أمير المؤمنين فيما هو مأذون له فيه من إقامة الصلوات، وهذا لا يكون إلا في إطار الالتزام الواضح التام.
_ وتجعله ملتزما بشرح وبيان مضمون الخطاب الديني لجماعة المسجد في كل حي، أو قرية، لأن تماسك الأمة لا يتحقق إلا من خلال المسجد. فالمذهب الفقهي المتبع في بلادنا وكذلك الدرس العقدي الأشعري، والتصوف الجنيدي منطلق ذلك كله المسجد، وأثره يتجلى في سلوك الناس.
ولذلك فإن الإمام:
وفي هذا الصدد يجدر التذكير بأمر مهم وهو: عدم الانزلاق نحو توجيه بعض أفراد الجماعة لمهام الإمام. فلا يمكن للجماعة أن تفرض على الإمام ما تريد، أو تأمره بفعل ما أو تنهاه عنه.
فليس أمام الجماعة إلا التسليم والطاعة والانضباط لتوجيهات الإمام، طالما أنهم وثقوا به وأحسنوا به الظن، واطمأنوا إلى ورعه وعلمه وتقواه، وعدله والتزامه بثوابت الأمة.
وقد توارث المغاربة حسن الظن بأئمتهم ووضع تمام الثقة فيهم حتى قالوا: (لي قالها سيدي الفقيه هي لي كاينة).
بخلاف ما لو انفلت زمام الأمر من يده ومنحهم عقله ليوجهوه حيث أرادوا، ففي هذه الحال قد يعتريهم الريب في أهليته. وقد سبقت الإشارة إلى أن التقيد بمضمون “دليل الإمام والخطيب والواعظ” من آكد الأمور التي توجه عمله. فتلك الوثيقة الهامة تعتبر خارطة الطريق في هذا الباب، وهو أيضا يتصف بكونه مرشدا وواعظا. فهي في الحقيقة عاصمة للإمام من الوقوع في أي شيء قد يؤدي إلى التشويش على عمله بما لا يليق مثل:
وبالجملة ساداتي الأئمة الفضلاء إن التصرف السديد من لدن الإمام يحقق آثارا طيبة في حياة الناس وهذا مقصد شريف ومنزع لطيف من مقاصد خطة تسديد التبليغ.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([1]) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (4/ 376).
([2]) موطأ مالك، باب ما جاء في حسن الخلق.
([3]) من ديوان الشاعر الجاهلي ابن عمرو اليمني.
([4]) صحيح البخاري، باب كيف يقبض العلم.
([5]) أخرجه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: 1 / 59، وحسنه الحافظ العلائي. (بغية الملتمس في سباعيات حديث مالك بن أنس: 34). ط. عالم الكتب. بيروت.
At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.